تعد سياسة «المناطق الاقتصادية الخاصة» من أهم السياسات التي انتهجتها «الصين»، منذ عام 1979، حين تم إنشاء أول أربع مناطق اقتصادية. وفي 1986 تم إضافة 14 منطقة أخرى، والآن أصبح لديها 218 منطقة. وكان لهذه السياسة دورها الكبير في تحقيق الصعود الاقتصادي الصيني، وجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، التي تنقل إليها أحدث ما وصل إليه العالم من تقنيات، وبمرور الوقت تزايد تدفق هذه الاستثمارات، حيث أخذت الشركات الصناعية العالمية تنقل أعمالها من الولايات المتحدة، وأوروبا إليها، وبذلك غدت مصنع العالم، وثاني أقوى اقتصادياته.
وقد أغرى نجاح سياسة المناطق الخاصة في الصين العديد من دول العالم، لإنشاء مناطق اقتصادية خاصة فيها، حتى صار عددها حول العالم نحو 5400 منطقة في 147 دولة، خاصة وأن عوائد هذه المناطق في الصين باتت تشكل نحو 30% من ناتجها المحلي الإجمالي، و50% من تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، و48% من حجم تجارتها مع العالم الخارجي.
و«المنطقة الاقتصادية الخاصة»، هي منطقة جغرافية في الدولة قريبة من منافذ التصدير، تخصصها لنشاط اقتصادي محدد، أو أنشطة اقتصادية متعددة، فيما تميزت هذه المناطق في الصين بشمولها، حيث تتوافر فيها أنشطة متعددة، مثل؛ صناعة، تجارة، زراعة، عقارات، سياحة.... إلخ.
وتتمتع هذه المناطق بسياسات أكثر انفتاحًا وإجراءات أكثر مرونة، متحررة من اللوائح الحكومية الصارمة، ومستثناه من القوانين التي تحكم المناطق الأخرى في الدولة، ويكون لها قانونها الخاص، وهيئة مشرفة على تنفيذه، ولها موازنة مستقلة، وشركة تنمية رئيسية تكون صاحبة الترخيص بتنميتها، والاستثمار فيها، وإنشاء وإدارة بنيتها الأساسية، وشركات تنمية أخرى تابعة لهذه الشركة الرئيسية تتولى مهام محددة بتفويض منها.
وفضلا عن ذلك، تتمتع هذه المناطق بتسهيلات إضافية خاصة، كتلك المتعلقة بالجمارك، والعمل، والرسوم الجمركية، والدعم اللوجستي، والخدمات التكميلية، والبنية التحتية؛ من طرق ومطارات وموانئ، ويتوفر بها بيئة أعمال جاذبة، توفر الوقت والجهد والتكلفة لتأسيس الأعمال والتشغيل.
وفي 13 أبريل 2023، أعلن ولي العهد السعودي سمو الأمير «محمد بن سلمان»، إطلاق أربع مناطق اقتصادية خاصة في مواقع استراتيجية، في كل من «الرياض، وجازان، ورأس الخبر، ومدينة الملك عبدالله الاقتصادية شمال مدينة جدة»، في خطوة تهدف إلى تنويع وتطوير الاقتصاد السعودي، وفتح آفاق جديدة للتنمية على أسس تنافسية لكل منطقة، وتحسين البيئة الاستثمارية؛ ما يعزز مكانة المملكة كواجهة استثمارية عالمية رائدة.
وبحسب الإعلان تسمح «الرياض»، بالملكية الأجنبية بنسبة 100%، والقدرة على استقطاب أفضل الموارد البشرية العالمية، والتمتع بنظم تشريعية ولوائح خاصة ترفع تنافسيتها وجاذبيتها للاستثمار، واستحداث الوظائف ونقل التقنية، كما تتكامل هذه المناطق مع اقتصاد المملكة، وتتيح للشركات السعودية الاستفادة منها على جميع مستويات سلاسل الإمداد وفي مختلف القطاعات، وتمثل هذه المناطق منصات لوجستية وصناعية متكاملة، وترسخ مكانة المملكة، كبوابة عبور لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا، وحركة وصل بين الشرق والغرب.
وينظم عمل هذه المناطق، «هيئة المدن والمناطق الاقتصادية الخاصة»، وتعد مرحلة أولى من برنامج طويل الأمد، يستهدف جذب الشركات العالمية، وتشجيع الاستثمار الأجنبي المباشر، وتعزيز نمو قطاعات الاقتصاد السعودي المختلفة، ويخدم ذلك بنية تحتية عالمية المستوى، وفرص استثمارية واعدة، ومنظومة من اللوائح والأنظمة المشجعة؛ بما في ذلك معدلات ضرائب تنافسية، وإعفاءات للواردات ومدخلات الإنتاج، والآلات، والمواد الخام من الرسوم الجمركية، وهي لا تخضع لقواعد السعودة، ومعفاة من ضريبة القيمة المضافة، وضريبة التعاملات بين الكيانات داخل المناطق الاقتصادية الخاصة، كما تتمتع بخصم ضريبي مدة 20 عاما.
وجاء إطلاق المدن الأربعة بعد أن تجاوز الاقتصاد السعودي حاليًا المستهدف في2030. وتستهدف «المملكة»، أن يصبح اقتصادها في المركز الـ15 عالميًا، بدلاً من المركز 20 حاليًا، باقتصاد أقل اعتمادًا على النفط. وبعد شهر واحد من إعلان إطلاق هذه المناطق، نجحت في استقطاب استثمارات تعدت قيمتها 47 مليار ريال سعودي في قطاعات حيوية، شملت القطاع البحري، والصناعة، والخدمات اللوجستية، والتقنيات الحديثة، والطاقة، فيما يبلغ إجمالي حجم الاستثمارات الجاري تنفيذها أكثر من 116 مليار ريال سعودي.
وفي تقريره عام 2019، بعنوان «التجارة من أجل التنمية في عصر سلاسل القيمة العالمية»؛ أعلن «البنك الدولي»، أن «الإمارات»، تعد من الدول القليلة على مستوى العالم، التي تبنت برامج ناجحة لإنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة. ولهذا، جاءت الأولى عربيًا عام 2018 في اجتذاب الاستثمار الأجنبي المباشر، بقيمة تجاوزت 10.4 مليارات دولار. وأشار «التقرير»، إلى أن ميناء «جبل علي»، أصبح رائدًا في جذب استثمارات الشركات دولية النشاط لإنشاء مراكز إقليمية لها. وتُعرف المناطق الاقتصادية الخاصة في «الإمارات» بـ«المناطق الحرة»، ولديها منها 47 منطقة، وفي «دبي»، وحدها 24 منطقة حرة.
وفي يونيو 2022، أعلنت «المنظمة العالمية للمناطق الحرة»، تأسيس التحالف العالمي للمناطق الاقتصادية الخاصة، ويضم «الأونكتاد»، و«المنظمة العالمية للمناطق الحرة»، و«منظمة المناطق الاقتصادية الإفريقية»، و«رابطة مناطق التجارة الحرة للأمريكتين»، و«الرابطة الدولية لمجمعات العلوم»، و«الاتحاد العالمي للمناطق الاقتصادية الحرة والخاصة»، وجاءت «الإمارات»، في القلب من هذا التحالف.
وتتسم المناطق الاقتصادية الخاصة في «الإمارات» – التي يتركز غالبيتها في «دبي»، و«أبو ظبي» – ببنيتها التحتية عالية الكفاءة، وخدماتها المتنوعة والمتميزة، وسهولة إجراء الأعمال وسرعتها، وانخفاض تكلفتها، وإمكانية التملك بنسبة 100%، وتحويل الأرباح بنسبة 100%، وسهولة الوصول إلى الأسواق الإقليمية والدولية. وتحتضن هذه المناطق، «طيفًا واسعًا» من الصناعات التي يتم تصدير منتجاتها، فيما بلغ عدد الشركات العاملة فيها نحو 60 ألف شركة.
أما «الكويت»، فتقوم بتطوير 3 مناطق اقتصادية جديدة، لتعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر، ودعم التجارة من خلال التجمعات الصناعية الاستراتيجية. وتهدف هذه المناطق في «العبدلي، والوفرة، والنعيم»، إلى خلق فرص عمل للكويتيين، بما يتماشى مع «رؤية الكويت 2035».
ويعطي هذا التطوير أولوية للتوسع الصناعي، بما يعزز تنويع مصادر الدخل، وخفض اعتماد الاقتصاد الكويتي على النفط، فيما تخصص منطقة العبدلي للصناعات الخفيفة، وصناعة الأجهزة الكهربائية، ومعدات النقل ومكوناتها، وتقع شمال الكويت بالقرب من العراق، وقريبة من خط السكة الحديدية الخليجية والطرق السريعة.
وكان «مجلس الوزراء الكويتي»، قد طلب من هيئة تشجيع الاستثمار المباشر عام 2021، المضي قدمًا نحو إنشاء 4 مناطق اقتصادية حدودية؛ ما يمكن من توسيع قاعدة الناتج المحلي الإجمالي للدولة، حيث إن القيمة المتوقعة لإجمالي الاستثمارات في هذه المناطق بعد 4 سنوات تقدر بـ322 مليار دينار كويتي، وطلب المجلس خفض النفقات التشغيلية للشركات دولية النشاط، وبيئة أعمال صديقة، وبنية تحتية، وسياسات وتشريعات داعمة. وتعد منطقة «النويصب»، هي المنطقة الرابعة إضافة إلى المناطق الثلاثة السابق ذكرها.
وفي أغسطس2020، أسست «سلطنة عُمان»، «الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة»، وتتولى الإشراف على المنطقة الاقتصادية الخاصة «الدقم»، والمناطق الحرة؛ «المزيونة، وصلالة، وصحار»، والمناطق الخاصة والحرة التي تنشأ بعد ذلك. وقد تأسست المنطقة الاقتصادية الخاصة «الدقم» عام 2011 على مساحة 2000كم2، وتتمتع بميزة الموقع الجغرافي على بحر مفتوح قبالة المحيط الهندي، وعلى خطوط الملاحة العالمية؛ ما جعلها محل اهتمام الشركات العالمية، وقدرتها على القيام بمشاريع، سواء صناعية، أو سياحة، أو خدمات لوجستية، وتطوير عقاري.
علاوة على ذلك، زاد من جاذبية هذه المنطقة للاستثمار؛ «ملكية أجنبية بنسبة 100%، لا حد أدنى لرأس المال، لا قيود على العملات، إعفاء ضريبي مدة 30 عاما قابلة للتجديد لمدة مماثلة، فرص استثمارية في القطاعات الرئيسية للاقتصاد العُماني، اتفاقات حق انتفاع تصل إلى 50 عاما قابلة للتجديد لمدة مماثلة، خطوات بسيطة وقليلة لبدء الأعمال (تقديم الطلب – تخصيص الأرض – توقيع الاتفاق). وفي أكتوبر القادم تنظم «الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة والمناطق الحرة»، «منتدى الدقم الاقتصادي»، الذي يسلط الضوء على الفرص الاستثمارية، والشراكات المحتملة، خاصة في فرص الاقتصاد الأخضر.
وفي «مملكة البحرين»، تأسست «منطقة البحرين العالمية للاستثمار» عام 2005، كمنطقة أعمال رائدة تضم 114 شركة، وتعد «محركا رئيسيا»، في تطوير اقتصاد المملكة. وتبلغ نسبة استثمار الشركات الدولية فيها نحو80%، فيما بلغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر نحو 2 مليار دولار، وتوفر نحو 5200 وظيفة، وتقدم بنية تحتية بتكلفة معقولة، وأسعارا تنافسية لاستئجار الأراضي، وعقود إيجار قابلة للتجديد مدة 25 عاما، ومساحات مكاتب مناسبة، ووحدات مخصصة للاستثمار بمساحات من 2000 – 9600م2 بإيجار زهيد، وملكية أجنبية للأصول بنسبة 100%، ولا قيود على رأس المال، وإعفاء ضريبي مدة 10 سنوات، وإعفاء جمركي.
وبالمقارنة، فإن التكلفة التشغيلية لهذه المنطقة في البحرين تقل عن مثيلتها في «سلطنة عُمان»، بنسبة 20%، وفي «السعودية»، بنسبة 56%، وفي «الإمارات»، بنسبة 44%، كما تتمتع بالوصول السريع إلى المناطق الحرة الخليجية، والعربية، والولايات المتحدة، وسنغافورة، والنرويج، وسويسرا، وآيسلندا، ولختنشاين، وهي قريبة من ميناء خليفة بن سلمان، ومرسى البحرين للاستثمار، ومطار البحرين الدولي، ومنطقة البحرين اللوجستية والمملكة العربية السعودية.
أما «قطر»، فلديها ثلاث مناطق اقتصادية خاصة في «راس بوفنطاس، ومنطقة أم الحول، ومنطقة الكرعانة»، وهي مناطق قريبة من منافذ التصدير، تتيح مساحات أراضي للاستثمار الصناعي، وتتولى شركة «مناطق» إدارتها، وتوفر بنيتها التحتية المتكاملة، وما يلزمها من تسهيلات لجذب الاستثمار في قطاعات الصناعة والخدمات؛ لتحقيق «رؤية قطر 2030». وتشمل المزايا الممنوحة التملك بنسبة 100% وتحويل أرباح بنسبة 100%، وإعفاءات ضريبية وجمركية، فيما كان له دوره في تعزيز استقدام الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
على العموم، مثلت المناطق الاقتصادية الخاصة في دول الخليج، أحد أهم أدواتها في جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، نحو القطاعات التي توسع قاعدة ناتجها المحلي الإجمالي، خاصة قطاع الصناعة، حيث تحتضن دول «مجلس التعاون الخليجي»، أكثر من 70 منطقة، وهو رقم مرشح للارتفاع خلال السنوات القليلة المقبلة، لتوجه دول المنطقة نحو تعظيم الاستفادة من موقعها المتميز الذي يربط الشرق بالغرب، بما يسهم في خلق اقتصادات أكثر شمولا، ومرونة، واستدامة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك