العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الصمود في محطة 39

في‭ ‬سلسلة‭ ‬مقالات‭ ‬لي‭ ‬هنا‭ ‬في‭ (‬أخبار‭ ‬الخليج‭) ‬تحدثت‭ ‬عن‭ ‬تجربتي‭ ‬كعربيقي‭ (‬عربي‭- ‬إفريقي‭) ‬عندما‭ ‬زرت‭ ‬لندن‭ ‬اول‭ ‬مرة،‭ ‬وكيف‭ ‬إن‭ ‬والدتي‭ -‬رحمها‭ ‬الله‭- ‬عارضت‭ ‬لاحقا‭ ‬بشدة‭ ‬سفري‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬للعمل‭ ‬في‭ ‬تلفزيون‭ ‬بي‭ ‬بي‭ ‬سي،‭ ‬لا‭ ‬لسبب‭ ‬سوى‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬تخاف‭ ‬عليّ‭ ‬الفتنة،‭ ‬فهي‭ ‬كغيرها‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬المشرق‭ ‬تسمع‭ ‬بأن‭ ‬الاوروبيات‭ ‬ذوات‭ ‬عيون‭ ‬‮«‬زائغة‮»‬،‭ ‬وبما‭ ‬أنها‭ ‬تعلم‭ ‬أن‭ ‬ابنها‭ ‬يتمتع‭ ‬بجاذبية‭ ‬لا‭ ‬تقاوم‭ ‬فقد‭ ‬خشيت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬بنات‭ ‬بريطانيا،‭ ‬وليس‭ ‬في‭ ‬ما‭ ‬أقول‭ ‬ما‭ ‬ينبئ‭ ‬عن‭ ‬غرور،‭ ‬ولم‭ ‬تتوصل‭ ‬أمي‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬الاستنتاج‭ ‬لأن‭ ‬‮«‬القرد‭ ‬في‭ ‬عين‭ ‬أمه‭ ‬غزال‮»‬،‭ ‬بل‭ ‬لأنها‭ ‬تعرف‭ ‬أنني‭ ‬صاحب‭ ‬‮«‬سوابق‮»‬،‭ ‬فعندما‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬مقتبل‭ ‬العمر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬سرّاً‭ ‬أنني‭ ‬ارتبطت‭ ‬بعلاقة‭ ‬عاطفية‭ ‬مع‭ ‬الممثلة‭ ‬ناتالي‭ ‬وود،‭ ‬ولكن‭ ‬أمي‭ ‬ركبت‭ ‬رأسها‭ ‬وحرمتني‭ ‬من‭ ‬النقود‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تساعدني‭ ‬على‭ ‬الالتقاء‭ ‬بها‭ ‬في‭ ‬دور‭ ‬السينما،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬تزوجت‭ ‬بإحدى‭ ‬بنات‭ ‬بلدي،‭ ‬انتحرت‭ ‬ناتالي‭.‬

مشكلة‭ ‬ناتالي‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تفهم‭ ‬أن‭ ‬الزواج‭ ‬قسمة‭ ‬ونصيب،‭ ‬وهي‭ ‬أيضاً‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬تفهم‭ ‬أنه‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ممكناً‭ ‬لي‭ ‬أن‭ ‬أتزوجها‭ ‬وهي‭ ‬توزع‭ ‬القبلات‭ ‬بسخاء‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬يظهر‭ ‬معها‭ ‬على‭ ‬الشاشة‭. ‬وبصراحة‭ ‬فإنني‭ ‬لا‭ ‬أعفي‭ ‬نفسي‭ ‬من‭ ‬اللوم،‭ ‬فقد‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المرحلة‭ ‬من‭ ‬العمر‭ ‬أتمتع‭ ‬بجاذبية‭ ‬لا‭ ‬تقاوم،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬فقد‭ ‬كانت‭ ‬حسناوات‭ ‬السينما‭ ‬يتسابقن‭ ‬لغزو‭ ‬قلبي،‭ ‬وسرّ‭ ‬تلك‭ ‬الجاذبية‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬دائم‮»‬‭ ‬الشباب،‭ ‬مثلا‭ ‬عندما‭ ‬بلغ‭ ‬عمري‭ ‬29‭ ‬سنة‭ ‬‮«‬ربطت‮»‬‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬المحطة‭ ‬بضع‭ ‬سنين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬بلغت‭ ‬التاسعة‭ ‬والثلاثين،‭ ‬ومنذ‭ ‬يومها‭ ‬لم‭ ‬يزد‭ ‬عمري‭ ‬يوماً‭ ‬واحداً‭. ‬عام‭ ‬89‭ ‬كان‭ ‬عمري‭ ‬39‭ ‬سنة‭ ‬وفي‭ ‬عام‭ ‬93‭ ‬كان‭ ‬عمري‭ ‬أيضاً‭ ‬39‭ ‬سنة،‭ ‬وقد‭ ‬تقدمت‭ ‬قبل‭ ‬سنوات‭ ‬قليلة‭ ‬بطلب‭ ‬للحصول‭ ‬على‭ ‬وظيفة‭ ‬مجزية،‭ ‬وبعد‭ ‬أن‭ ‬اجتزت‭ ‬الامتحان‭ ‬التحريري‭ ‬جاء‭ ‬موعد‭ ‬المعاينة‭ ‬‮«‬الإنترفيو‮»‬‭ ‬فسألني‭ ‬أحدهم‭ ‬عن‭ ‬عمري‭ ‬فقلت‭: ‬39‭ ‬سنة‭ ‬فاحتج‭ ‬قائلاً‭: ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬وأوراقك‭ ‬هنا‭ ‬تدل‭ ‬على‭ ‬أنك‭ ‬أكبر‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬فقلت‭ ‬له‭: ‬تكذبني‭ ‬وتصدق‭ ‬الأوراق‭ ‬الخرساء،‭ ‬ما‭ ‬‮«‬دخلك‮»‬‭ ‬انت‭ ‬وعمري،‭ ‬فأنا‭ ‬لم‭ ‬أطلب‭ ‬يد‭ ‬ابنتك‭ ‬بل‭ ‬جئت‭ ‬طلبا‭ ‬لوظيفة‭ ‬معينة،‭ ‬وبالطبع‭ ‬لم‭ ‬أحصل‭ ‬على‭ ‬الوظيفة‭.‬

المهم‭ ‬طمأنت‭ ‬السيدة‭ ‬الوالدة‭ ‬بأن‭ ‬ابنها‭ ‬ذا‭ ‬الشباب‭ ‬الدائم‭ ‬لا‭ ‬خوف‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬نساء‭ ‬لندن‭.. ‬صحيح‭ ‬أن‭ ‬معظمهن‭ ‬رائعات‭ ‬الجمال‭ ‬والقوام‭. ‬وصحيح‭ ‬ان‭ ‬معظمهن‭ ‬كاسيات‭ ‬عاريات،‭ ‬ولهن‭ ‬سيقان‭ -‬يا‭ ‬أمي‭- ‬شيء‭ ‬بديع،‭ ‬ولكن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬ثمة‭ ‬مجال‭ ‬هنا‭ ‬للبصبصة‭. ‬وكما‭ ‬يقول‭ ‬المصريون‭: ‬‮«‬تشوف‭ ‬مين‭ ‬وتخلي‭ ‬مين‮»‬،‭ ‬فالبصبصة‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬تحتاج‭ ‬إلى‭ ‬تفرغ،‭ ‬وهو‭ ‬أمر‭ ‬لا‭ ‬يقدر‭ ‬عليه‭ ‬إلا‭ ‬جماعتنا‭ ‬الذين‭ ‬يأتون‭ ‬اليها‭ ‬في‭ ‬الصيف‭ ‬للعمرة‭ ‬‮«‬بفتح‭ ‬العين‮»‬‭.‬

الناس‭ ‬في‭ ‬لندن‭ ‬يمشون‭ ‬في‭ ‬الطرقات‭ ‬وكأنما‭ ‬لعنة‭ ‬تطاردهم،‭ ‬فمشيهم‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬الركض،‭ ‬ربما‭ ‬هم‭ ‬يفعلون‭ ‬ذلك‭ ‬هرباً‭ ‬من‭ ‬الضرائب،‭ ‬ربما‭ ‬كانت‭ ‬هناك‭ ‬ضريبة‭ ‬على‭ ‬السير‭ ‬البطيء‭. ‬باختصار‭ ‬إذا‭ ‬حاول‭ ‬شخص‭ ‬أن‭ ‬يعطي‭ ‬كل‭ ‬حسناء‭ ‬لندنية‭ ‬نصيبها‭ ‬من‭ ‬البحلقة‭ ‬فسيفوته‭ ‬القطار‭ ‬ومواعيد‭ ‬العمل،‭ ‬وفوق‭ ‬هذا‭ ‬فإنه‭ ‬يحتاج‭ ‬إلى‭ ‬لياقة‭ ‬رياضي‭ ‬من‭ ‬الطراز‭ ‬الاولمبي‭ ‬لينجح‭ ‬في‭ ‬‮«‬ملء‮»‬‭ ‬عينه،‭ ‬وأكثر‭ ‬ما‭ ‬يثير‭ ‬دهشتي‭ ‬هو‭: ‬من‭ ‬أين‭ ‬لهن‭ ‬هذه‭ ‬الاجسام‭ ‬وهن‭ ‬يأكلن‭ ‬طعام‭ ‬بلادهن‭ ‬الذي‭ ‬لا‭ ‬طعم‭ ‬له‭ ‬ولا‭ ‬رائحة،‭ ‬وقوتهن‭ ‬الرئيسي‭ ‬هو‭ ‬البطاطس،‭ ‬وهي‭ ‬ثمرة‭ ‬يؤدي‭ ‬الاكثار‭ ‬من‭ ‬تناولها‭ ‬إلى‭ ‬الروماتيزم‭ ‬وانسداد‭ ‬قناة‭ ‬فالوب‭ ‬والتهاب‭ ‬اللثة،‭ ‬ولكن‭ ‬لأمر‭ ‬غريب‭ ‬فإن‭ ‬البريطانيين‭ ‬لا‭ ‬يصابون‭ ‬بتلك‭ ‬الامراض‭ ‬برغم‭ ‬إدمانهم‭ ‬للبطاطس‭ ‬والبقدونس‭. ‬وهذا‭ ‬الاخير‭ ‬عشب‭ ‬كريه‭ ‬الرائحة‭ ‬سرّبه‭ ‬الاستعمار‭ ‬الفرنسي‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬الشام‭ ‬فأصبحوا‭ ‬يستخدمونه‭ ‬في‭ ‬الكفتة‭ ‬والكبة‭ ‬والشاي،‭ ‬فقلّدهم‭ ‬بقية‭ ‬العرب‭ ‬في‭ ‬ذلك،‭ ‬والخواجات‭ ‬أيضاً‭ ‬علّمونا‭ ‬أكل‭ ‬الخس‭ ‬الذي‭ ‬يحتوي‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬الغذائية‭ ‬نفسها‭ ‬الموجودة‭ ‬في‭ ‬مناديل‭ ‬الورق،‭ ‬وبالتالي‭ ‬فهو‭ ‬يسبب‭ ‬الامساك‭ ‬والتهاب‭ ‬المصران‭ ‬والمثانة‭.‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬صارت‭ ‬الوقائع‭ ‬أعلاه‭ ‬في‭ ‬ذمة‭ ‬التاريخ،‭ ‬وبحمد‭ ‬الله‭ ‬لا‭ ‬مبرر‭ ‬لأن‭ ‬يخاف‭ ‬أحدهم‭ ‬عليّ‭ ‬من‭ ‬الفتنة،‭ ‬فلطول‭ ‬الثبات‭ ‬عند‭ ‬سن‭ ‬التاسعة‭ ‬والثلاثين‭ ‬أصبحت‭ ‬العين‭ ‬كليلة‭ ‬وتقلص‭ ‬مدى‭ ‬الابصار‭. ‬والأهم‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬أن‭ ‬التفريق‭ ‬بين‭ ‬البنات‭ ‬والشبان‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الزمان‭ ‬أصبح‭ ‬صعباً،‭ ‬ولا‭ ‬يجوز‭ ‬لمثلي‭ ‬أن‭ ‬يقع‭ ‬في‭ ‬المحظور‭!!‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا