لعل من أهم المقاربات التي تفسر لنا التطورات السياسية والتفاعلات بكل أشكالها وشكل السلطة وظاهرة الانقلابات العسكرية وحالات الاستقرار وعدم الاستقرار السياسي وانتشار ظاهرة العنف السياسي مقاربة العلاقة بين الدولة والمجتمع. هذه العلاقة هي التي تفسر لنا تعدد أشكال وتباين أنظمة الحكم.
وبقدر عدد الدول بقدر هذه الأشكال من فرضية أن بيئة السلطة السياسية تختلف بمتغيراتها ومكوناتها من دولة إلى أخرى. فالحكم ركيزته الدولة والتي تقوم على عناصر ثلاثة الإقليم وهو حدود الحكم والسلطة والشعب الذي تمارس عليه السلطة والسيادة التي تشكل الإرادة العليا وهي أساس السلطة ومنها تستمد وجودها.
وعليه فإن الحكم هو تفاعل بين المجتمع والدولة وبقدر قوة المجتمع وتماسكه بقدر الحد من توغل السلطة. فالمجتمع يمثل الجانب اللاسلطوي للسلطة والحكم والدولة تمثل الجانب السلطوي. والسلطة في أوسع معانيها تعني القدرة على التأثير في الآخرين وإلزامهم بما تقرره السلطة من قرارات وقوانين وسياسات.، وتلجأ الدولة في ذلك لامتلاكها كل عناصر القوة الصلبة من قوة عسكرية أمنية وقوة اقتصادية.
وأيضا تحكمها في القوة الناعمة التي هي من أبرز سمات قوة المجتمع. والعلاقة بينهما تأخذ أكثر من شكل، الشكل الأول: تغول المجتمع كما في أنظمة الحكم الماركسية الشيوعية، وتغول الدولة على المجتمع كما في كثير من أنظمة الحكم في دول العالم الثالث .
والشكل الثالث: التوازن في العلاقة والذي تمثله أنظمة الحكم الديموقراطية والرشيدة. وهنا تثار عديد من التساؤلات عن شرعية السلطة ونشأتها وفرض طاعتها، وتأثيرها في شكل المجتمع وفاعليته. وفي هذا السياق تبرز المدرسة السلوكية وأن السلوك هو أساس التغيير ومن يحدد العلاقة، والمدرسة الهيكلية والمؤسساتية وإنها من تحدد العلاقة وتتحكم في مساراتها. فالتغيير يعنى حرية الفاعلين في ممارسة حقوقهم، وأما أنصار المدرسة الثانية يرون الالتزام والخضوع لما هو قائم من قوانين وأوامر.
وهناك من يرى أن المجتمع سابق على الدولة وهو من يفرض شكل الحكم: فالمجتمع المتعدد إثنيا ومذهبيا وأقليات يفرض شكل الحكم الفيدرالي وعلى العكس المجتمع المتجانس يفرض مركزية السلطة على أساس أن السياسة تعرفنا من يحصل على ماذا ومتى وكيف؟ والسلطة تحكم سيطرتها من خلال سيطرتها على وسائل القسر والإجبار.
وحيث إن العلاقة بينهما علاقة عضوية تكاملية، وأن الأساس في العلاقة الحد وكبح جماح السلطة. يبقى شكل التوازن هو الذي يحقق الاستقرار والتنمية وأساسه المواطنة الواحدة ومقاربة الحقوق المتساوية. وتتوقف العلاقة على مجموعة من المحددات على مستوى المجتمع والدولة. فعلى أساس المجتمع تبرز عوامل التناسق المجتمعي والحقوق ومستوى التعليم والفقر والبطالة وقوة الثقافة المدنية ومؤسسات المجتمع المدني وقوة القوة الناعمة المتاحة، والتعددية السياسية وهي كلها عوامل ومحددات تزيد من فاعلية المجتمع.
وعلى مستوى الدولة تبرز قوة المؤسسات السياسية ومنظومة القوانين والعلاقة بين العسكر والسلطة ومدنية الحكم والالتزام بالشرعية والسياسة القائمة، وطبيعة العلاقة بين مؤسسات السلطة الثلاث بما يحقق التوازن. وكما نرى الآن محاولة الحكومة الإسرائيلية إجراء تعديلات قضائية بهدف زيادة تغول السلطة التنفيذية وتراجع السلطة القضائية.
وهو ما يفسر لنا الاحتجاجات الشعبية وتعرض النظام في إسرائيل كله لخطر البقاء. وتفسر لنا أيضا ظاهرة الانقلابات العسكرية في النيجر والصراع العسكري في السودان وظاهرة الحروب الداخلية في عديد من الدول العربية كليبيا والعراق وسوريا وسببها محاولة تغول الدولة على المجتمع دون مراعاة لمحدداته وتطوراته.
وبالمقابل توجد أنظمة حكم رشيدة وفاعله تعمل من أجل تحقيق التوازن بين الدولة والمجتمع.
ولعل الإشكالية التي تحتاج منا الفهم والتحليل إن الدولة من تفعل وتخلق عوامل التغير في المجتمع إضافة إلى تأثير العامل الخارجي، وبقدر استجابة الدولة لهذه التغييرات بقدر تحقيق التوازن وهذا من خلال توسيع دائرة المشاركة السياسية والتمكين السياسي لكل الشرائح بما فيها المرأة وتداول السلطة. وبقدر تأصيل ظاهرة المؤسساتية السياسية وتقليص ظاهرة الفردانية الشخصانية في الحكم.
ويبقى هناك عامل ثالث لا يمكن تجاهل تأثيره وهو تأثير البيئة الخارجية، وهنا بقدرة قوة العلاقة بين الدولة والمجتمع بقدر تحييد التأثيرات السلبية لهذا العامل الذي يفسر لنا الكثير من التطورات في عالمنا العربي. وهنا أهمية الحفاظ على الدولة لارتباطها بالقانون وحفظ المجتمع واستقراره والحفاظ على فاعلية المجتمع الذي يمنح الشرعية والقوة للدولة.
{ أكاديمي فلسطيني متخصص في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك