تبرز أهمية التكنولوجيا المالية في تيسير حصول المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة في الحصول على التمويل المناسب وفي الوقت الأكثر ملاءمة، وبتكاليف وشروط أقل من تلك التي تفرضها البنوك، خاصة وأن المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة تعد المحرك الرئيسي لخلق فرص العمل وتوليد الدخل وتحفيز النمو الاقتصادي في العديد من بلدان العالم. كما تلعب دوراً مهما في التخفيف من الفقر وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، فوفقًا لبيانات المجلس الدولي للشركات الصغيرة، فإنها تمثل أكثر من (90%) من مجمل الشركات في العالم. لذا فقد أعارت التكنولوجيا المالية لها اهتماما خاصا، وعدتها منطلق نشاطها التمويلي.
كما لعبت التكنولوجيا المالية دورا مهما في تطوير أساليب جديدة وفعالة وأقل كلفة من البنوك لتصنيف مخاطرها الائتمانية، مثل معايير القياس النفسي لتحليل قدرة العملاء من أصحاب المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر والمتوسطة على السداد، بالإضافة إلى أساليب تقنية أخرى وبما ييسر للمشروعات الصغيرة والمتوسطة الحصول على الائتمان المطلوب لمشروعاتهم التي ليس لها تاريخ ائتماني – أو لها تاريخ ائتماني محدود.
علاوة على ذلك فهي تتيح الوصول إلى مصادر معلومات مختلفة أكثر من البنوك التقليدية، بالإضافة إلى تمكينها من الوصول إلى الأسواق، إذ إن شركات ومنصات التكنولوجيا المالية تقدم حزمة متنوعة من الخدمات المالية تتضمن خدمات المدفوعات وتحويل الأموال والإقراض والتمويل الجماعي وإدارة الثروات بالإضافة إلى خدمات التأمين، وخدمات أخرى عديدة. فمن خلال منصات التمويل الجماعي تضع التكنولوجيا المالية المشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر والمتوسطة ذات إمكانات النمو في اتصال مباشر مع مصادر التمويل المستعدة للاستثمار فيها.
ويعرف التمويل الجماعي Crowd funding بأنه أحد منتجات التكنولوجيا المالية الذي يتم من خلاله إعلان حاجة مشروع معين إلى التمويل، ويمكن للأشخاص والمؤسسات ذات الاهتمام بهذا المشروع تقديم الدعم المالي له كقروض، أو المساهمة في رأسماله.
كما يعرف أيضا بأنه ممارسة تمويل المشروعات عن طريق جمع الأموال من عدد كبير من الناس من خلال منصات رقمية مرخصة.
ويوجد ثلاثة أطراف مشاركة في التمويل الجماعي هي المشروعات التي ترغب في الحصول على التمويل، والشركات والأفراد الراغبين في استثمار أو إقراض الأموال، ومنصة التمويل الجماعي نفسها. والتمويل الجماعي على نوعين رئيسين هما التمويل الجماعي بحقوق الملكية، والتمويل الجماعي بالدين .
ويعرف التمويل الجماعي بالدين (Debt-based crowdfunding) بأنه عبارة عن سوق إلكتروني يربط كلا من المنشآت الصغيرة والمتوسطة ذات الحاجة إلى التمويل مع الأفراد أو المؤسسات الراغبة في التمويل .
وانطلاقا من اهتمام البنك المركزي السعودي بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة التي يعد التمويل المحدد الرئيسي في نجاحها وانطلاقها، وكجزء من سياسات المملكة العربية السعودية في توطين التكنولوجيا المالية وتوسيع سلة المنتجات المالية انسجاما مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030، فقد أصدر البنك المركزي السعودي القواعد المنظمة للتمويل الجماعي بالدين في 1/11/2021 بهدف دعم فُرص النمو والتطور الاقتصادي، حيث يسعى البنك المركزي من خلال هذه القواعد إلى تحقيق عدة أهداف، منها جذب شريحة جديدة من المستثمرين والشركات من أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة للعمل تحت إشرافه، وبما يضمن كفاءة عمل هذه الشركات من خلال الالتزام بمتطلبات أمن المعلومات، وحوكمة الشركات، والتنظيم الداخلي، والإسناد، وإدارة المخاطر والالتزام، والمراجعة الداخلية، إضافة إلى تشجيع الابتكار بالمنتجات التمويلية، بما يساهم في توفير منتجات تمويلية حديثة تلبي رغبات المستفيدين. وتشير إحصائيات البنك المركزي السعودي إلى أن عدد المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي اقترضت بآلية التمويل الجماعي بالدين بلغ عددها (729) منشأة خلال عام 2022. فيما بلغ حجم التمويل (771) مليون ريال، وبلغ عدد المستثمرين في منصات التمويل الجماعي بالدين إلى (92) ألف مستثمر خلال العام نفسه. وبلغت فترة السداد للتمويلات الممنوحة عبر خدمات المنصة إلى (11) شهرا، فيما بلغ متوسط قيمة التمويل الممنوح (601) ألف ريال، في حين بلغ متوسط معدل الفائدة السنوي 16%. ومع سعي المملكة إلى تسخير إمكانات القطاعات الناشئة، ضمن أهداف استراتيجية قطاع التقنية المالية لتوفير فرص عمل وتحقيق أثر اقتصادي بارز، بلغ عدد موظفي قطاع التمويل الجماعي بالدين إلى (78) موظفا يمثل السعوديون منهم 60 موظفا.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك