العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

حتما لص عن لص يفرِق

ربما‭ ‬كان‭ ‬اللص‭ ‬أو‭ ‬الحرامي‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الناس‭ ‬تعرضاً‭ ‬لإشانة‭ ‬السمعة‭. ‬أتكلم‭ ‬بالطبع‭ ‬عن‭ ‬اللص‭ ‬الذي‭ ‬يقتحم‭ ‬ممتلكات‭ ‬الغير‭ ‬للاستيلاء‭ ‬عليها‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬جزء‭ ‬منها‭. ‬اللصوصية‭ ‬مدانة‭ ‬لدى‭ ‬جميع‭ ‬الشعوب،‭ ‬ولكن‭ ‬هناك‭ ‬لصوص‭ ‬يحظون‭ ‬بقدر‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬الاحترام‭. ‬في‭ ‬كل‭ ‬مجتمع‭ ‬مهن‭ ‬عديدة‭ ‬هي‭ ‬في‭ ‬واقع‭ ‬الأمر‭ ‬اللصوصية‭ ‬بعينها،‭ ‬ولكن‭ ‬ممتهنيها‭ ‬يعيشون‭ ‬ملء‭ ‬السمع‭ ‬والبصر،‭ ‬وبعض‭ ‬أنواع‭ ‬اللصوصية‭ ‬يسميها‭ ‬المجتمع‭ ‬‮«‬تجارة‭ ‬وشطارة‮»‬،‭ ‬فالذي‭ ‬يبيع‭ ‬سيارة‭ ‬عيوبها‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مزاياها،‭ ‬بأضعاف‭ ‬ما‭ ‬تستحقه‭ ‬من‭ ‬ثمن،‭ ‬يستولي‭ ‬على‭ ‬مال‭ ‬الغير‭ ‬بغير‭ ‬وجه‭ ‬حق،‭ ‬وهو‭ ‬إذن‭ ‬‮«‬حرامي‮»‬،‭ ‬والمحامي‭ ‬الذي‭ ‬يتقاضى‭ ‬الاتعاب‭ ‬عن‭ ‬قضية‭ ‬يعرف‭ ‬أنها‭ ‬ميؤوس‭ ‬منها‭ ‬تماماً،‭ ‬وأن‭ ‬موكله‭ ‬رايح‭ ‬فيها،‭ ‬‮«‬حرامي‭ ‬قانوني‮»‬،‭ ‬والطبيب‭ ‬الخصوصي‭ ‬الذي‭ ‬تلجأ‭ ‬إليه‭ ‬شاكياً‭ ‬من‭ ‬التهاب‭ ‬في‭ ‬العين‭ -‬مثلاً‭- ‬فيرغمك‭ ‬على‭ ‬غشيان‭ ‬أقسام‭ ‬أشعة‭ ‬اكس‭ ‬والموجات‭ ‬الصوتية‭ ‬والمختبرات‭ ‬التابعة‭ ‬له‭ ‬لفحص‭ ‬اللعاب‭ ‬والدم‭ ‬والبول‭ ‬‮«‬حرامي‮»‬‭ ‬أيضاً،‭ ‬والسمسار‭ ‬قد‭ ‬يمارس‭ ‬‮«‬الحرامية‮»‬‭ ‬عدة‭ ‬مرات‭ ‬في‭ ‬سياق‭ ‬إبرامه‭ ‬لهذه‭ ‬الصفقة‭ ‬أو‭ ‬تلك،‭ ‬والحكومة‭ ‬تمارس‭ ‬اللصوصية‭ ‬بنص‭ ‬القانون‭ ‬لأنها‭ ‬تستولي‭ ‬على‭ ‬مداخيلك‭ ‬ومدخراتك‭ ‬بمساعدة‭ ‬الشرطة‭ ‬والقضاء‭ ‬تحت‭ ‬مسميات‭ ‬ضرائب‭ ‬ورسوم‭ ‬ودمغات‭ (‬طوابع‭).‬

في‭ ‬مدينة‭ ‬عدن‭ ‬اليمنية،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تغشاها‭ ‬الحرب‭ ‬الأخيرة،‭ ‬تابع‭ ‬شاب‭ ‬تحركات‭ ‬سائق‭ ‬إحدى‭ ‬الحافلات،‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يتعاطى‭ ‬بعض‭ ‬الشاي‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬أن‭ ‬تمتلئ‭ ‬الحافلة‭ ‬بالركاب،‭ ‬وما‭ ‬أن‭ ‬امتلأت‭ ‬الحافلة‭ ‬بالخلق‭ ‬حتى‭ ‬سبق‭ ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬السائق‭ ‬إلى‭ ‬مقعد‭ ‬القيادة‭ ‬وانطلق‭ ‬بالحافلة،‭ ‬ولأنه‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬حرامي‮»‬‭ ‬في‭ ‬نظر‭ ‬المجتمع‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬الاضطراب‭ ‬بادياً‭ ‬عليه،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬فإنه‭ ‬لم‭ ‬يتردد‭ ‬في‭ ‬إنزال‭ ‬بعض‭ ‬الركاب‭ ‬في‭ ‬المحطات‭ ‬المحددة‭ ‬لنزولهم،‭ ‬ولكن‭ ‬هؤلاء‭ ‬البعض‭ ‬كانوا‭ ‬من‭ ‬ناكري‭ ‬الجميل،‭ ‬فلأن‭ ‬الشاب‭ ‬نسي‭ ‬أن‭ ‬يحصل‭ ‬منهم‭ ‬قيمة‭ ‬التذاكر،‭ ‬فقد‭ ‬أبلغوا‭ ‬الشرطة‭ ‬بشكوكهم‭ ‬فيه،‭ ‬فسقط‭ ‬المسكين‭ ‬في‭ ‬قبضة‭ ‬ما‭ ‬يسمى‭ ‬‮«‬العدالة‮»‬‭ ‬التي‭ ‬أشبعته‭ ‬‮«‬عدلاً‮»‬‭ ‬وشتماً‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬تقديمه‭ ‬إلى‭ ‬المحاكمة‭. ‬ذلك‭ ‬الشاب‭ ‬الذي‭ ‬ظل‭ ‬محتجزا‭ ‬في‭ ‬مخفر‭ ‬الشرطة‭ ‬شهورا‭ ‬في‭ ‬انتظار‭ ‬القاضي‭ ‬الذي‭ ‬سيزج‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬السجن‭ ‬بضع‭ ‬سنوات‭ (‬ولا‭ ‬أدري‭ ‬ماذا‭ ‬نال‭ ‬من‭ ‬عقاب‭)‬،‭ ‬كان‭ ‬يعتزم‭ ‬توصيل‭ ‬جميع‭ ‬الركاب‭ ‬إلى‭ ‬وجهاتهم‭ ‬قبل‭ ‬‮«‬التصرف‮»‬‭ ‬في‭ ‬الحافلة،‭ ‬ولكن‭ ‬هذا‭ ‬لن‭ ‬يشفع‭ ‬له‭ ‬كثيراً‭ ‬لأنه‭ ‬حرامي‭ ‬‮«‬صغير‮»‬‭ (‬وربما‭ ‬راح‭ ‬فيها‭ ‬في‭ ‬قصف‭ ‬حوثي‭ ‬عشوائي‭).‬

وفي‭ ‬الأردن‭ ‬سرق‭ ‬شاب‭ ‬سيارة،‭ ‬وافتضح‭ ‬أمره،‭ ‬وطاردته‭ ‬الشرطة،‭ ‬فترجل‭ ‬من‭ ‬السيارة‭ ‬واختبأ‭ ‬قرب‭ ‬مدخل‭ ‬شقة‭ ‬سكنية،‭ ‬ولكن‭ ‬صاحب‭ ‬الشقة‭ ‬حسبه‭ ‬‮«‬حرامياً‮»‬‭ ‬فأطلق‭ ‬عليه‭ ‬النار‭ ‬فسقط‭ ‬صاحبنا‭ ‬قتيلاً،‭ ‬وهكذا‭ ‬مات‭ ‬شاب‭ ‬بريء،‭ ‬نعم‭ ‬بريء‭ ‬لأنه‭ ‬قتل‭ ‬لجريمة‭ ‬لم‭ ‬يرتكبها،‭ ‬ولنا‭ ‬أن‭ ‬نتساءل‭: ‬لو‭ ‬أن‭ ‬مختلساً‭ ‬معروفاً‭ ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الشقة‭ ‬ولم‭ ‬يكتفِ‭ ‬بالاختباء‭ ‬في‭ ‬مدخلها،‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬سيلاقي‭ ‬ذاك‭ ‬المصير‭ ‬نفسه؟‭ ‬بل‭ ‬هل‭ ‬كان‭ ‬سيتعرض‭ ‬للمطاردة؟

أما‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬فإن‭ ‬‮«‬الوضع‮»‬‭ ‬أفضل‭ ‬نسبياً،‭ ‬فقد‭ ‬عثرت‭ ‬دار‭ ‬الكتب‭ ‬المصرية‭ ‬على‭ ‬خزينة‭ ‬قديمة،‭ ‬وعند‭ ‬فتحها‭ ‬اتضح‭ ‬أنها‭ ‬تحوي‭ ‬آلاف‭ ‬القطع‭ ‬النقدية‭ ‬الذهبية،‭ ‬وبعد‭ ‬جرد‭ ‬محتويات‭ ‬الخزينة‭ ‬تم‭ ‬إغلاقها،‭ ‬ولكن‭ ‬تعذر‭ ‬فتحها‭ ‬مرة‭ ‬أخرى،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬من‭ ‬سبيل‭ ‬أمام‭ ‬إدارة‭ ‬دار‭ ‬الكتب،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬تقترح‭ ‬على‭ ‬وزير‭ ‬الثقافة‭ ‬الاستعانة‭ ‬بلص‭ ‬خزائن‭ ‬مخضرم،‭ ‬فالخزينة‭ ‬الأثرية‭ ‬صنعت‭ ‬في‭ ‬عام‭ ‬الفيل،‭ ‬وفشل‭ ‬مهندسو‭ ‬‮«‬آخر‭ ‬الزمن‮»‬‭ ‬في‭ ‬فتحها،‭ ‬وهكذا‭ ‬برهنت‭ ‬إدارة‭ ‬الكتب‭ ‬على‭ ‬احترامها‭ ‬للتخصص‭ ‬والكفاءة‭.‬

وبما‭ ‬أنني‭ ‬نصبت‭ ‬نفسي‭ ‬محامياً‭ ‬عن‭ ‬الحرامية‭ ‬فإنني‭ ‬أهيب‭ ‬بلصوص‭ ‬الخزائن‭ ‬في‭ ‬مصر‭ ‬عدم‭ ‬فتح‭ ‬تلك‭ ‬الخزينة‭ ‬إلا‭ ‬نظير‭ ‬عمولة‭ ‬معينة‭: ‬‮«‬فيفتي‭ - ‬فيفتي‮»‬‭ ‬على‭ ‬الأقل،‭ ‬وإلا‭ ‬بعد‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬تعهد‭ ‬من‭ ‬وزارة‭ ‬الداخلية‭ ‬بعدم‭ ‬التعرض‭ ‬لهم‭ ‬إذا‭ ‬فتحوا‭ ‬خزائن‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬أماكن‭ ‬أخرى،‭ ‬وإلا‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تسمح‭ ‬لهم‭ ‬السلطات‭ ‬بتكوين‭ ‬نقابة‭ ‬تدافع‭ ‬عن‭ ‬حقوقهم،‭ ‬كما‭ ‬هو‭ ‬الحال‭ ‬بالنسبة‭ ‬إلى‭ ‬المافيا‭ ‬الايطالية‭ ‬التي‭ ‬تحظى‭ ‬باحترام‭ ‬واهتمام‭ ‬الدوائر‭ ‬الرسمية‭. ‬وبعد‭ ‬تكوين‭ ‬النقابة‭ ‬بإمكانهم‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الاتحاد‭ ‬العالمي‭ ‬للمصارف‭ ‬وشركات‭ ‬التأمين،‭ ‬توسيعاً‭ ‬لنشاطهم‭ ‬وتعميماً‭ ‬للفائدة‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا