يعي العالم أجمع محنة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة تحت وطأة القمع الإسرائيلي، حتى لو دأبت الحكومات الغربية تجاهل اتخاذ إجراءات ضد هذه المعاناة. وكجزء من نظام «الفصل العنصري»، الذي اعترفت به منظمات حقوق الإنسان، مثل «العفو الدولية»، و«هيومن رايتس ووتش»، أكد «مايكل لينك»، مقرر الأمم المتحدة، المعني بحالة حقوق الإنسان في فلسطين أن «الجيش الإسرائيلي يمارس نظام قمع إزاء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، حيث يبقيهم بمعزل عن العالم، وقد وقعت وما زالت تحدث انتهاكات لا حصر لها لحقوق الإنسان».
ومنذ منتصف عام 2022، ازدادت التوقعات القاتمة للفلسطينيين. وجاء انتخاب حكومة إسرائيلية يمينية متطرفة دعا أعضاؤها علنا إلى ضم الأراضي الفلسطينية المحتلة إلى إسرائيل، بمثابة دافع لبناء المزيد من المستوطنات غير القانونية، وتصاعد الهجمات العنيفة والمدمرة، التي أوضحت «آنا بوفرزينيتش»، من «المجلس النرويجي للاجئين»، أنها «محت العديد من التجمعات الفلسطينية من على الخريطة كليا». وعندما يقترن ذلك، باستمرار الهجمات العسكرية -والتي كان أكبرها على مدينة «جنين» في يوليو 2023، واستشهد فيها عدد كبير من المدنيين وتشرد الآلاف – فإن عام 2023، يمثل واحدًا من أكثر الأعوام تدميرا للفلسطينيين في الأراضي المحتلة، مع استشهاد ما يزيد على 200 شخص وإصابة آلاف آخرين.
وعلى وجه الخصوص، تتعرض النساء والفتيات في ظل الاحتلال الإسرائيلي للعنف السياسي، وانتهاكات حقوق الإنسان. ووفقًا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، فإنه «في الفترة ما بين يناير 2008 وأغسطس 2023؛ تم استشهاد 626 امرأة، و275 فتاة فلسطينية». ومن بين هذه الأرقام، وقعت «850 حالة في قطاع غزة، و50 أخرى في الضفة الغربية». وفي الفترة ما بين يوليو 2020 ويونيو 2022، أوضحت البيانات، أنه «من بين 265 فلسطينيًا استشهدوا في غزة، كان هناك 41 امرأة و23 فتاة، بينما أصيبت 482 امرأة، و276 فتاة». وفي أعمال العنف التي وقعت في مايو 2021 وحده، كانت 38 امرأة و23 فتاة من بين 242 حالة استشهاد مسجلة.
وفي الضفة الغربية، خلال الفترة نفسها، لاحظت «الأمم المتحدة»، أنه من بين الشهداء الفلسطينيين البالغ عددهم 156 شخصًا، استشهدت 11 امرأة، بالذخيرة الحية. وفي عام 2023، من بين 219 حالة استشهاد فلسطينية وثقها الـ(أوتشا)، كانت هناك 6 نساء و4 فتيات، وقعت 7 منها في غزة، و3 في الضفة الغربية.
وعلاوة على المعاناة الجسدية للنساء والفتيات الفلسطينيات؛ تم الإبلاغ عن انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من قبل جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي تسببت في أضرار نفسية كبيرة وإذلال لضحاياها. وفيما أدانه «مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة (بتسيلم)، ووصفه بأنه «روتين مبني على العنف»؛ تمت الإشارة إلى اقتحام الجنود، منازل الفلسطينيين بصحبة الكلاب في منتصف الليل؛ بغرض «بث الخوف والرعب»، و«إحداث الدمار»، و«إهانة وصدمة الساكنات اللاتي يقطن هناك».
وعلى نطاق واسع، تم الاستشهاد في سبتمبر 2023، كيف أجبر الجنود – أثناء غارة عسكرية إسرائيلية على منزل في جنوب الخليل – النساء والفتيات من عائلة العجلوني على التعري، وهددوهن بإطلاق الكلاب نحوهن وتصويب أسلحتهم عندما «رفضن». ونددت «بتسيلم»، بالأساليب العنيفة التي يستخدمها جيش الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين، خاصة «الضرر غير المبرر الذي يتم إلحاقه بالنساء»، و«الإرهاب الذي يعاني منه الأطفال وبقية أفراد الأسرة».
وفي هذه القضية – وفقًا لموقع «ميدل إيست مونيتور» – فإن الجنود الإسرائيليين متهمون أيضًا بسرقة أموال ومقتنيات تبلغ قيمتها عدة آلاف من الدولارات، فيما أكد أن «إجبار الفلسطينيات على التعري هو أمر شائع من قبل قوات الاحتلال، كأداة للإذلال»، وغالبًا ما يتم إجراؤه عند نقاط التفتيش. وبالفعل، اعترفت «الأمم المتحدة»، بكيفية تعرض النساء والفتيات اللواتي يردن عبور نقاط التفتيش للوصول إلى العمل أو التعليم أو الرعاية الصحية، إلى «المضايقات الروتينية»، و«الإهانة» من قبل قوات الاحتلال، بما في ذلك «إجبارهن على الانتظار في الطابور ساعات»، مما «يتسبب في تعطيل حياتهم اليومية».
وتمتد معاناة المرأة الفلسطينية أيضًا إلى كم الإجراءات التي تتخذها إسرائيل ضد السكان العرب على نطاق أوسع. وفيما يتعلق بتصاعد الهجمات ضد المجتمعات الفلسطينية في الضفة الغربية من قبل المستوطنين الإسرائيليين غير الشرعيين؛ أشارت «الأمم المتحدة»، إلى «معيشة النساء الفلسطينيات في مجتمعات ريفية رعوية صغيرة»، وكذلك الأخريات بالمنطقة «ج» في الضفة الغربية، والخليل، والقدس الشرقية، كونهن «الأكثر عرضة»، للأضرار الجسدية والنفسية على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين.
وفي غزة، أشارت إلى أن الحصار الإسرائيلي «ألحق خسائر فادحة بالنساء والفتيات»، من خلال «تقويض الظروف المعيشية، وتقييد الوصول إلى الخدمات الأساسية، وزيادة أعباء الرعاية الواقعة عليهن». علاوة على ذلك، فمن بين 4450 سجينًا سياسيًا فلسطينيًا تحتجزهم السلطات الإسرائيلية في أبريل 2022، سجلت المنظمة أن 32 من هؤلاء كانوا إناثا، من بينهن 11 أمًا مسجونات في «ظروف قاسية بعيدًا عن عائلاتهن وأطفالهن».
ويمتد تأثير هذه الانتهاكات المنهجية لحقوق الإنسان إلى «المجال الاجتماعي». وأوضح «أوتشا»، كيف كان لهذه الانتهاكات «تأثيرات نفسية سلبية كبيرة على النساء»؛ لأنهن «يخفن على أنفسهن وأسرهن وأطفالهن». وتم الاعتراف بأن هذا الخوف من الانتهاكات الإسرائيلية المستقبلية «يساهم في تآكل الدور الإنتاجي للمرأة» في المجتمع الفلسطيني «من خلال حصرها في المنزل». ومع ذلك – وكما تبين في حالة الظلم الإسرائيلي ضد عائلة العجلوني – فحتى النساء الفلسطينيات اللاتي يحتمين من الهجمات في منازلهن، لسن في مأمن من المضايقات، وانتهاكات حقوق الإنسان على أيدي القوات الإسرائيلية.
وكما هو الحال بالنسبة إلى انتهاكات حقوق الإنسان الأخرى ضد الفلسطينيين، فقد قُوبل العنف ضد النساء والفتيات بغياب واضح للمساءلة من جانب المجتمع الدولي، خاصة الدول الغربية التي تفتخر بنفسها كحامية لحريات المرأة وحقوقها. وفي الاعتداء المذكور أعلاه ضد نساء عائلة العجلوني؛ أعربت «بتسيلم»، عن أسفها لكيفية تمكن القادة والجنود الإسرائيليين الذين أُمروا ونفذوا المداهمة من القيام بذلك، إلا في ظل «إدراكهم تمامًا حجم الحصانة المطلقة التي يتمتعون بها». وكرد فعل على الغضب من هذه الانتهاكات، رفض جيش الاحتلال، إدانة تصرفات جنوده، وزعم أن الكاميرات التي يتم تركيبها عادة على خوذات الجنود «لم يتم تشغيلها وقت المداهمة».
وتُظهر قضية استشهاد الصحفية الفلسطينية الأمريكية، «شيرين أبو عاقلة»، مراسلة الجزيرة في مايو 2022 أيضًا، كيف قُوبل العنف الإسرائيلي ضد المرأة، بافتقاد صارخ للمساءلة من الدول الغربية. وذكرت صحيفة «واشنطن بوست»، أنه «ليس هناك شك في أن جنديًا إسرائيليًا أطلق الرصاصة، التي أدت إلى استشهاد الصحفية في جنين؛ لكن بعد رفض قوات الاحتلال تقديم إجابات كافية –على الرغم من تعهداته بذلك – فشلت «إدارة بايدن»، في ممارسة الضغط الكافي على الحكومة الإسرائيلية للتحقيق في الحادث.
وبعد مرور ما يقرب من عام ونصف على استشهادها، انتقد السيناتور الأمريكي الديمقراطي «كريس فان هولين»، كيف أن العالم «لم يجر بعد أي «مساءلة»، الأمر الذي أشار إليه أيضا «روبرت ماهوني»، من «لجنة حماية الصحفيين». وعلى الرغم من فتح مكتب التحقيقات الفيدرالي «أف.بي.آي»، تحقيقاته الخاصة حول استشهادها، فحتى الآن لم يقم مسؤولو التحقيق بمقابلة الشهود الرئيسيين.
وفي تقريرها لعام 2023، أشارت «الأمم المتحدة»، إلى أن «المخاوف الموجودة مسبقًا بشأن ثقافة الإفلات من العقاب، وانعدام المساءلة» داخل القوات الإسرائيلية، «تلاشت» بعد استشهاد أبو عاقلة. وقدّر «ماهوني»، أن «تباطؤ» «الولايات المتحدة» في معالجة هذا الأمر؛ «يزيل أية دوافع لدى جيش الاحتلال الإسرائيلي لإصلاح قواعد الاشتباك الخاصة به للتخفيف من المزيد من عمليات القتل في مجال وسائل الإعلام»، بما في ذلك الصحفيات.
وكما هو الحال في جميع الحالات الأخرى لانتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية الموثقة ضد الفلسطينيين؛ فإن ردود الفعل الغربية، حيال معاناة النساء والفتيات يتناقض بشكل كبير مع مخاوفه المعلنة في أماكن أخرى من دول العالم.
وبمناسبة اليوم العالمي للمرأة في مارس 2023، سلط «بايدن»، الضوء على قمع حقوق المرأة في أفغانستان تحت حكم طالبان، وأشار إلى العنف الذي تواجهه المرأة الأوكرانية بسبب الحرب مع روسيا، مكررا دعمه لمحنة المرأة الإيرانية، التي واجهت قمعًا وحشيًا في أعقاب الاحتجاجات المناهضة للحكومة، والتي اندلعت بعد وفاة «مهسا أميني»، خلال فترة احتجازها. وبينما تحدث عن كيفية «تركيز إدارته على إثارة قضايا حقوق النساء والفتيات خلال كل جانب من جوانب سياسته الخارجية والداخلية»؛ فإن رفض حكومته المتكرر لإدانة انتهاكات حقوق الإنسان الإسرائيلية، ضد النساء والفتيات الفلسطينيات العزل في الأراضي المحتلة؛ يضعف بشكل خطير رسالة تضامنه مع هذه الحقوق.
علاوة على ذلك، تم تأكيد هذا الفشل من خلال التصويت على قرار «المجلس الاقتصادي والاجتماعي»، التابع للأمم المتحدة في أغسطس 2023، والذي اتهم القمع الإسرائيلي، بأنه «عقبة رئيسية» أمام المرأة الفلسطينية، «فيما يتعلق بإعمال حقوقها وتقدمها، والنيل من مسألة اعتمادها على ذاتها، ودفع التكامل في تنمية مجتمعها»، حيث صوتت «الولايات المتحدة»، و«المملكة المتحدة»، و«كندا»، ضد ذلك، وفضلا عن ذلك، انتقد الممثل الأمريكي في المجلس، الإصرار على استهداف «عناصر سياسية إسرائيلية بعينها، وإصدار إدانات أحادية تقلل من حجم التحديات الحقيقية المطروحة أمام إسرائيل»، بحسب زعمه.
من ناحية أخرى، تصدر اسم الشاب الفلسطيني «أحمد مناصرة»، في الفترة الأخيرة، حديث روّاد مواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد تردد معلومات مفادها بأنّ «مناصرة»، الذي يقبع في السجون الإسرائيلية منذ 2015 -أي منذ أن كان في الـ13 من عمره – يفقد اليوم بصره ببطء، وتظهر عليه أعراض انفصام الشخصية، وذلك بعد أن قضى عامين في السجن الانفرادي.
وخلال عام 2022، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي نحو 882 طفلا فلسطينيا، منهم 654 من القدس، ويشكلون الغالبية العظمى بنسبة 74.1% من إجمالي الأطفال الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال في عام 2022. وبلغ عدد الأسرى الأطفال والقاصرين رهن الاعتقال في سجون الاحتلال حتى نهاية عام 2022 نحو 150 طفلا وطفلة في معتقلات «مجدو»، و«عوفر»، و«الدامون»؛ إضافة إلى وجود عدد آخر في مراكز التوقيف والتحقيق، فضلا عن عدة أطفال من القدس تحتجزهم سلطات الاحتلال في مراكز اجتماعية خاصة لأن أعمارهم تقل عن 14 عاما.
وبحسب تقارير مؤسسات الأسرى في فلسطين، كـ«هيئة شؤون الأسرى المحررين»، و«نادي الأسير الفلسطيني»، بلغ عدد الفلسطينيين الذين تعرضوا للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967 حتى نهاية 2022، نحو مليون فلسطيني، فيما تم تسجيل أكثر من خمسين ألف حالة اعتقال في صفوف الأطفال دون سن 18 عاما.
على العموم، إن انتهاكات حقوق وحريات النساء والفتيات الفلسطينيات والأطفال ستستمر جراء أعمال العنف المستقبلية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي والمستوطنون غير الشرعيين الذين يتمتعون بحمايتهم بشكل صريح، طالما ظل المجتمع الدولي «صامتا» على هذه الأفعال. وبشكل عام، إن إحجام «الولايات المتحدة»، والدول الغربية عن إصدار الإدانات والعقوبات اللازمة ضد إسرائيل؛ لوقف عملياتها لضم الأراضي المحتلة، يعني أن هذه الانتهاكات ستستمر، إن لم تسرع، في تغيير عدم مبالاتها الواضحة تجاه الحاجة إلى حماية حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك