يساعد تعظيم كفاءة الطاقة العالمية على تجنب الخسائر في الموارد، وحماية المصالح المالية للدول المصدرة لها، وتقليل الهدر الذي يسهم في إلحاق الضرر بالنظم البيئية من خلال إطلاق الانبعاثات الكربونية. وإحدى طرق القيام بذلك، هي «الربط الكهربائي»، الذي أوضحت «الشبكة الوطنية»، في «المملكة المتحدة»، أنه «استخدام الكابلات عالية الجهد لربط أنظمة الكهرباء في البلدان المجاورة معًا»؛ وبالتالي، السماح للطاقة الزائدة، مثل تلك المولدة من طاقتي الرياح والشمس، لتكون «تجارة مشتركة»، عوضًا عن إهدارها.
ومن خلال السماح للبلدان بتجميع موارد الطاقة الخاصة بها، يمكن نقل هذه الموارد عن طريق ربط شبكات الكهرباء بينها، وإدارة بنيتها التحتية المستقلة للطاقة. وكما أكدت «المفوضية الأوروبية»، فإن «الاتصالات الموثوقة» بين البلدان المتجاورة، تحمل «فوائد إضافية»، تتمثل في «تقليل مخاطر انقطاع التيار الكهربائي، وتقليل الحاجة إلى بناء محطات جديدة لتوليد الطاقة»، و«جعلها أكثر كفاءة»، فضلًا عن «تسهيل إدارة مصادر الطاقة المتجددة المتغيرة»، مثل الطاقة الشمسية، والرياح.
وعلى الرغم من أن الربط بين البنى التحتية المنفصلة لتوليد الكهرباء، «أمر شائع»، في أوروبا وأمريكا الشمالية؛ إلا أن هذا ليس هو الحال في الشرق الأوسط. ومع ذلك، أوضح «روبن ميلز»، من «معهد دول الخليج العربية»، أنه «من خلال تكثيف الجهود الإقليمية نحو الربط الكهربائي، من الممكن لدول الخليج، ودول الشرق الأوسط بشكل أوسع أن تصبح «مركزا لشبكة عنكبوتية كهربائية»، مع ارتباطات أمن الطاقة بآسيا، وأوروبا، وإفريقيا». ولتحقيق ذلك، يرى أنه «لابد من التغلب على عديد من التحديات».
وفي حين شهدت «الأمم المتحدة»، أن تطوير «شبكات طاقة التيار المتردد المتزامن الكبيرة»، التي يمكن من خلالها إرسال الموارد، هو «أحد الإنجازات الهندسية العظيمة في القرن الماضي»؛ فإن الفوائد من وراء هذه الأنظمة في الوقت الحاضر، تقتصر على الاقتصادات الغربية الأكثر تقدما. وأوضح «ميلز»، أن حصة الشرق الأوسط الحالية من تجارة الكهرباء العالمية، «ضئيلة»، حيث إن 80% منها تتم داخل أوروبا وحدها. ووفقًا لشركة «امبر كلايمت»، ففي عام 2021، جاء 77% من توليد الطاقة في الشرق الأوسط من الغاز الطبيعي، و18% أخرى من النفط.
ومع ذلك، فقد جرت «تحولات ديناميكية»، طويلة المدى في استخدام الطاقة واستهلاكها في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك الشرق الأوسط. وتوقعت «وكالة الطاقة الدولية»، أن ينمو إجمالي معدلات توليد الكهرباء في المنطقة بنسبة 3.3% على أساس سنوي حتى عام 2050، وأنه بحلول منتصف القرن، سيكون أقصى استخدام للوقود الأحفوري فقط 5% من إجمالي إمدادات الطاقة، مع توقع أكبر نمو في إنتاج الطاقة المتجددة من طاقتي الشمس والرياح. وتوقعت «الوكالة الدولية للطاقة المتجددة»، (آيرينا)، أن تنمو حصة مصادر الطاقة المتجددة من 25% في عام 2017، إلى 85% بحلول عام 2050.
وفي حين لا يزال النفط والغاز المصدرين المهيمنين على استخدام الطاقة قبل الكهرباء في الشرق الأوسط؛ فقد أشار «ميلز»، إلى أن توليد الطاقة الشمسية «نما في المتوسط بنسبة 60% سنويًا تقريبًا منذ عام 2010». وفي نوفمبر 2022، كشفت السعودية عن خططها لبناء أكبر محطة للطاقة الشمسية بالعالم في الشعيبة بمكة المكرمة. وأوضحت مجلة «الإيكونوميست»، أنه من المقرر أن تبدأ هذه المنشأة عملياتها بحلول نهاية عام 2025، بقدرة توليد 2060 ميجاوات من الطاقة.
وبالنسبة إلى دول الخليج، فقد تبنت ما أطلق عليه «ميلز»، «الأهداف الطموحة»، لإنتاج الطاقة المتجددة وقدراتها. وتهدف «الرياض»، للوصول إلى 58.7 جيجاوات من قدرة الطاقة المتجددة بحلول نهاية العقد الحالي، وهي زيادة من القدرة المتجددة المركبة البالغة 0.4 جيجاوات فقط في عام 2022. ولتحقيق ذلك، أوضحت «إدارة التجارة الدولية الأمريكية»، كيف تخطط «المملكة»، «لتحديث قطاع توليد الطاقة وتوزيعها ونقلها بالكامل»، فضلاً عن اعتماد «تكنولوجيا الشبكة الذكية، وتعزيز الاتصال بالشبكة الدولية»، باستثمارات سنوية تصل إلى 9 مليارات دولار. وعليه، تمت الإشارة إلى أن الكهرباء المولدة من مصادر الطاقة المتجددة، والنووية، وتقنية «احتجاز الكربون»؛ سوف تحل محل النفط والغاز والفحم في الاستخدامات المنزلية، والعمليات الصناعية.
ومع ذلك، فإن نقل «توليد الكهرباء»، من المصادر التقليدية إلى المتجددة، يعني ضرورة «إنشاء بنية تحتية جديدة»، يمكنها تحسين الاتصال الإقليمي لموارد الطاقة. وأشار «هوارد رودس»، من موقع «انيرجي بورتال»، إلى أن الربط البيني «أصبح ذا أهمية متزايدة»، بالنسبة إلى البلدان التي تسعى «للانتقال إلى مصادر طاقة أنظف والحفاظ على التباين في مصادر توليد الطاقة المتجددة». وأضاف «ميلز»، أنه في حين أن «معظم البلدان» حاليًا «تعتمد على توليد الطاقة داخل حدودها»، فمن المرجح أن تكون هذه الديناميكية «مختلفة تمامًا»، بحلول منتصف القرن الحادي والعشرين، مع إمكانية «التوصيل الكهربائي عبر مسافات طويلة» لنقل الكهرباء بواسطة مصادر متجددة في الخليج إلى «مراكز الطلب» في أماكن أخرى في المنطقة أو خارجها، على نحو وصفه بأنه أقرب إلى «نقل الطاقة الشمسية من منطقة لا تزال تتعرض لأشعة الشمس إلى أخرى قد حل فيها الغسق».
وفي مرحلة الربط هذه، أوضح «رودس»، أن منطقة الشرق الأوسط والخليج، مهيأة للعب «دور مهم» في هذه العملية، حيث يمثل موقعها الجغرافي «فائدة استراتيجية كبيرة». ونظرًا إلى أن المنطقة، تقع في «وسط اقتصادات ثلاث قارات»؛ إفريقيا وأوروبا من الجهة الغربية، وآسيا من الجهة الشرقية؛ فقد أشار «ميلز»، إلى أن قدراتها على إرسال موارد ثرواتها في أي اتجاه مباشرة إلى شركائها وعملائها، «قد يكون أمرًا في غاية الأهمية».
وبالفعل، توجد في الخليج، «هيئة الربط الكهربائي الخليجي»، التي تأسست عام 2001، وقامت بإكمال الربط بين السعودية والإمارات والبحرين والكويت وقطر وعمان بعد عقد من الزمن عام 2011، بخط قدرته 1.2 جيجاوات. ومع ذلك، أوضح «ميلز»، أن المنطقة ككل لا يزال لديها طلب صغير نسبيًا على اللجوء لعمليات نقل وتوزيع الطاقة الكهربائية، وبالتالي فإن «الهيئة»، تعمل في الغالب على تقاسم احتياطيات التوليد وتغطية الأعطال الطارئة، وليس كوسيلة لتجارة الكهرباء الروتينية على أساس تجاري.
وفي حين تلقت «المملكة المتحدة» في عام 2022 ما يقرب من 4.8% من الكهرباء، التي تستهلكها من شبكات الربط الدولية؛ فإنه في دول مجلس التعاون الخليجي عام 2021، كان استهلاك الكهرباء، قد بلغ أقل من 0.2% من طاقة التوليد في الدول الست من الروابط والموصلات البينية.
وعلى الرغم من ذلك، فإن ظهور طفرة في استخدام موارد الطاقة المتجددة المستخدمة لتوليد الكهرباء، قد أدى إلى توسيع نطاق مشروعات الربط البيني للشبكات الكهربائية الخليجية. وأبرمت دول «المجلس»، شراكة مع شركة «هيتاشي إنرجي»، اليابانية؛ لتنفيذ عملية تحديث كبرى لمحطة تحويل «الفاضلي» للتيار المستمر عالي الجهد التابعة السعودية، حتى يتسنى نقل الكهرباء بكفاءة؛ وبالتالي، تعزيز قدرة توليد تلك المنشأة إلى 1800 ميجاوات. وفي مايو 2023، أعلنت «الشركة العمانية لنقل الكهرباء»، عملية ربط ثانية مع «هيئة الربط الكهربائي لدول الخليج»، لتعزيز نقل الطاقة بمقدار 1600 ميجاوات.
علاوة على ذلك، أشار «باسط الأصابعة»، في مجلة «أويل أند غاز ميدل إيست»، إلى شروع «الهيئة»، في تنفيذ مشروع شبكة ربط جديدة مع العراق في يونيو 2023»، ومن المقرر أن يكتمل أواخر عام 2024، والذي يعد الأول من نوعه، حيث تتيح الشبكة الامتداد خارج نطاق دول التعاون؛ ما من شأنه مساعدة بغداد على تلبية الطلب خلال فصل الصيف البالغ 34 جيجاوات من الطاقة الكهربائية – وهو ما يتجاوز شبكتها الحالية التعامل معه -26 جيجاوات)، فضلا عن تكملة الروابط البينية القائمة بين العراق والأردن، وتركيا، في حين تجري دول الخليج، دراسات جدوى لربطها بالأردن ومصر.
ومع ذلك، توجد تحديات تواجه امتداد شبكة الكهرباء الخليجية إلى بقية المنطقة. ورأى «رودس»، أن الطلب المرتفع والمتزايد على تكييف الهواء في الشرق الأوسط، هو «دافع رئيسي لتعزيز أنظمة الربط الكهربائي». وأشار «ميلز»، إلى أنه يمكن لهذه العملية أن تشكل ما يصل إلى 60% من ذروة الطلب الصيفي على الطاقة في الخليج، ويتزامن هذا مع أقصى إنتاج للطاقة الشمسية، كما أن انخفاض درجات الحرارة في الربيع يعني أن أكبر فائض من هذه الطاقة، سيتوفر. وبشكل يومي، غالبًا ما يكون الطلب الأكبر في وقت مبكر من المساء صيفا، حتى في الوقت الذي يظل فيه الطقس حارًا ورطبًا، لذلك، هناك حاجة إلى البطاريات وآليات التخزين الأخرى التي ستكون ضرورية.
ولمعالجة مثل هذه التقلبات في إنتاج الطاقة المتجددة على المدى الطويل، أشار «ميلز»، إلى أن النجاح في مجال الطاقة الشمسية، يتطلب تعديلات في شبكات النقل الكهربائية، للحفاظ على استقرار الجهد الكهربائي حتى في ظل التقلبات في الطلب والمدخلات المتجددة. وتم تنفيذ هذه المهمة تقليديًا عن طريق عملية القصور الذاتي في المعدات الدوارة (توربينات الغاز)، ولكن مع تقليل استخدامها، يجب إضافة «أنظمة أخرى».
ونتيجة لذلك، يجب تعزيز شبكات التوزيع المحلية؛ ليتسنى لها استيعاب تدفقات أكبر من التوليد الذاتي من ألواح الأسطح، في حين أن الاستخدام المتزايد للمركبات الكهربائية سوف يتطلب على المدى البعيد، قدرة أكبر على الشحن في نقاط معينة. ويمكن للشبكات الذكية وعملية القياس طيلة اليوم أن تساعد في تحقيق التوازن بين الطلب والمدخلات المتقلبة، والاستفادة من استخدام طرق تخزين الكهرباء، مثل البطاريات والتخزين الحراري المرتبط بالتبريد.
وعلى المستوى الإقليمي تنشأ أيضًا «مشاكل فنية». وأوضح «ميلز»، أنه بالنسبة إلى عمليات الربط لمسافات طويلة، يفضل استخدام «التيار المستمر عالي الجهد»؛ لأن مقدار الفاقد فيه أقل بكثير، على الرغم من أنه يتطلب محطات تحويل في كل طرف، ولا يمكنه خدمة النقاط الوسيطة. لكن مع استخدامه أو حتى استخدام التيار المستمر ذي الجهد الفائق – الذي تعد الصين رائدته – فإنه من الممكن لدول الخليج والشرق الأوسط أن تحقق آمالها في تصدير بعض موارد الطاقة الخاصة بها، وفقًا للاتفاق – المذكور أعلاه – بين هيئة الربط الكهربائي الخليجي، وشركة «هيتاشي».
على العموم، بالنسبة إلى دول الخليج، فبالإضافة إلى كونها «رائدة»، في السعي لإنتاج الطاقة المتجددة، فإن ريادة «المنطقة»، في مستويات الربط البيني لشبكات الكهرباء، تعمل على تحولها إلى مصادر طاقة أنظف، وتطوير بنيتها التحتية في هذا المجال؛ ما يساعد على «تقليل الفاقد، وتعزيز العلاقات المتعلقة بأمن الطاقة مع دول العالم، وإمكانية تحسين العمليات، وتقليل انبعاثات الكربون أيضًا».
ووفقا لـ«البنك الدولي»، فإن «أنظمة الربط البيني لشبكات الكهرباء الإقليمية»؛ من الممكن أن توفر لدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ما يصل إلى 25 مليار دولار من معدلات الإنفاق المهدرة، فضلاً عن خفض قدرة استهلاك المنطقة المجمعة للطاقة، بنحو 33 جيجاواط من خلال تحقيق كفاءة أكبر في الاستخدام.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك