غدت «قمة العشرين»، ملتقى أكثر استحواذًا على اهتمامات المجتمع العالمي، يفوق في ذلك قمة مجموعة السبع، ذلك لأنها تضم في عضويتها الدول النامية والمتقدمة على حد سواء، كما أنها أكثر تمثيلاً لجهات العالم الجغرافية، وثقافاته المتنوعة. وبينما تنحاز مجموعة السبع للمصالح الضيقة لدول العالم المتقدمة؛ فإن مجموعة العشرين تنحاز إلى المصالح المتسعة لجميع دول العالم.
وتجمع «مجموعة العشرين»، الحكومات، ومحافظي البنوك المركزية من 20 دولة، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي، وتشمل الدول الأعضاء؛ (أستراليا، كندا، السعودية، الولايات المتحدة، الهند، روسيا، جنوب إفريقيا، تركيا، الأرجنتين، البرازيل، المكسيك، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، المملكة المتحدة، الصين، اليابان، إندونيسيا، كوريا الجنوبية). وإذا كانت هذه المجموعة أكثر اتساعًا وتمثيلاً؛ فإن عضويتها تزيد على عضوية مجلس الأمن، وتقل كثيرًا عن عضوية الجمعية العامة للأمم المتحدة. ويتيح هذا العدد المحدود إمكانية أكبر للنقاش حول القضايا الملحة ذات الاهتمام العالمي، وإمكانية التوصل إلى توافق بشأنها.
وعند تأسيسها، كان المنطلق الأول للمجموعة، «ماليا»، وكان صاحب المبادرة إليها، هو وزير المالية الكندي – حينئذ «بول مارتن» – حيث جاءت استجابة لسلسلة أزمات الديون الهائلة، التي انتشرت في الأسواق الناشئة أواخر تسعينيات القرن الماضي؛ بدءًا من أزمة البيزو المكسيكية، ثم الأزمة المالية الآسيوية 1997، والأزمة المالية الروسية 1998، وهي الأزمات التي أثرت في «الولايات المتحدة»، حين انهار أحد صناديق التحوط البارزة فيها في خريف 1998 – حينئذ – تعهد وزير الخزانة الأمريكي «لورنس سامرز»، بتنفيذ فكرة «مارتن»، على أساس أنه في عالم سريع العولمة، لن تستطيع مجموعة السبع وحدها توفير الاستقرار المالي، ولابد من إطار أوسع يسعى إلى تحقيق هذا الاستقرار.
وعليه، جاء ميلاد «المجموعة»، في اختتام اجتماع وزراء مالية الدول السبع في 25 سبتمبر 1999، وكانت إدارة الاقتصاد العالمي هي الموضوع الأساسي لها. وفي عام 2008، أصبح لها «قمة»، حيث تبين أن موضوعاتها تحتاج إلى أعلى مستويات القرار، ومنذ هذا الوقت، اختلفت موضوعاتها من سنة إلى أخرى.
وفيما استضافت «السعودية»، قمة المجموعة في 2020، بعد أن ترأستها من ديسمبر2019؛ جاءت استضافة «الهند»، لقمة 2023، وكلا البلدين ينتمي إلى الدول النامية. وفي «قمة الرياض»، كانت جائحة كورونا وتحدياتها تواجه العالم. وفي نوفمبر 2020 اختتم قادة دول المجموعة قمتهم رقم 15 بالرياض، وأكد البيان الختامي على ضرورة التضامن، وتنسيق الإجراءات العالمية، والتزام دول المجموعة بقيادة العالم نحو التعافي من الجائحة.
علاوة على ذلك، أقر البيان أيضا، تعليق مدفوعات خدمة الدين حتى يونيو 2021، واستفاد من هذه المبادرة أكثر من مليار إنسان في الدول المدِينة. فيما تعهد قادتها ببذل أقصى جهد لضمان وصول لقاحات فيروس كورونا للجميع بعدالة وبتكلفة ميسورة، وتلبية الاحتياجات التمويلية بشأن هذه اللقاحات، وفي مجال الصحة العالمية، لدعم الأبحاث، والتطوير، والتصنيع، والتوزيع لأدوات التشخيص، والعلاجات، واللقاحات الآمنة والفاعلة للفيروس.
وتحت عنوان «أرض واحدة.. عائلة واحدة.. مستقبل واحد»، جاء انعقاد قمة «نيودلهي»، في 9، 10 سبتمبر. وفي ختام اجتماعاتها الوزارية على مدى العام، منذ القمة السابقة في إندونيسيا في 2022؛ سعت المجموعة – التي تمثل 85% من الناتج العالمي، و75% من حجم التجارة العالمية، وثلثي السكان – من وراء هذا الشعار الذي رفعته في قمتها رقم «18»، إلى توجيه رسالة قوية إلى العالم، مفادها؛ «تحقيق النمو العادل والمنصف للجميع في العالم».
ومنذ ولوجها إلى قمة العشرين، حملت «السعودية»، هذه الرسالة، بل وعملت على أن تكون جسرًا قويا للتواصل بين الدول الشركاء والدول النامية. وتأكيدا على ذلك، سعت خلال مشاركتها في القمم السابقة، إلى أن تعكس رؤية دول الشرق الأوسط والدول النامية، بشأن أهمية تحرير التجارة العالمية على أسس عادلة، والتأسيس على أهداف التنمية المستدامة.
وفي قمة «بالي»، بإندونيسيا عام 2022، والتي كانت أول قمة للمجموعة، منذ بدء الحرب الأوكرانية، وأول اجتماع كامل للأعضاء حضوريًا، منذ بدء جائحة كورونا؛ أدان البيان الختامي استخدام الأسلحة النووية، أو التهديد باستخدامها. وفي قمة «نيودلهي»، غاب رئيسا روسيا والصين، وترأس وفد السعودية، سمو ولي العهد الأمير «محمد بن سلمان»، وحضر من قادة دول الخليج، رئيس دولة الإمارات، سمو الشيخ «محمد بن زايد»، وسلطان عُمان «هيثم بن طارق آل سعيد»، وخلالها أصبح الاتحاد الإفريقي، «عضوًا دائمًا»، في المجموعة بنفس وضع الاتحاد الأوروبي.
وفي هذه القمة، التي استبقت قمة المناخ في نوفمبر المقبل، أتت موضوعات (تغير المناخ، والقضايا الاقتصادية، والحرب في أوكرانيا، وإجراء تغييرات في المؤسسات المالية الدولية لخدمة البلدان النامية أفضل)؛ في مقدمة الاهتمامات. فيما مثلت «فرصة كبيرة» للهند؛ لرفع مكانتها وسط المجموعة، وعلى الساحة العالمية في غياب الرئيسين الروسي والصيني، باعتبارها الناطق باسم الاقتصادات النامية، غير أنه في الاجتماعات الوزارية، التي سبقتها لم توافق كل من الصين، وروسيا على فقرات تتعلق بالحرب الأوكرانية، ما حال دون صدور بيان رسمي مشترك.
ومع ذلك، سعت «الهند»، للحصول على «توافق دولي»، بشأن عديد من القضايا، مثل؛ (التمكين المالي للدول النامية للتكيف مع التغيرات المناخية، والتخفيف من تداعياتها السلبية، وتعويض هذه البلدان عن الأضرار التي تلحقها بسببها، وتحييد إمدادات الحبوب والمواد الغذائية في إطار النزاعات المسلحة، في ضوء ما أسفرت عنه الحرب الأوكرانية من مخاطر على إمدادات الغذاء العالمي، إضافة إلى فرض ضرائب على الشركات متعددة الجنسية، وقضايا الطاقة والتنمية المستدامة، وإعادة هيكلة ديون البلدان النامية، وحث المنظمات الدولية، كالبنك الدولي على بذل المزيد من الجهد لمكافحة الفقر، ونشر النمو الاقتصادي بشكل أكثر توازنًا بين البلدان النامية والمتقدمة، وتحقيق الاستقرار المالي، وتعزيز فرص التوظيف والتشغيل، وتعزيز الأنظمة المالية والرقابة على أسواق المال).
ولكي تصبح «صوت الجنوب العالمي»، حرصت «نيودلهي»، على الوصول إلى توافق بشأن هذه القضايا، معززة بذلك علاقاتها المتنامية مع عديد من دول العالم، يخدمها في ذلك، معدلات النمو الاقتصادي العالية التي حققتها في السنوات الأخيرة. وخلال ترؤسها مجموعة العشرين، استضافت ما يزيد على 200 اجتماع للمجموعة، فيما يزيد على 60 مدينة هندية، روجت من خلالها قوتها الناعمة، متمثلة في ثقافتها وفنونها ومطبخها.
وكانت «الهند»، قد استضافت 125 دولة، عبر «الإنترنت»، في قمة «صوت الجنوب العالمي»، قبل قمة العشرين، وسلطت الضوء على الحاجة إلى إصلاح الهيئات الدولية من أجل تمثيل «أكثر توازنًا»، وعملت على دعم قضايا تهم الدول النامية، بوضعها على أجندة اجتماعات مجموعة العشرين، مثل تمويل المناخ، وأزمة الديون، وارتفاع معدلات التضخم، الذي تسببت فيه الحرب الأوكرانية، إضافة إلى دعمها انضمام الاتحاد الإفريقي ليكون العضو 21.
وبالإضافة إلى ذلك، فإن «نيودلهي»، سعت لتحقيق توافق بشأن العديد من القضايا، التي تعد طموحًا للبلدان النامية، لجهة تزويدها بالموارد التي يحتاجها العمل المناخي في التكيف والتخفيف، فيما تهدد التغيرات المناخية بتفاقم الفقر والمجاعات والأزمات الإنسانية، حيث أثرت سلبًا في خطط التنمية المستدامة للعديد من دول العالم. وكان من ضمن هذه الملفات أيضًا، (سبل تعزيز التنمية الخضراء، والنمو الاقتصادي القوي المستدام، والتحول التكنولوجي، والبنية التحتية الرقمية، وتمكين المرأة في المجال التنموي). فيما سعت أن تكون هذه القمة، «تأسيسًا»، لمرحلة جديدة من التعاون بين الدول النامية والمتقدمة، لمواجهة شبح الركود، والأزمات الاقتصادية والمالية، والإجراءات الحمائية التي تشكل تهديدًا بالغًا لحرية التجارة والنمو الاقتصادي العالمي.
علاوة على ذلك، نقلت «السعودية» إلى هذه القمة، ما أبدته في الاجتماعات الوزارية، بشأن عملية انتقال شاملة تعالج نقاط الضعف الهيكلية التي تعانيها الدول النامية، كما شددت على دعم أهداف التنمية المستدامة، وتحقيق التوازن بين النمو والحفاظ على البيئة، إضافة إلى تحقيق مقاربة الاقتصاد الدائري للكربون، التي اعتمدتها مجموعة العشرين تحت رئاستها.
وعلى هامش اجتماعاتها، نظمت «الرياض»، منتدى استثماريا، سلط الضوء على الفرص الاستثمارية لديها في قطاعات الكيماويات، والطاقة، والتكنولوجيا، والصناعة. فيما قدمت «الإمارات»، «إطارًا شاملاً وحاسمًا»، للهدف العالمي بشأن التكيف، وتفعيل صندوق مالي للتعويض عن الأضرار والخسائر وترتيبات تمويله، إضافة إلى دعم المجتمعات الأكثر عرضة لتداعيات تغير المناخ في الوقت الذي تحتاج إليه.
ومن خلال مشاركتها، أثارت «سلطنة عُمان»، سبل تسهيل التجارة الدولية، وبذل جهود لتحقيق النمو المستدام، وتعزيز سلاسل التوريد والتجارة الإلكترونية. في حين أكد الرئيس المصري، «عبد الفتاح السيسي»، خلال مشاركته على أهمية تعزيز جهود الدول النامية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في مواجهة التداعيات السلبية على الاقتصاد والغذاء والطاقة، والتزام الدول المتقدمة بتعهداتها في إطار الاتفاقيات والآليات الدولية لمواجهة تغير المناخ، وتمكين الدول النامية من زيادة الاعتماد على مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة.
على العموم، بينما مثلت موضوعات قمة «نيودلهي»، «أجندة الاهتمامات العالمية»؛ كالتنمية المستدامة، والتغير المناخي، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة، وتغيير نظام الديون العالمي، والقروض المقدمة للدول النامية، وتنظيم العملات المشفرة؛ إلا أن الخلافات التي حدثت أثناء الاجتماعات الوزارية، وحالت دون صدور بيانات ختامية -فضلاً عن غياب الرئيسين الروسي والصيني، والخوف من سيطرة الملفات الخلافية وعلى رأسها الحرب الأوكرانية – كل ذلك لا يعني أن القمة لم تؤت ثمارها، حيث يظل لها أنها مثلت «منصة عالية المستوى»، أبرزت مشاكل وقضايا الدول النامية وآفاق حلها، وأن التوافق بشأن ذلك سيأتي عاجلاً أم آجلاً.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك