الأمة الإسلامية مصدرها فيما تأخذ أو تدع هو القرآن الكريم، والسنة الصحيحة من أحاديث المصطفى صلى الله عليه وسلم، ومن خلال التعرف على قضية من القضايا وصلتها بالقرآن الكريم، فعلينا الرجوع إلى القرآن في آياته المحكمات، وآيات الأحكام في القرآن الكريم تنقسم إلى صنفين؛ الصنف الأول: الآيات المحكمات التي هن أم الكتاب، أما الصنف الثاني فهي: الآيات المتشابهات، وإذا كانت الآيات المحكمات قطعية الدلالة والثبوت فإن الآيات المتشابهات قطعية الثبوت ظنية الدلالة، وللعقل الراشد مجال في التدبر والاعتبار، وفيها تختلف الأنظار، وتنطوي على العديد من الحلول في المسألة الواحدة، وللمسلمين ما يناسبهم من حلول بحسب مقتضيات الأحوال وتغير الأزمنة والأمكنة، يقول تعالى: «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب» (آل عمران: 7).
إذن فصريح القرآن في الآيات المحكمات نزل بأحكام قطعية الثبوت قطعية الدلالة، أما الآيات محل النظر والاجتهاد فهي الآيات قطعية الثبوت ظنية الدلالة، وحين ننظر إلى الوحدة من منظور قرآني نجد صريح الآيات تدعو إلى الوحدة، وتحض عليها من مثل قوله تعالى: «إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فعبدون» (الأنبياء: 92).
يا لجلال النص القرآني، ويا لعظمة الدلالة القرآنية على أصالة معنى الوحدة وثباتها، بل لخلودها طالما هي متصلة بالعقيدة، حافظة لوشائج القربى بها.
إن ارتباط الوحدة بالتوحيد يخلع على الوحدة بعدًا أصيلًا، ورابطة إنسانية عظيمة، ولقد عودنا القرآن الكريم أنه إذا أراد أن يرفع قضية من القضايا ويعلي من شأنها يجعل لها صلة وثيقة بالتوحيد، كما قال تعالى في حديثه عن مكانة الوالدين والبر بهما: «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أفٍ ولا تنهرهما وقل لهما قولًا كريما» (الإسراء: 23).
إذن فمتى ما أراد القرآن العظيم تعظيم شأن من الشؤون، أو قضية من القضايا، يجعل لها صلة وثيقة بالعقيدة، فيعظم مقامها، ويعلو شأنها. وحين نحاول تتبع أصل الوحدة ومدلولاتها في القرآن الكريم سنجد الكثير من الأمثلة التي تؤكد هذه الأصالة، وتقوي وشائجها بكتاب الله تعالى الذي تكفل الله تعالى بحفظه، والدفاع عنه.
والوحدة في المنظور القرآني لها صلة وثيقة بالقرآن من ناحيتين، الأولى: صلتها بالعقيدة الإسلامية في أرقى تجلياتها، فيكون من لوازم الوحدة التوحيد، أما الصلة الثانية للوحدة في القرآن الكريم فنجدها في التزام الوسيلة الهادية إليها، يقول تعالى: «واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون» (آل عمران: 103)، وتجدها أيضًا في شيوع الوحدة في أركان الإسلام، نجدها في الصلاة، وخاصة في صلاة الجماعة، ومعلوم أن صلاة الجماعة تفضل صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة من صلاة الفرد في بيته، وحتى عندما يصلي المسلم منفردًا فإن ضمير الجماعة يظل كما هو في قوله تعالى: «إياك نعبد وإياك نستعين(6) اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين(7)» (الفاتحة).
هكذا يحافظ القرآن العظيم على البعد الاجتماعي، ويحرص على معنى الوحدة حتى حين ينفرد المسلم بعبادة من العبادات. أيضًا نجد تجليات الوحدة في فريضة الصوم، يظهر لنا اهتمام القرآن بهذا البعد الاجتماعي واضحًا جليًا تجده في حرص المسلمين في رمضان على صلاة التراويح، وصلاة القيام، وصلاة العيد، وتجده أيضا في التزام المسلمين في فطرهم وإمساكهم، ويعود للمجالس في رمضان نشاطها الاجتماعي وحيويتها، وقس على ذلك عبادة الزكاة، وفِي الحج بلغت الوحدة أعظم تجلياتها في التوحيد والوحدة فجميع الحجاج يلبون بدعاء واحد، ويطوفون حول بيت واحد، ويتجهون في صلاتهم إلى جميع الجهات: الأصلية والفرعية لأنهم يتحلقون حول الكعبة المشرفة التي تضم جميع الجهات.
هذه هي الوحدة الإسلامية في المنظور القرآني.. وهذه هي الوحدة في تجلياتها من خلال القرآن الكريم، وشيوعها في آياته المبينات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك