حرص العرب منذ زمن بعيد وربما منذ عام 1987 على دعوة إسرائيل إلى توقيع معاهدة سلام شاملة وفقا لمبادئ الشرعية الدولية وخاصة وفقا للقرارين الدوليين 242 و338 وغيرهما من القرارات ذات الصلة بحل القضية الفلسطينية، وأهم ما في هذه الدعوات هو اعتراف منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في الوجود بحدود آمنة وثابتة ومعترف بها تعود إلى ما قبل 5 يونيو 1967 واعتراف إسرائيل بدولة فلسطين في الأراضي العربية المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة والموافقة على حل الدولتين وذلك لإنهاء حالة الصراع بشكل كامل ونهائي لتعيش شعوب المنطقة في أمن وسلام بمن في ذلك الشعب الإسرائيلي.
واستكمالا لهذه الدعوة جاءت اتفاقية أوسلو الشهيرة التي وقعت في 13 سبتمبر 1993 بعد مفاوضات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وهي أول اتفاقية رسمية مباشرة بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية بعد اتفاق رئيس وزراء إسرائيل في ذلك الوقت إسحاق رابين ورئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وشكلت نقلة نوعية سمحت بعودة القادة الفلسطينيين إلى الضفة الغربية والاتفاق على العديد من المبادئ في تشكيل العلاقة بين إسرائيل والمنظمة؛ حيث التزمت منظمة التحرير الفلسطينية بحق إسرائيل في العيش بسلام وأمن وحق الفلسطينيين أيضا في العيش في أراضيهم بأمن وسلام بعيدا عن العنف والإرهاب بأي شكل من الأشكال.
إلا أن هذه الاتفاقية اقتصرت على إقامة سلطة الحكم الذاتي المؤقتة فقط وإنشاء مجلس تشريعي منتخب في الضفة والقطاع فترة انتقالية في انتظار التوقيع على تسوية نهائية ودائمة وفقا للقرارات الدولية المشار إليها في بداية المقال ولم تحقق أهم المبادئ المنصوص عليها في هذه الاتفاقية وتأخرت إسرائيل في الاستجابة للمبادئ المتفق عليها في أوسلو تحت ضغوط المتطرفين داخل إسرائيل وحدث تراجع خطير لتلك المبادئ وأصبح حلم إنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود ما قبل 5 يونيو 1967 صعب المنال ما أدى إلى اندلاع انتفاضات جديدة ومواجهات عنيفة خلطت الأوراق ووضعت القيادة الفلسطينية في مواجهة تحد كبير حيث لم تفض المفاوضات إلى تحقيق السلام مثلما تم وعد الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
وفي أوج هذه المواجهة وخلط الأوراق أعلن الرؤساء العرب المجتمعون في بيروت في عام 2002 المبادرة العربية للسلام كمحاولة جديدة لإيجاد حلول لهذه القضية التي تعقدت، وكانت تلك المبادرة التي أطلقها المرحوم الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية آنذاك طيب الله ثراه تدور حول محور رئيسي هو إنشاء دولة فلسطينية معترف بها دوليا على حدودها وعودة الفلسطينيين إلى أراضيهم التي هجروا منها وانسحاب إسرائيل من هضبة الجولان المحتلة مقابل اعتراف العرب بإسرائيل وإقامة السلام الدائم والعادل في المنطقة، إلا أن هذه المبادرة بالرغم مما تحمله من مبادئ عادلة ومتوازنة فإن إسرائيل لم توافق عليها إلى اليوم وكان بإمكانها استغلال تلك المناسبة التي تضمنت إجماعا عربيا كاملا حول سبل السلام في المنطقة، إلا أن التطرف اليميني الديني وخاصة داخل إسرائيل حال دون الوصول إلى اتفاقية تنهي هذا الصراع وخاصة بعد وصول اليمين الإسرائيلي إلى الحكم وتقلص دور جماعات اليسار الإسرائيلي وتراجع نفوذ وتأثير اليسار الإسرائيلي على الرأي العام الذي كان يمكن أن يقبل حلولاً متوازنة.
والآن بعد مرور ثلاثة عقود على اتفاقية أوسلو نجد أنفسنا من جديد في مواجهة مرحلة جديدة من الصراع وخلط الأوراق وتقلص فرص السلام العادل وذلك في ظل الحكومة اليمينية المتحالفة مع المتطرفين الدينيين الذين لا يؤمنون بالسلام لا مع الفلسطينيين ولا مع العرب ويخضعون لشعارات وأوهام تتحدث عن طرد الفلسطينيين من الأرض والسيطرة الكاملة على مناطقهم وصولا إلى هدم المسجد الأقصى كما يعلنون في شعاراتهم المتكررة والمعلنة صراحة.
ومن الطبيعي في هذه الحالة أن يعمل الفلسطينيون مجددا على مقاومة الضغوط اللاإنسانية والاحتلال لمناطقهم والتعدي المستمر الذي لم يتوقف يوما، وشهدنا خلال الأشهر الأخيرة كيف تحولت المناطق الفلسطينية إلى ساحة للحرب المفتوحة بين القوات الإسرائيلية والمستوطنين من ناحية والشباب الفلسطيني من ناحية ثانية، ولذلك فإننا نعتقد أنه لا حل لهذا الصراع إلا من خلال القبول بقرارات الشرعية الدولية والقبول بحل الدولتين لضمان الأمن والسلام للجميع وإبعاد المنطقة عن أي صراعات جديدة.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك