لا ريب أن الماء هبة الله سبحانه وتعالى للبشر ليكون شريان الحياة الدافق، وركيزة الأمن الغذائي، فقد قال تعالى في محكم كتابه العزيز في سورة الأنبياء: «أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ» (الآية: 30)، وقال تعالى في سورة الواقعة: «أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ» (الآيات: 68-70)، وقال تعالى في سورة الزمر: «أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطَامًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ» (الآية: 21). وقال تعالى في سورة الحجر: «وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ» (الآية: 22)، وغيرها من الآيات الكريمة التي بلغ عددها أكثر من (60) آية تحدثت عن الماء من زوايا عديدة، بدءا من خلقه واستعمالاته وبيان أهميته وانتهاء بخزنه وحفظه، ولو تأملنا بإمعان تلكم الآيات وحللنا كل كلمة فيها لوجدنا حلولا وسياسات للتعامل مع أزمات المياه التي تواجه العالم أجمع سواء كانت أسبابها بيئية أو سياسية أو إدارية. نقول ذلك ونحن نتأمل في متضمنات المؤتمر العالمي للمياه والطاقة وتغير المناخ الذي انطلقت دورته الأولى في مملكة البحرين يوم الخامس من سبتمبر 2023 تحت شعار: «استدامة المياه وتحول الطاقة.. الانعكاسات على دول مجلس التعاون الخليجي والعالم»، الذي نظمته وزارة النفط والبيئة، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، بالتعاون مع مجلس الموارد المائية، وشركة إيكونكس، وعدد من الشركات النفطية والبيئية المحلية والخليجية والعالمية. يهدف المؤتمر إلى توفير الوسائل اللازمة لدول مجلس التعاون الخليجي وآسيا والشرق الأوسط لتبادل الممارسات الجيدة والدروس المستفادة من تنمية الموارد المائية، وضمان حسن استغلالها والتركيز على العلاقة المتبادلة بين المياه والطاقة وتغير المناخ، والبحث في إمكانية استثمار التطورات التقنية المعاصرة في مواجهة تحدياتها. وقد عقد المؤتمر برعاية كريمة من الشيخ خالد بن عبدالله آل خليفة نائب رئيس مجلس الوزراء، الذي أوضح في كلمته في افتتاح المؤتمر دعم قيادة البلاد للمبادرات الرامية إلى تعزيز استدامة المياه ورفع كفاءة إنتاجها ومواجهة التحديات البيئية والمناخية التي تؤثر عليها؛ ولا سيما أن مملكة البحرين كانت دائما مبادرة في الاهتمام بالقضايا ذات الصلة بالمياه والبيئة والطاقة لارتباطها بأمنها الغذائي والبيئي من ناحية، ولخصوصية بيئتها من ناحية ثانية، فهي جزيرة وسط البحر تفتقر إلى مصادر المياه العذبة المستدامة وتعتمد على الآبار وتحلية مياه البحر مع عدد محدود من الآبار، وتواجه تحدي ارتفاع مستوى سطح البحر، وارتفاع درجات الحرارة، الأمر الذي يؤدي إلى استهلاك المزيد من الطاقة.
فقد سجلت البحرين هذا العام رقمين قياسيين في معدلات استهلاك الطاقة بينما تجاوزت معدلات الحرارة 44 درجة مئوية.
وهي تخطط لخفض الانبعاثات بنسبة 30% بحلول عام 2035 وتوسيع نطاق الطاقة المتجددة لتلبية 10% من احتياجاتها خلال المدة نفسها.
وتسعى المملكة إلى مضاعفة مساحاتها الخضراء ومضاعفة كمية أشجار المانغروف التي تمتص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بمقدار أربعة أضعاف على مدار الـ12 عاماً المقبلة، كما سبق أن صرح بذلك الدكتور محمد بن مبارك بن دينه وزير النفط والبيئة.
وفي كلمة للأمين العام لمنظمة البلدان العربية المنتجة للنفط (الأوابك) في المؤتمر أوضح أهمية المؤتمر بالقول: «دول المنطقة هي دول نفطية رائدة في مجال تصدير النفط والغاز، وهي في نفس الوقت من منطلق مسؤوليتها دول داعمة جدا لكل الأنشطة والمبادرات التي تقام حاليا مثل الطاقة النظيفة وتغير المناخ والمحافظة على البيئة، ومن ثم فإن المؤتمر يكتسب أهمية كبيرة لحيوية مجاله وسعة الاهتمام بمتضمناته».
ومما ينبغي الإشارة إليه أن بنك البحرين الوطني تعهد بالرعاية المالية للمؤتمر إدراكا منه لأهمية الموضوعات التي يتناولها بالتحليل، وآثارها المحتملة محليا وإقليميا وعالميا، وكجزء من التزامه بالمسؤولية الاجتماعية.
كما صاحب المؤتمر معرض متخصص بالحلول التقنية الحديثة في مجال المياه والطاقة وتغير المناخ والدراسات ذات الصلة.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك