تشبه الحالة التي وصلت إليها القضية الفلسطينية بكل مستوياتها ما يعرف بعقدة جوردون، بل قد تكون تفوقت عليها بتحولها إلى مكون من عقد جوردون؛ فنحن أمام نموذج فريد واستثنائي للقضايا والأزمات الدولية. فمنذ ان نشأت القضية الفلسطينية قبل أكثر من 75 عاما وهي تتحول إلى مزيد من العقد التي يصعب حلها وفكها.
فالقضية الفلسطينية من القضايا المركبة الممتدة التي تتكون من عقد لا نهاية لها، بل تتوالد العقد مع مرور الزمن وعدم استئصالها من جذورها. وبالعودة إلى أصل ونشأة القضية الفلسطينية وهي الخطوة الأولى المهمة في استئصال العقدة الرئيسة لها، وهنا السؤال أيضا عن سيف من الذي نحتاج إليه؟ الأصل في القضية الفلسطينية هو محاولات الحيلولة دون قيام دولة على أرض فلسطين تجمع كل من عليها من عرب ويهود؛ وذلك لرغبة ومصلحة مشتركة بين الحركة الصهيونية والإمبريالية التي كانت تقودها بريطانيا في قيام دولة قومية يهودية خالصة لليهود كما جاء في المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 الذي نص على قيام هذه الدولة اليهودية.
وبدلا من أن يعمل سيف الإسكندر البريطاني على استئصال المشكلة والعمل على قيام الدولة الفلسطينية لكل مواطنيها عمل على استئصال المكون الفلسطيني ليؤسس لهذه الدولة التي قامت وفقا للقرار الأممي 197 ووقتها كانت أوروبا وأمريكا تتحكمان في المنظمة الدولية، ولتبدأ مع قيام هذه الدولة بروز القضية الفلسطينية بعقدة جوردون وتعدد مكوناتها ومستوياتها. وتحول سيف الإسكندر إلى الولايات المتحدة التي عطلته وتحكمت في تعقيدات القضية بعدم السماح منذ اليوم الأول بقيام الدولة الفلسطينية، والعمل في اتجاه الحلول المشتركة كالحل الكونفدرالي أو الفيدرالي على أرض فلسطين، وبتشجيع المشاريع المشتركة لتقدم نموذجا جديدا لدولة تقوم على التعايش المشترك والمواطنة الواحدة. فبدلا من ذلك دخلت إسرائيل في حروب أولها حرب 1948 لتبرز عقدة اللاجئين بتشريد مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين ليعيشوا في الشتات، وملف القدس وتقسيمها ثم السيطرة عليها وملف عدم قيام الدولة الفلسطينية، والاستمرار في خيار الحرب ودخول الدول العربية فيها بدءا من حرب 1948 ثم 1956 ثم حرب 1967 التي احتلت بموجبها إسرائيل كل الأراضي الفلسطينية وأراضي عربية، ولتبرز العقدة العربية الإسرائيلية.
وإلى جانب هذه العقدة كانت هناك العقدة الدولية وتعطيل كل قرارات الشرعية الدولية وحماية إسرائيل بالفيتو الأمريكي لتزداد عقدة جوردون تشابكا وتعقيدا إلى درجة يصعب معها أي حل؛ بدليل فشل كل المفاوضات ومحاولات التسوية الجزئية لتعطيل سيف الإسكندر الذي تتحكم فيه الولايات المتحدة. وبالتحليل السياسي الميكروسكوبي للقضية لمعرفة أس عقد جوردون نجد أولا قلب العقدة في طرفي الصراع إسرائيل وفلسطين.
فاليوم نجد عقدة جوردون الإسرائيلية ممثلة بالحكومة الحالية التي تجسد قمة وذروة التحالف بين الصهيونية الدينية والقومية بتشكيل أكثر حكومة متطرفة في إسرائيل، التي ترفض أي شكل من أشكال التسوية للقضية الفلسطينية، وبرفض مطلق للقبول بالدولة الفلسطينية، بل إنها تدفن ما تبقى لقيام الدولة الفلسطينية بالاستيطان في مناطق «ج» وفي الأغوار، لتكتمل الدائرة الاستيطانية وغلق ملف القدس كاملا وعدم استعداد لمناقشة ملف اللاجئين.
وبالمقابل العقدة على المستوى الفلسطيني تتمثل في الانقسام السياسي الذي تحول إلى بنية متجذرة برؤية سياسية تحكمها تناقضات آيديولوجية بين حركتي حماس وفتح، وغياب الرؤية الوطنية للتعامل مع القضية الفلسطينية. فتتلخص عقدة جوردون الفلسطينية في الاختلاف حول القضية ذاتها، وفي ضعف المتغير الفلسطيني ودوره في القرار السياسي وتأثير المتغيرات والمؤثرات الخارجية، ما يزيد من عقدة القرار والاتفاق. وتمتد العقدة إلى المستوى العربي وفي توجهات السلام مع إسرائيل وتراجع القضية كأحد مكونات الأمن القومي العربي الذي لم يعد أيضا قائما بأولوية الأمن الوطني لكل دولة، وفي خيارات التفكك التي تتعرض لها الدول العربية، وتحول القضية إلى مجرد دعم اقتصادي وسياسي. ودوليا وهنا تكمن أم العقد أن القضية لم تعد قضية دولية ذات أولويات واهتمامات دولية أمام القضايا الدولية المتزايدة وأمام تحولات النظام الدولي، والحرب الأوكرانية الروسية ببعدها الدولي. وكذلك احتكار الولايات المتحدة حتى اللحظة سيف الإسكندر القادر على حسم القضية، وعدم فاعلية وتأثير الفواعل الدولية الأخرى المنشغلة بقضاياها.
وبالعودة إلى ماهية القضية يبقى تفعيل سيف الإسكندر متوقفا على تفعيل المتغير الفلسطيني واستعادة القضية مكانتها الدولية. وهذا يستلزم تفعيل المتغير العربي والفلسطيني وربط عملية السلام بتسوية القضية وقيام الدولة الفلسطينية التي تشكل العقدة الأساس التي بقيامها قد يتم تفكيك كل العقد المكونة للقضية وتحول سيف الإسكندر إلى اليد العربية القادرة على استئصال العقدة من جذورها بقيام الدولة الفلسطينية.
{ أكاديمي فلسطيني مختص
في العلوم السياسية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك