على الرغم من النتائج المهمة التي أسفرت عنها قمة مجموعة البريكس التي عقدت على مدى ثلاثة أيام في جنوب إفريقيا خلال الفترة 22-24 أغسطس 2023 وشارك فيها 50 رئيس دولة وحكومة فقد كان لافتاً دعوة البريكس 6 دول إلى عضويتها ابتداءً من يناير 2024 من بينها دولتان خليجيتان هما المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة من بين 22 دولة تقدمت بطلب للحصول على تلك العضوية. وبداية فإن البريكس هو اختصار للأحرف الأولى للدول المؤسسة لهذا التكتل الاقتصادي عام 2006 وهي روسيا والبرازيل والهند والصين ثم انضمام جنوب إفريقيا لاحقاً إلى التكتل عام 2011، ودون الخوض في تفاصيل ذلك التكتل فإن الأمر المهم أنه تكتل يضم اقتصادات دول حققت أداءً اقتصادياً متميزاً خلال العقد الماضي، بل تواصل نموها بوتيرة متسارعة إلى الحد الذي أصبح التكتل جاذباً لدول أخرى تتطلع إلى الحصول على عضويته وفقاً لمصادر رسمية من تلك المنظمة.
ومع أن دول الخليج العربي لديها شراكات مع العديد من التكتلات الأخرى منها رابطة دول جنوب شرق آسيا «الآسيان» التي تأسست عام 1967 وتضم في عضويتها عشر دول، بالإضافة إلى منظمة شنغهاي التي تأسست عام 1996 وكانت تضم في بدايتها كلا من الصين وروسيا وطاجيكستان وكازاخستان وقيرغيزستان ثم انضمام الهند وباكستان ويطلق على تلك المنظمة «الناتو الآسيوي»، فإن التساؤل الذي يثار ذو جانبين؛ الأول: ماذا يعني تنامي التنظيمات الإقليمية ذات الطابع الاقتصادي؟ والثاني: ما هي المكاسب الاستراتيجية لدول الخليج من الانضمام إلى تلك التكتلات؟
بداية ينبغي تأكيد أن تنظيمات الأمن الإقليمي ليست بالأمر الجديد حيث نص عليها الفصل الثامن من ميثاق الأمم المتحدة، ومضمونها أن الميثاق يجيز للمنظمات الإقليمية أن تسهم في حفظ الأمن والسلم الدوليين، وانطلاقاً من ذلك تأسست عدة تنظيمات سواء على أسس اقتصادية مثل الاتحاد الأوروبي الذي تطور لاحقاً نحو الصيغ الأمنية والدفاعية أو على أسس دفاعية مثل حلف شمال الأطلسي «الناتو» بالإضافة إلى عدة تنظيمات أخرى، إلا أن الأمر اللافت منذ عقود هو ظهور تنظيمات أخرى لا يشترط بالضرورة التجاور الجغرافي كأساس لنشأتها بل العوامل الاقتصادية هي الركيزة الأساسية لها منها البريكس، بما يعنيه ذلك من أن الجدل الذي يثار حول اتجاه العالم نحو التعددية لا يقتصر على الجوانب الأمنية والسياسية بل الاقتصاد في بؤرة تلك التحولات. صحيح أنه لا تزال للدولار القوة ولكن تنامي تلك التكتلات لا بد أن تتم قراءته في ضوء ثلاثة مؤشرات؛ أولها: أنها تضم الدول التي تسعى لإعادة هيكلة النظام الدولي منها الصين وروسيا والهند، وثانيها: أنها لا تفرض قيوداً على الدول التي تنضم إليها حيث لوحظ أنها تتضمن صيغاً عديدة تضمن حصول العضو على المنافع دون تعارض مع عضوية الدول في تنظيمات أخرى، وثالثها: لا تتضمن التزامات على غرار التنظيمات الأمنية والدفاعية.
واتصالاً بما سبق لا شك أن الفوائد التي سوف تحصل عليها دول الخليج العربي عديدة من تأسيس شراكات وفق صيغ مختلفة مع تلك التكتلات، ويمكن تحديد خمس منها؛ الأولى: أن هناك تجمعا إقليميا يضم دول الخليج العربي الست هو مجلس التعاون الخليجي الذي يتضمن أيضاً أطراً عديدة للتعاون في المجالات كافة من بينها المجال الاقتصادي، ومن ثم فإن حصول بعض دول الخليج على عضوية تلك التجمعات سوف يعزز من مسيرة التكامل الاقتصادي الخليجي ذاتها حيث يمكن لتلك الدول التنسيق فيما بينها خلال تلك الشراكات في مسائل عديدة ليس أقلها تحقيق الأمن الغذائي وهو تحد لم ينته بل سيكون التحدي الأكبر مستقبلاً مع استمرار الحرب في أوكرانيا وإعلان بعض الدول وضع قيود على الصادرات الغذائية بما يعنيه ذلك من أن تلك التكتلات سوف تسهم في تعزيز المواجهة الخليجية الجماعية لبعض التحديات الاقتصادية، والثانية: أن كافة دول الخليج العربي تقوم بتنفيذ رؤى اقتصادية طموحة من مضامينها تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات الخارجية، وفي ظل قوة اقتصادات دول تلك التجمعات فإنها تمثل وجهة أساسية لجذب الاستثمارات، والثالثة: أن دول الخليج العربي التي يصنف بعضها ضمن الدول الصغرى تظل بحاجة إلى قوة تفاوضية في المحافل الدولية، ولا شك أن وجود بعض من الدول الكبرى في تلك التنظيمات من شأنه أن يمثل دعماً لمواقف دول الخليج العربي في بعض القضايا حيث لا يزال الاقتصاد هو قاطرة السياسة حتى على صعيد العلاقات الدولية، وهو ما أشار إليه صراحة أنيل سوكلال مندوب جنوب إفريقيا في اجتماع البريكس الأخير بالقول: «إن بريكس ليست مجرد قوة سياسية عبر محاولتها تغيير خطوط الصدع في مجال السياسة العالمية، لكنها تغير أيضاً ما يحدث في الفضاء الاقتصادي على مستوى العالم». والرابعة: أنه من بين التحديات التي تواجه دول الخليج العربي في الوقت الراهن نقل التكنولوجيا وخاصة في المجال العسكري سواء بالنظر إلى لوائح التصدير التي تقرها بعض الدول أو بالنظر إلى أن الشركات الكبرى التي تمتلك التكنولوجيا في مجالات محددة توجد في دول محددة، بما يعنيه ذلك من أن تلك التكتلات قد تمثل فرصة للحصول على التكنولوجيا. والخامسة: أنه من الخيارات الاستراتيجية لدول الخليج العربي تأسيس شراكات دولية، صحيح أن تلك الشراكات كانت ولا تزال تدور حول الجوانب الدفاعية مع الدول الغربية ولا تزال هي الضمانة الأساسية لأمن الخليج العربي وتوازن القوى الإقليمي عموماً، إلا أن ذلك لا يتعارض مع المستجدات العالمية الراهنة؛ فقد أملت كل من أزمة كورونا والحرب في أوكرانيا على العالم واقعاً جديداً أضحى فيه الاقتصاد محوراً أساسياً للعلاقات وركيزة أساسية لعمل التكتلات الاقتصادية، بل إن التنافسية ستكون هي سمة للعلاقات بين تلك التكتلات من بينها تكتل البريكس في مواجهة مجموعة دول السبع.
وأتصور أن المجلس كتنظيم إقليمي بإمكانه تعظيم الفائدة من علاقات دول الخليج بتلك التكتلات من خلال آليتين؛ الأولى: ضرورة التنسيق بين دول الخليج العربي لتعظيم الاستفادة من تلك التكتلات، والثانية: الحرص على إقامة شراكات بين المجلس كمنظمة وتلك التكتلات، مع الأخذ بالاعتبار أن هناك بالفعل بعضاً من تلك الشراكات ولكن يمكن تأسيس المزيد في ظل دعوة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي في 27 أغسطس 2023 إلى ضم الاتحاد الإفريقي إلى مجموعة العشرين.
ومجمل ما سبق أن التحولات العالمية الراهنة قد فرضت زيادة اهتمام الدول بالانضمام إلى التكتلات الاقتصادية التي تعزز من مصالح الدول، ومن ثم فإن انضمام دول الخليج العربي إلى تلك التكتلات يظل ضرورة استراتيجية لتعظيم فوائدها الاقتصادية ودعم قوتها التفاوضية.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك