نهنئ أبناءنا الطلبة بمناسبة بداية العام الدراسي الجديد، ونتمنى أن تكون إجازتهم الصيفية التي قضوها ممتعة ومفيدة، ونعدهم بأن نكون بجانبهم خلال رحلتهم التعليمية المفعمة بالحيوية، المليئة بالفرص الجديدة خلال الرحلة التعليمية، واكتشاف المعرفة الجديدة وتطوير المهارات وتحقيق التطور الشخصي والأكاديمي، وتعزيز الثقة بالذات والإمكانيات التي نأمل أن يتمكنوا من إتقانها واكتسابها.
إن التعليم هو حجر الأساس في تطور المجتمعات وتقدمها، وذلك لأدواره المهمة التي يقوم بها، باعتباره محور التنمية البشرية والإطار الذي تنبثق من خلاله مهمة التطوير والتجديد المستمر، وتمكين المتعلمين من المهارات الأساسية «مهارات القرن الحادي والعشرين» مثل القدرة على التفكير الناقد والإبداع والابتكار والتعاون والتواصل بمسؤولية مع أقرانهم والمجتمع المدرسي والمحلي بشكل إيجابي منتج، ما يدل على تلقي التعليم المناسب الذي يؤثر في تحديد الطريقة الملائمة للتعامل مع البيئة المحيطة بشكل متزن وآمن، ووفق خطوات إيجابية ناتجة عن تطوير منظومة التعليم والمساهمة في تحقيق الأهداف، وهذا ما أكده صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس الوزراء حفظه الله ورعاه في اجتماع اللجنة التنسيقية رقم (461) لدعم وتطوير المنظومة التعليمية في المملكة، حيث تم مناقشة مستجدات تطوير التعليم في المملكة ضمن الإطار الموحد لبرنامج الحكومة ذات الأولوية في نسخته الرابعة، إلى جانب توجيه سموه لمواصلة تسخير جميع الجهود والإمكانيات لتعزيز المنظومة التعليمية ومخرجاتها.
إن دستور مملكة البحرين يكفل حق التعليم للجميع دون تمييز؛ لذا تحرص المملكة على نشر التعليم في مختلف مدنها ومناطقها بشكل متوازن وعادل، وبين كافة الطبقات المجتمعية من منطلق تفعيل الديمقراطية وتحقيقًا لمبدأ تكافؤ الفرص التعليمية. ويعد التعليم من أهم القضايا الوطنية، باعتباره ضمانة لإكساب المواطن الوعي الصحيح تجاه القضايا المجتمعية المحلية والدولية، وترسيخًا لحب تراب الوطن، وحماية وصيانة مقدراته، وتحملًا للمسؤولية في نهضته ورفعته وازدهاره بين مصاف الدول؛ لذا فإن وزارة التربية والتعليم تتبنى استراتيجية التربية المستمرة والتعليم مدى الحياة الهادفة إلى تمكين المتعلم من تحقيق ذاته وإثراء حياته مطبقة بذلك المفهوم الخاص بمجال التعليم وهو أن «التعليم يغيّر مسار حياة». وقد جاء ذلك في متن رسالة اليونسكو لبناء السلام والأمن، ومحاربة الفقر والسعي نحو تأمين التنمية المستدامة بالجودة العالية في مجال التعليم والتعلم؛ إذ إن منظمة اليونسكو تؤمن بأنّ التعليم حقّ من حقوق الإنسان لا بدّ من تأمينه له على مدى حياته وبمعايير جيّدة. ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه المنظّمة هي وكالة الأمم المتّحدة الوحيدة المفوّضة لمتابعة مختلف شؤون التعليم وجوانبه. وقد أسنِدَ إليها الدور الرائد في جدول أعمال التعليم العالميّ حتّى عام 2030 عبر الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة.
ومن المؤكد أن للتعليم المستدام دورا مهما وكبيرا في بناء الثقافة الفكرية والاجتماعية والسياسية للأفراد، والنهوض بقدراتهم وتنميتها إلى مستويات عالية، وينطبق هذا الأمر كذلك على المجتمع، حيث يحقق التعليم له فوائد من نهضة وارتقاء به في كافة المجالات، ويحقق طموحاته وأهدافه.
إن للتعليم دورًا مهمًا في الاستثمار في رأس المال البشري، فهو المسؤول الأول عن رفد المجتمع بالطاقات البشرية والكوادر العلمية، وإيصال المفاهيم واكتساب المهارات لهذه النخبة من أفراد المجتمع، التي من شأنها أن تعزز الولاء وترسخ المفاهيم الاجتماعية العامة لديهم، ولذلك نرى أن قيادة مؤسسات التعليم في مملكتنا تواكب المستجدات التربوية الحديثة وتتفاعل مع المتغيرات طلبًا لتطوير وتحديث الأساليب، بما يتناسب مع متطلبات التنمية الاقتصادية المستدامة. وقد أصبحت التوقعات المجتمعية بشأن التعليم أكثر تكاتفًا وتفاعلاً مع المؤسسات التعليمية، وذلك لاحتوائها على ثروة من الخبرات والكفاءات البشرية العلمية التي تلعب دورًا كبيرًا في تحريك عجلة التنمية الشاملة في المجتمع البحريني، وتسعى بشكل مستمر للتوافق مع احتياجات المجتمع وفق أهداف مخططة ومدروسة بإتقان، بما يتطلب التعاون الوثيق بين كافة المستويات في المؤسسات التعليمية لتحديد نوعية وجودة الأسلوب المتبع، بالإضافة إلى التعرف على حاجات المؤسسات المجتمعية المختلفة بشكل عام، وذلك لتحقيق الأهداف والغايات المشتركة، التي تعود بالفوائد والمنافع على المجتمع ونموه.
كانت مملكة البحرين ومازالت تعتبر من الدول الرائدة في الأنظمة التعليمية من خلال عنايتها بالتعليم وتوفيره للجميع، والحرص على جودته وإلزاميته في مراحله الأساسية ومجانيته حتى نهاية المرحلة الثانوية، مستعينة بما لديها من قيادات واعية تمتلك الحس الوطني وإدارة دفة التعليم، وتنفذ الأهداف المرسومة بجودة عالية، وكفاءات تربوية تعمل جاهدة لتطوير المؤسسات التعليمية وترجمة الأهداف العامة بحسب الخطة الاستراتيجية، ما كان له الأثر في تعزيز مشاركة ومساهمة الطلبة في مشاريع الاستدامة والوعي والمسؤولية الاجتماعية والبيئية، وذلك من خلال التركيز على البرامج والمبادرات التطويرية المدرجة في خطة كل مؤسسة تعليمية، والعمل على تطبيقها وتنفيذها على أرض الواقع من قبل الكوادر الوطنية المتخصصة والمؤهلة. ومن أمثلة هذه البرامج التطويرية التي تتبناها مملكة البحرين لتعزيز التعليم المستدام الهادفة إلى تعزيز الوعي بالاستدامة وتطوير مهارات الكوادر التعليمية والطلاب في هذا الصدد، وتعزيز الرؤية الوطنية في مجال التعليم والتعلم للمملكة:
- المراجعة الدورية الشاملة لتطوير المناهج التعليمية في جميع المراحل التعليمية، لما لها من دور محوري لتطوير منظومة التعليم في المملكة، وذلك بالعمل على تضمين مفاهيم الاستدامة وإكساب الطلاب المعارف والمهارات وخاصة في القضايا الوطنية والمحلية والعالمية ذات الصلة؛ وذلك عبر تكييف المناهج الدراسية بحسب المستجدات الحديثة في جميع المجالات، سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو البيئية أو السياسية وغيرها، والعمل بشكل متواصل على تعزيز الوعي بالتحديات البيئية باعتبارها حديث الساعة العالمي، وتعزيز الممارسات المستدامة. ومن أهم هذه الطرق التي أسهمت في تطوير التعليم والمناهج التعليمية إدخال الوسائل التقنية الحديثة في العملية التعليمية واستخدام العديد من الأساليب التي ساعدت على التفسير والإيضاح للطلبة، مثل الألواح «السبورات» الإلكترونية، وتوظيف الإنترنت للمساعدة في البحث داخل المعامل الدراسية وتعليم الطلاب كيفية الحصول على المعلومات بطريقة سلسة وآمنة.
- الاستمرار في البرامج التدريبية وورش العمل التي يتم تنظيمها لتمهين القيادات التربوية والمعلمين بالميدان التربوي، وتعزيز فهمهم ومهاراتهم في آليات التعليم المستدام. وتوفير الموارد والأدوات اللازمة لتنفيذ ممارسات التعليم المستدام في الفصول الدراسية.
- تطبيق العديد من المشاريع والممارسات البيئية في المدارس، التي تشجع على المشاركة الفعالة وتحفيز وتعزيز الوعي البيئي والمسؤولية الاجتماعية لدى الطلبة وتشجيعهم على اتخاذ إجراءات فعّالة للحفاظ على البيئة؛ مثل تنفيذ مشاريع إعادة التدوير وتوفير الطاقة والحفاظ على الموارد المائية وزراعة الحدائق المدرسية لتعزيز الوعي البيئي والمسؤولية، وتطبيق برنامج المدارس الخضراء لتوحيد الرؤى في هذا الجانب، الذي يهدف إلى تحويل المدارس إلى بيئات تعليمية مستدامة، من خلال تطبيق مبادئ الاستدامة في المباني وأنظمة التشغيل وإدارة الموارد، وإدارة النفايات المدرسية قدر الإمكان، وتوفير الموارد المستدامة في المدارس.
- توظيف التقنية وتشجيع الابتكار، وهنا لا بد من الإشادة بـ«مشروع جلالة الملك حمد لمدارس المستقبل عام 2004»، ومبادرة التمكين الرقمي عام 2014، ويهدف إلى تطوير المنظومة التعليمية من حيث توظيف تكنولوجيا المعلومات والاتصال في عمليات التعليم والتعلم لتحقيق أهداف التعلم الإلكتروني والتحول إلى مجتمع المعلومات والاقتصاد القائم على المعرفة. إن قدرات وإمكانيات المملكة في مجال التكنولوجيا كبيرة، لذا فقد تم التوجه إلى التركيز على هذا الجانب لمواكبة التطور السريع حول العالم، وذلك من خلال تعزيز استخدام التكنولوجيا في التعليم بما يتوافق مع مفهوم الاستدامة، حيث يتم توظيف وسائل التكنولوجيا الحديثة لتعزيز العملية التعليمية وتوفير فرص التعلم الشاملة والمستدامة للطلاب.
- التعاون مع المجتمع المحلي والشراكة المجتمعية، حيثُ تشجع مملكة البحرين على التعاون مع المجتمع المحلي والقطاع الخاص والمؤسسات غير الحكومية لتعزيز التعليم المستدام؛ بحيث يتم تنظيم فعاليات ومشاريع مشتركة لتعزيز الوعي بالاستدامة وتعزيز التعاون الشامل لتحقيق التوازن بين أبعاد التنمية المستدامة الاجتماعية والبيئية والاقتصادية. وتعدُّ الشراكة المجتمعية ركيزة أساسية للتطوير في المجالات المختلفة في مقدمتها التعليم؛ فقد أصبح العمل الوطني المشترك ذا أهمية بالغة في تثبيت جهود المملكة، ومؤثرًا في رسم السياسات العامة لها، وبما لا يدع مجالًا للشك يعد مؤشرًا لدلالة الشعور بالولاء والانتماء إلى تراب الوطن، ومن ثم تتزايد الجهود بهدف زيادة جودة مخرجات الأداء التعليمي في المملكة.
لذا فإن مملكة البحرين تولي اهتمامًا كبيرًا لجودة التعليم واستدامته، إذ تتبنى المملكة ممثلة في وزارة التربية والتعليم نهجًا شاملاً لاستدامة التعليم والتعلم، والعمل على تعزيز الجودة والتميز في النظام التعليمي، والتركيز على توفير بيئة تعليمية مستدامة تلبي احتياجات جميع فئات الطلبة الحالية دون المساس بقدرات الأجيال القادمة. وذلك بالارتكاز على مبادئ الرؤية الاقتصادية للمملكة 2030، التي تشتمل على العدالة والاستدامة والتنافسية. إن تحقيق التعليم الجيد والشامل للجميع يؤكد القناعة بأن التعليم هو إحدى أكثر الوسائل قوة وثباتًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. ويكفل هذا الهدف أن يكمل جميع الطلبة التعليم الابتدائي والثانوي المجاني بحلول عام 2030. وقد اتخذت مملكة البحرين لتحقيق مقاصد الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة «التعليم - والمعرفة والابتكار والبحث العلمي» خطوات متقدمة بالسعي نحو توفير فرص متساوية للحصول على التعليم والتدريب ويكون في متناول الجميع، والقضاء على الفوارق في اتاحة التعليم بسبب الجنس أو الثروة، وتحقيق حصول الجميع على تعليم عالي الجودة، بما في ذلك العمل على توفير بيئة تعليمية مستدامة تعزز التعليم والتعلم والتطور الشخصي المستدام للطلبة، الهادف إلى تطوير جيل من الشباب البحريني المدرك لأهمية التعليم وتأثيره على جودة الحياة للأفراد والمجتمع، ويكون قادرا على المساهمة في بناء مستقبل مستدام ومزدهر لوطنه.
ختامًا؛ حفظ الله مملكتنا وقيادتها الرشيدة الحريصة على تحقيق النهضة والبناء والازدهار، وأثمر جهود المخلصين من القيادات التربوية الواعية بالنجاح نحو مستقبل تعليمي لوطن مشرق. ولأجل تحقيق ذلك فإن من الواجب علينا جميعًا في السلك التعليمي تكثيف الجهود والسعي نحو قيادة عمليتي التعليم والتعلم وفق الأهداف المخطط لها. ورسالتنا لطلابنا الأعزاء؛ عليكم دائمًا أن تتذكروا أن التعليم هو مفتاح النجاح وتحقيق الطموح نحو بدايات جديدة مع امنياتنا لكم جميعًا بعام دراسي مليء بالفرص والنجاحات، ونحن على ثقة بأنكم قادرون على التغلب على التحديات وتحقيق أهدافكم الأكاديمية وحصولكم على تعليم ونمو معرفي وثقافي منتج ومؤثر في جميع نواحي الحياة، وأن تكونوا طلابًا لكم إسهامات فاعلة في خلق مستقبل أكثر استدامة نباهي بكم الأمم وترفعوا راية الوطن عاليًا كما عهدناكم.
{ مختصة في فلسفة الدراسات البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك