خلال وجودي في روسيا الاتحادية في زيارة عمل زرت مدينة سانت بطرسبرج وهي المدينة الثانية في روسيا بعد موسكو والعاصمة القديمة لروسيا قبل أن ينقل الزعيم الروسي قائد ثورة أكتوبر الاشتراكية فلاديمير لينين العاصمة إلى موسكو بعد نجاح الثورة في عام 1917، هذه المدينة التي أسسها القيصر الروسي بيتر أو بطرس الأول عام 1703 بعد تحريرها من الاحتلال السويدي الذي دمر وخرب وهدم المدينة قبل خروجهم منها مدحورين مهزومين على يد الجيش الروسي بقيادة بيتر الأول الذي بنى أول بيت في المدينة ليكون سكنا له لا يزال موجودا وتحول إلى مزار ومعلم سياحي يقصده زوار المدينة من داخل روسيا وخارجها، وهو بيت صغير من طابق واحد، كما بنى قلعة بيتروبافلسكي وسط المدينة لتكون مقرا للحكومة تحولت فيما بعد إلى سجن لمعارضي القيصر من سياسيين ومثقفين وكتاب، فلا تزال الزنزانات التي قضى المعارضون لنظام القيصر من السياسيين والكتاب المشهورين موجودة، منها زنزانة الكاتب الروسي الشهير مكسيم جوركي صاحب رواية الأم موجودة فيها الطاولة التي كان يكتب عليها رواياته والكرسي الذي كان يجلس عليه وأدواته وكذلك زنزانات التعذيب وأدوات التعذيب التي كانت تستخدم للمعارضين من أعضاء وكوادر تنظيم الديسمبريين في القرن الثامن العشر الذين قاموا بثورة ضد القيصر.
وللإسراع في بناء المدينة بعد تحريرها من الاحتلال السويدي عمل القيصر بيتر الأول على تقديم التسهيلات الكبيرة والامتيازات لرجال الأعمال الروس الموجودين بالخارج للعودة إلى روسيا والمساهمة في إعادة بناء المدينة، وكثير منهم تقلدوا مناصب في الحكومة القيصرية ما أسهم في سرعة إعادة البناء، ولذلك تتميز المدينة بمبانيها القديمة التي استخدمت لأغراض مختلفة كمساكن للمواطنين وكمؤسسات ومقار ولا تزال صالحة سواء للسكن أو كمكاتب، فالشخص عندما يتجول في المدينة من السهل أن يرى لوحة مكتوبا عليها سكن في هذا المبنى شخص مشهور قبل أكثر من 150 عاما.
وتحتضن هذه المدينة الروسية العريقة متحف الارميتاج الشهير الذي يعد أفضل متحف في أوروبا والذي يتناول مختلف مراحل تطور روسيا، ويضم قسما لتاريخ مصر القديمة كما ضم جناحا للبحرين مدة ستة أشهر في إطار الاتفاقية التي وقعت بين هيئة البحرين للثقافة والآثار وقعتها الشيخة مي بنت محمد آل خليفة ومتحف الارميتاج، والقصر الشتوي للقيصر الذي تعرض لأول طلقة من السفينة الأفرورا معلنة بداية ثورة أكتوبر الاشتراكية العظمى التي قادها الزعيم البلشفي فلاديمير لينين ضد الحكم القيصري في عام 1917، ولا تزال هذه السفينة راسية مكانها منذ ذلك الوقت ولم تتحرك وهي الطلقة الأولى والأخيرة لها وتحولت إلى متحف لزوار المدينة.
ومدينة سانت بطرسبرج لم تسلم من البطش الهتلري خلال الحرب الوطنية العظمى عندما تم محاصرة المدينة مدة 900 يوم عانى خلالها السكان من الجوع والمرض وراح ضحية هذا الحصار 3 ملايين مواطن روسي، ولكنها لم تسقط في يد الألمان وتم تحريرها وأطلق عليها لقب المدينة البطلة حالها حال المدن السوفيتية الأخرى التي أبدت شجاعة وبطولة في مقاومة الجيش الألماني.
وتتميز المدينة أيضا بأنهارها وفروعها التي تجري بين المباني الضيفة وبجسورها التي تتجاوز 360 جسرا تفتح بعضها من الساعة الثانية صباحا حتى السادسة صباحا حيث تتوقف حركة السير عليها للسماح للبواخر الكبيرة بالعبور.
لقد تحولت مدينة سانت بطرسبرج التي ولد فيها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى ملتقى للعديد من اللقاءات والمنتديات الدولية التي من أهمها منتدى سانت بطرسبرج الدولي الذي يقام سنويا في شهر يونيو برعاية الرئيس فلاديمير بوتين ويحضره عدد من قادة العالم منهم قادة عرب كالرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس دولة الإمارات العربية المتحدة سمو الشيخ محمد بن زايد وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وآخرها كان عقد مؤتمر قمة روسيا-إفريقيا الذي حضرته 49 دولة إفريقية من أصل 54 دولة.
سكان المدينة حالهم حال بقية الشعب الروسي يتسمون بالطيبة وكرم الضيافة، يحبون الأجانب ويحترمونهم ويقدمون مختلف أنواع المساعدة لمن يطلب المساعدة رغم أن الغالبية العظمى منهم لا يتحدثون اللغة الإنجليزية، ومع ذلك يحاولون تقديم المساعدة لمن يطلبها من دون تردد، فمن السهل عندما تحتاج إلى مساعدة أن تطلبها من المارة أو الموجودين في الأماكن العامة.
إنها مدينة تجمع بين الماضي والحاضر؛ بين ماضي روسيا وتاريخها بأحداثه وتطوراته وحاضر روسيا وحداثتها وتطورها الذي يتناسب مع مكانتها الدولية كدولة عظمى مؤثرة في الأحداث العالمية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك