العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٦ - السبت ٢٣ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢١ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

قضايا و آراء

هذا هو الفاروق عُمَرْ!

بقلم: عبدالرحمن علي البنفلاح

الأحد ٠٣ سبتمبر ٢٠٢٣ - 02:00

لقد‭ ‬سمَّاهُ‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬‮«‬الفاروق‮»‬،‭ ‬ولهذا‭ ‬اللقب‭ ‬جلاله‭ ‬وعظمته،‭ ‬وكان‭ ‬حامله‭ ‬أو‭ ‬الموصوف‭ ‬به‭ ‬أمنية‭ ‬طالما‭ ‬داعبت‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬وطالما‭ ‬سمع‭ ‬المسلمون‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬يرددها،‭ ‬ويدعو‭ ‬ربه‭ ‬سبحانه‭ ‬أن‭ ‬يعز‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬الإسلام‭ ‬بعمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬ولقد‭ ‬صدقت‭ ‬فيه‭ ‬نبوءة‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭)‬،‭ ‬فلقد‭ ‬أبلى‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬بلاءً‭ ‬حسنًا‭. ‬لقد‭ ‬أخذ‭ ‬العهد‭ ‬على‭ ‬نفسه،‭ ‬وأقسم‭ ‬ألا‭ ‬يدع‭ ‬موقفًا‭ ‬وقفه‭ ‬في‭ ‬الجاهلية‭ ‬ضد‭ ‬الإسلام‭ ‬إلا‭ ‬ويقف‭ ‬موقفًا‭ ‬في‭ ‬الإسلام‭ ‬ضد‭ ‬الجاهلية،‭ ‬وكأنه‭ ‬بهذا‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يُبَيِّض‭ ‬صحيفة‭ ‬سوابقه،‭ ‬مع‭ ‬أن‭ ‬الإسلام‭ ‬قد‭ ‬أعفاه‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬الإسلام‭ ‬يجب‭ ‬ما‭ ‬قبله‭.‬

يقول‭ ‬الدكتور‭ ‬طه‭ ‬حسين‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭): ‬لم‭ ‬يؤرخ‭ ‬مؤرخ‭ ‬لعظيم‭ ‬من‭ ‬العظماء‭ ‬كما‭ ‬أرخ‭ ‬الصحابي‭ ‬عبدالله‭ ‬بن‭ ‬مسعود‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬لعمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب،‭ ‬قال‭: ‬كان‭ ‬إسلام‭ ‬عمر‭ ‬نصرًا،‭ ‬وكانت‭ ‬هجرته‭ ‬فتحًا،‭ ‬وكانت‭ ‬خلافته‭ ‬رحمة‭! ‬ومن‭ ‬نصره‭ ‬للإسلام‭ ‬موقفه‭ ‬حين‭ ‬أعلن‭ ‬إسلامه،‭ ‬فقد‭ ‬أصرَّ‭ ‬على‭ ‬بلال‭ ‬أن‭ ‬يرفع‭ ‬صوته‭ ‬بالأذان‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تأخذه‭ ‬في‭ ‬الحق‭ ‬وإعلانه‭ ‬لومة‭ ‬لائم،‭ ‬ثم‭ ‬خرج‭ ‬من‭ ‬بيت‭ ‬الأرقم‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬الأرقم‭ ‬في‭ ‬مظاهرة‭ ‬لم‭ ‬يسبق‭ ‬للمسلمين‭ ‬أن‭ ‬قاموا‭ ‬بمثلها،‭ ‬خرج‭ ‬يتوسطهم‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬وعن‭ ‬اليمين‭ ‬حمزة،‭ ‬وعن‭ ‬الشمال‭ ‬عمر،‭ ‬وطافوا‭ ‬بالبيت،‭ ‬وأعلنوا‭ ‬إسلامهم‭ ‬بعد‭ ‬الفترة‭ ‬السرية‭ ‬التي‭ ‬دامت‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬ولقد‭ ‬عانوا‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬الفترة‭ ‬أشد‭ ‬المعاناة،‭ ‬عندها‭ ‬أنعم‭ ‬عليه‭ ‬رسول‭ ‬الله‭ (‬صلى‭ ‬الله‭ ‬عليه‭ ‬وسلم‭) ‬بإسلام‭ ‬‮«‬الفاروق‮»‬‭ ‬لأنه‭ ‬فرق‭ ‬بين‭ ‬الحق‭ ‬والباطل‭.‬

أما‭ ‬مواقفه‭ ‬بعد‭ ‬إسلامه‭ ‬فقد‭ ‬سار‭ ‬بها‭ ‬الركبان‭ ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬كسرى‭ ‬ملك‭ ‬الفرس‭ ‬أرسل‭ ‬من‭ ‬يأتيه‭ ‬بأخباره‭ ‬التي‭ ‬تعجب‭ ‬منها‭ ‬حين‭ ‬وصلت‭ ‬إليه،‭ ‬ولقد‭ ‬عاد‭ ‬رسول‭ ‬كسرى‭ ‬ليحمل‭ ‬إليه‭ ‬الأعاجيب‭ ‬من‭ ‬أخباره‭ ‬حين‭ ‬رأى‭ ‬أحواله،‭ ‬وجاء‭ ‬يحمل‭ ‬ما‭ ‬رأى‭ ‬وسمع،‭ ‬ولخص‭ ‬ذلك‭ ‬في‭ ‬حكمة‭ ‬بالغة،‭ ‬قال‭ ‬رسول‭ ‬كسرى‭ ‬عن‭ ‬عمر‭: ‬حكمت،‭ ‬فعدلت،‭ ‬فأمنت،‭ ‬فنمت‭.. ‬يا‭ ‬عمر‭!‬

إنها‭ ‬عبارة‭ ‬جليلة‭ ‬وعظيمة‭ ‬لخص‭ ‬فيها‭ ‬رسول‭ ‬كسرى‭ ‬حياة‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬عمر‭ ‬بن‭ ‬الخطاب‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬العدل‭ ‬والزهد‭.‬

ومن‭ ‬أخبار‭ ‬عمر‭ ‬وعدله‭ ‬وإنصافه‭ ‬ما‭ ‬جرى‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬واليه‭ ‬على‭ ‬مصر‭ ‬عمرو‭ ‬بن‭ ‬العاص‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬حين‭ ‬اعتدى‭ ‬ابن‭ ‬عمرو‭ ‬على‭ ‬الشاب‭ ‬القبطي‭ ‬الذي‭ ‬سبق‭ ‬ابن‭ ‬الوالي‭ ‬في‭ ‬السباق،‭ ‬وأيضًا‭ ‬قصة‭ ‬المرأة‭ ‬القبطية‭ ‬التي‭ ‬اغتصب‭ ‬الوالي‭ ‬بيتها‭ ‬وضمه‭ ‬إلى‭ ‬المسجد‭ ‬لما‭ ‬ضاق‭ ‬المسجد‭ ‬بالمصلين،‭ ‬والقصتان‭ ‬فيهما‭ ‬إشارة‭ ‬واضحة‭ ‬الدلالة‭ ‬على‭ ‬عدل‭ ‬الإسلام‭ ‬وإنصافه‭ ‬لغير‭ ‬المسلمين‭.‬

وله‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬موقف‭ ‬جليل‭ ‬من‭ ‬أموال‭ ‬الأمة،‭ ‬قال‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭: ‬أنا‭ ‬في‭ ‬أموالكم‭ ‬ككافل‭ ‬اليتيم‭ ‬إن‭ ‬استغنيت‭ ‬استعففت،‭ ‬وإن‭ ‬افتقرت‭ ‬أكلت‭ ‬بالمعروف‭. ‬

ولننظر‭ ‬إلى‭ ‬إيمانه‭ ‬بحق‭ ‬الرعية‭ ‬في‭ ‬محاسبة‭ ‬الحكام،‭ ‬والأخذ‭ ‬على‭ ‬أيديهم‭ ‬إذا‭ ‬انحرفوا،‭ ‬كان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنه‭ ‬يقول‭ ‬للناس‭: ‬‮«‬لا‭ ‬خير‭ ‬فيكم‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تقولوها،‭ ‬ولا‭ ‬خير‭ ‬فينا‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬نقبلها‮»‬،‭ ‬ووقف‭ ‬يومًا‭ ‬خطيبًا‭ ‬وقال‭ ‬للناس‭: ‬‮«‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬ملت‭ ‬برأسي‭ ‬هكذا‭. ‬قال‭ ‬له‭ ‬سلمان‭ ‬الفارسي‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭): ‬نقومك‭ ‬بسيوفنا‭ ‬هكذا،‭ ‬قال‭: ‬إياي‭ ‬تعني؟‭ ‬قال‭: ‬إياك‭ ‬أعني‭. ‬قال‭: ‬الحمد‭ ‬لله‭ ‬الذي‭ ‬أخرج‭ ‬في‭ ‬أمة‭ ‬محمد‭ ‬من‭ ‬يقوم‭ ‬عمر‭ ‬بحد‭ ‬السيف‭.‬

لقد‭ ‬ارتاحت‭ ‬نفسه‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنه‭ ‬لهذه‭ ‬المقالة،‭ ‬واطمأن‭ ‬إلى‭ ‬يقظة‭ ‬الأمة‭ ‬لحقوقها‭ ‬وقدرتها‭ ‬على‭ ‬المواجهة‭ ‬في‭ ‬ثبات‭ ‬ويقين‭.‬

ولقد‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬موقف‭ ‬من‭ ‬أهل‭ ‬الذمة‭ ‬من‭ ‬النصارى،‭ ‬فعند‭ ‬تسلمه‭ ‬مفاتيح‭ ‬بيت‭ ‬المقدس،‭ ‬وحان‭ ‬موعد‭ ‬الصلاة،‭ ‬قال‭ ‬له‭ ‬كبير‭ ‬القساوسة‭ ‬صل‭ ‬داخل‭ ‬الكنيسة،‭ ‬فأبى‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬ذلك،‭ ‬فقال‭ ‬له‭ ‬القس‭: ‬هل‭ ‬تستنكف‭ ‬أن‭ ‬تصلي‭ ‬في‭ ‬كنيستنا؟‭ ‬قال‭: ‬لا‭ ‬ولكني‭ ‬أخشى‭ ‬إن‭ ‬صليت‭ ‬هنا‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬المسلمون‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬ويقولوا‭: ‬هنا‭ ‬صلى‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬فيقيموا‭ ‬فيها‭ ‬مسجدًا‭! ‬وكان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنه‭ ‬ملهمًا،‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬المسلمون‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬وأقاموا‭ ‬مسجدًا‭ ‬وسموه‭ ‬مسجد‭ ‬عمر‭. ‬وكان‭ ‬كثيرًا‭ ‬ما‭ ‬يسأله‭ ‬الصحابة‭ ‬رضوان‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬عنهم‭: ‬ألا‭ ‬تنام‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين؟‭ ‬فكان‭ ‬يقول‭ ‬لهم‭: ‬إن‭ ‬نمت‭ ‬بالليل‭ ‬ضيعت‭ ‬حق‭ ‬ربي،‭ ‬وإن‭ ‬نمت‭ ‬بالنهار‭ ‬ضيعت‭ ‬حق‭ ‬الرعية‭! ‬وكان‭ ‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭ ‬يظل‭ ‬يتفقد‭ ‬أحوال‭ ‬الرعية،‭ ‬فإذا‭ ‬غلبه‭ ‬التعب‭ ‬نام‭ ‬على‭ ‬الأرض،‭ ‬فإذا‭ ‬استراح‭ ‬بعض‭ ‬الشيء‭ ‬استيقظ‭ ‬وواصل‭ ‬رعاية‭ ‬شؤون‭ ‬الرعية،‭ ‬فمن‭ ‬أراد‭ ‬لقاء‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين‭ ‬ورفع‭ ‬حاجته‭ ‬إليه‭ ‬فلا‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬مقار‭ ‬الحكم،‭ ‬ولا‭ ‬الجنات‭ ‬الوارفة‭ ‬الظلال،‭ ‬فلن‭ ‬يجده‭ ‬فيها،‭ ‬بل‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يبحث‭ ‬عنه‭ ‬في‭ ‬الأزقة‭ ‬والطرقات،‭ ‬فهناك‭ ‬مقامه‭ ‬ومنامه‭ ‬ومستراحه‭. ‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬تجسدت‭ ‬في‭ ‬حياته‭ ‬مبادئ‭ ‬الإسلام‭ ‬وقيمه‭ ‬العظيمة‭.. ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬ينظر‭ ‬إلى‭ ‬أموال‭ ‬الأمة‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬أموال‭ ‬يتامى‭ ‬يستعفف‭ ‬حين‭ ‬يستغني،‭ ‬ويأكل‭ ‬بالمعروف‭ ‬حين‭ ‬يفتقر،‭ ‬وما‭ ‬زاد‭ ‬عن‭ ‬حاجته‭ ‬وحاجة‭ ‬من‭ ‬يعول‭ ‬رده‭ ‬إلى‭ ‬بيت‭ ‬مال‭ ‬المسلمين‭!‬

هذا‭ ‬هو‭ ‬الفاروق‭ ‬عمر‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬أخوه‭ ‬الإمام‭ ‬علي‭ ‬بن‭ ‬أبي‭ ‬طالب‭ (‬رضي‭ ‬الله‭ ‬عنه‭) ‬عندما‭ ‬دخل‭ ‬عليه‭ ‬بعد‭ ‬تغسيله‭ ‬وتكفينه،‭ ‬قال‭: ‬السلام‭ ‬عليك‭ ‬يا‭ ‬أمير‭ ‬المؤمنين،‭ ‬ثم‭ ‬قال‭: ‬والله‭ ‬ليس‭ ‬أحب‭ ‬إليَّ‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬ألقى‭ ‬الله‭ ‬تعالى‭ ‬بصحيفة‭ ‬هذا‭ ‬المسجى‭! ‬ولقد‭ ‬ذكر‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬في‭ ‬كتاب‭ ‬نهج‭ ‬البلاغة،‭ ‬وهو‭ ‬كتاب‭ ‬مشهور‭ ‬يعتمد‭ ‬عليه‭ ‬كمصدر‭ ‬من‭ ‬المصادر‭ ‬الكبيرة‭ ‬والموثقة‭.‬

كلمات دالة

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا