العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

الكسلان كسبان

أستمتع‭ ‬كثيراً‭ ‬بقراءة‭ ‬بريد‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬الصحف‭ ‬الإنكليزية‭ ‬لأن‭ ‬أصحاب‭ ‬الرسائل‭ ‬يناقشون‭ ‬الصحيفة‭ ‬في‭ ‬مختلف‭ ‬الشؤون‭ ‬ويطرحون‭ ‬آراء‭ ‬وملاحظات‭ ‬قيمة‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬الشأن‭ ‬أو‭ ‬ذاك،‭ ‬ومعظم‭ ‬المساهمين‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الصفحات‭ ‬من‭ ‬المشاهير‭ ‬الأعلام،‭ ‬ولو‭ ‬نشرت‭ ‬صحيفة‭ ‬عربية‭ ‬رسالة‭ ‬لأستاذ‭ ‬جامعي‭ ‬أو‭ ‬شخصية‭ ‬عامة‭ ‬معروفة‭ ‬في‭ ‬بريد‭ ‬القراء‭ ‬فأنه‭ ‬يعتبر‭ ‬ذلك‭ ‬إهانة‭ ‬بالغة‭ ‬ويصاب‭ ‬بعقدة‭ ‬نفسية‭ ‬ويتوقف‭ ‬عن‭ ‬الإرسال‭ ‬والكتابة‭ ‬وربما‭ ‬يرفع‭ ‬قضية‭ ‬‮«‬رد‭ ‬اعتبار‮»‬‭ ‬على‭ ‬الصحيفة‭ ‬باعتبار‭ ‬أنها‭ ‬نشرت‭ ‬رسالته‭ ‬مع‭ ‬اللي‭ ‬يسوى‭ ‬واللي‭ ‬ما‭ ‬يسواش‭ (‬نفسي‭ ‬أعرف‭ ‬كيف‭ ‬يكون‭ ‬الانسان‭ ‬من‭ ‬الصنف‭ ‬الذي‭ ‬يسوى‭!! ‬ويسوى‭ ‬ماذا‭ ‬وكم‭ ‬بالضبط؟‭ ‬ونفسي‭ ‬أيضا‭ ‬أعرف‭ ‬كيفية‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬من‭ ‬هب‭ ‬ودب،‭ ‬وكيف‭ ‬يهب‭ ‬الانسان‭ ‬ويدب‭).‬

المهم‭ ‬أنني‭ ‬لاحظت‭ ‬عبر‭ ‬سنين‭ ‬طويلة‭ ‬أن‭ ‬بريد‭ ‬القراء‭ ‬في‭ ‬صحيفة‭ ‬الأهرام‭ ‬المصرية‭ ‬يكاد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الاستثناء‭ ‬الوحيد‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬القاعدة،‭ ‬فبريدها‭ ‬اليومي‭ ‬يحمل‭ ‬في‭ ‬المتوسط‭ ‬نحو‭ ‬ثماني‭ ‬رسائل‭ ‬من‭ ‬كتاب‭ ‬وقراء‭ ‬معروفين‭ ‬ومغمورين‭.‬

وصحف‭ ‬المهاجر‭ ‬العربية‭ ‬أيضاً‭ ‬لا‭ ‬تجد‭ ‬حرجاً‭ ‬في‭ ‬نشر‭ ‬رسائل‭ ‬لأسماء‭ ‬مشهورة‭ ‬في‭ ‬زوايا‭ ‬‮«‬البريد‮»‬‭ ‬ولكن‭ ‬الأمر‭ ‬يقتصر‭ ‬عندها‭ ‬على‭ ‬رسالة‭ ‬أو‭ ‬اثنتين‭. ‬ما‭ ‬علينا،‭ ‬نعود‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬الأهرام‮»‬‭ ‬التي‭ ‬اكتفي‭ ‬في‭ ‬معظم‭ ‬الاحيان‭ ‬بقراءة‭ ‬بريد‭ ‬قرائها،‭ ‬واستعرض‭ ‬معكم‭ ‬رسالة‭ ‬توقفت‭ ‬عندها‭ ‬كثيراً‭ ‬قبل‭ ‬حين‭ ‬من‭ ‬الدهر‭.‬

صاحب‭ ‬الرسالة‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬أحد‭ ‬معارفه‭ ‬كان‭ ‬موظفاً‭ ‬حكومياً،‭ ‬كرّس‭ ‬سنوات‭ ‬خدمته‭ ‬للتهرب‭ ‬من‭ ‬العمل،‭ ‬وأثبت‭ ‬كفاءة‭ ‬عالية‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المجال،‭ ‬بحيث‭ ‬أنه‭ ‬عندما‭ ‬أحيل‭ ‬إلى‭ ‬التقاعد‭ ‬بعد‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭ ‬من‭ ‬‮«‬عدم‮»‬‭ ‬الخدمة،‭ ‬كان‭ ‬لا‭ ‬يزال‭ ‬موظفاً‭ ‬صغيراً،‭ ‬ذلك‭ ‬لأن‭ ‬عبقريته‭ ‬الفذة‭ ‬في‭ ‬ممارسة‭ ‬الكسل‭ ‬والتهرب‭ ‬من‭ ‬الواجب‭ ‬أكسبته‭ ‬اعجاب‭ ‬رؤسائه،‭ ‬فلم‭ ‬ينعموا‭ ‬عليه‭ ‬بترقية‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬يثقلوا‭ ‬كاهله‭ ‬بأعباء‭ ‬وظيفية‭ ‬حقيقية‭. ‬والحكاية‭ ‬لا‭ ‬تنتهي‭ ‬هنا،‭ ‬فصاحب‭ ‬الرسالة‭ ‬يقول‭ ‬أنه‭ ‬وبعد‭ ‬بضع‭ ‬سنين‭ ‬من‭ ‬تقاعد‭ ‬صاحبنا‭ ‬الكسول،‭ ‬أتاه‭ ‬ابنه،‭ ‬أي‭ ‬أن‭ ‬ابن‭ ‬الرجل‭ ‬الكسول،‭ ‬أتى‭ ‬إلى‭ ‬قارئ‭ ‬الأهرام‭ ‬ليطلب‭ ‬منه‭ ‬مساعدته‭ ‬للالتحاق‭ ‬بوظيفة‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭.  ‬وبالتحديد‭ ‬في‭ ‬البرنامج‭ ‬الموسيقي‭. ‬ولماذا‭ ‬اخترت‭ ‬يا‭ ‬ابني‭ ‬الإذاعة‭ ‬وهذا‭ ‬البرنامج‭ ‬بالذات‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬المنعطف‭ ‬الحاد‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬أمتنا‭ ‬الباسلة؟‭  ‬إجابة‭ ‬الشاب‭ ‬الباحث‭ ‬عن‭ ‬وظيفة‭ ‬كشفت‭ ‬أنه‭ ‬ورث‭ ‬عن‭ ‬والده‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬المواهب‭. ‬وكما‭ ‬ذكرنا‭ ‬أعلاه‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬والده‭ ‬كسولاً‭ ‬عصامياً‭.‬

برر‭ ‬الشاب‭ ‬رغبته‭ ‬في‭ ‬الالتحاق‭ ‬بالبرنامج‭ ‬الموسيقي‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭ ‬بأن‭ ‬والده‭ ‬أبلغه‭ ‬بأن‭ ‬ذلك‭ ‬البرنامج‭ ‬يقدم‭ ‬فاصلاً‭ ‬موسيقياً‭ ‬متواصلاً‭ ‬من‭ ‬الثانية‭ ‬عشرة‭ ‬من‭ ‬منتصف‭ ‬الليل‭ ‬حتى‭ ‬الثامنة‭ ‬صباحاً،‭ ‬وكل‭ ‬العمل‭ ‬المطلوب‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يأتي‭ ‬شخص‭ ‬ليقول‭ ‬‮«‬والآن‭ ‬نقدم‭ ‬لكم‭ ‬فاصلاً‭ ‬موسيقياً‭ ‬يبقى‭ ‬معكم‭ ‬حتى‭ ‬الصباح‮»‬‭. ‬طيب‭ ‬يا‭ ‬إبني‭ ‬وما‭ ‬هو‭ ‬دورك‭ ‬في‭ ‬كل‭ ‬هذا؟‭  ‬ما‭ ‬هو‭ ‬العمل‭ ‬الذي‭ ‬ستؤديه؟‭ ‬يا‭ ‬عمي‭ ‬ابي‭ ‬قال‭ ‬لي‭ ‬إنني‭ ‬لو‭ ‬التحقت‭ ‬بالبرنامج‭ ‬الموسيقي،‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أطلب‭ ‬العمل‭ ‬في‭ ‬النوبة‭ ‬الليلية‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬يرغب‭ ‬فيها‭ ‬بقية‭ ‬العباد،‭ ‬وبالتالي‭ ‬ما‭ ‬أن‭ ‬يبدأ‭ ‬الفاصل‭ ‬الموسيقي‭ ‬حتى‭ ‬أتمدد‭ ‬على‭ ‬أريكة‭ ‬مريحة‭ ‬وأشبع‭ ‬نوماً،‭ ‬وبالتالي‭ ‬سأتقاضى‭ ‬راتباً‭ ‬نظير‭ ‬النوم‭ ‬في‭ ‬الإذاعة‭!‬

ألا‭ ‬توافقونني‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬الشاب‭ ‬وأباه‭ ‬‮«‬عباقرة‮»‬‭ ‬وواقعيون‭. ‬ما‭ ‬الحاجة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬نتفانى‭ ‬جميعاً‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬طالما‭ ‬أن‭ ‬غيرنا‭ ‬يقومون‭ ‬به‭ ‬على‭ ‬أكمل‭ ‬أو‭ ‬أتعس‭ ‬وجه،‭ ‬وطالما‭ ‬أن‭ ‬الحكومة‭ ‬‭ ‬أي‭ ‬حكومة‭ ‬‭ ‬تعطي‭ ‬جميع‭ ‬الموظفين‭ ‬الرواتب‭ ‬التي‭ ‬قسمها‭ ‬الله‭ ‬لهم؟‭ ‬عزيزي‭ ‬القارئ‭ ‬هل‭ ‬يتوقف‭ ‬العمل‭ ‬عندما‭ ‬تكون‭ ‬مريضاً‭ ‬أو‭ ‬في‭ ‬إجازة؟‭ ‬هل‭ ‬يتعرض‭ ‬العالم‭ ‬إلى‭ ‬الانهيار‭ ‬الاقتصادي‭ ‬خلال‭ ‬العطل‭ ‬الأسبوعية‭ ‬والعامة؟‭  ‬ان‭ ‬العمل‭ ‬المقيد‭ ‬بساعات‭ ‬رسمية‭ ‬هو‭ ‬أسخف‭ ‬ما‭ ‬أنتجه‭ ‬العقل‭ ‬البشري،‭ ‬ولهذا‭ ‬فأنني‭ ‬من‭ ‬أقوى‭ ‬مؤيدي‭ ‬‮«‬الكتاب‭ ‬الأخضر‮»‬‭ ‬للقذافي،‭ ‬وخاصة‭ ‬تلك‭ ‬الفقرة‭ ‬البليغة‭ ‬التي‭ ‬تقول‭ ‬‮«‬شركاء‭ ‬لا‭ ‬أجراء‮»‬‭ ‬لأنها‭ ‬تعطيني‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬صاحب‭ ‬عمل‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬أجير‭ ‬من‭ ‬عبدة‭ ‬‮«‬آخر‭ ‬الشهر‮»‬،‭ ‬وكشريك‭ ‬في‭ ‬العمل‭ ‬يصبح‭ ‬من‭ ‬حقي‭ ‬أن‭ ‬أعمل‭ ‬على‭ ‬كيفي‭ ‬وأن‭ ‬أتغيب‭ ‬بكيفي‭ ‬وأن‭ ‬أتقاسم‭ ‬مع‭ ‬الآخرين‭ ‬نتاج‭ ‬العمل‭ ‬‮«‬على‭ ‬داير‭ ‬المليم‮»‬‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا