جمعني نقاش مع عدد من الأصدقاء العرب حول أسباب المواجهات الدموية التي جرت في سوريا والعراق وليبيا، واعتبر البعض أن الحروب التي شهدتها هذه البلدان هي جزء من مؤامرة كونية حركت ما أطلق عليه «الربيع العربي» وأدت إلى الدمار والخراب الذي شهدته سوريا وليبيا، في حين اعتبر آخرون أن ما جرى في هذه البلدان كان بسبب طبيعة النظم التي شهدتها، وأدت إلى هذه النهايات والأوضاع المأساوية.
والحقيقة أن ضعف الدولة في العراق وغيابها وانقسام مؤسساتها في ليبيا جعل البعض يقول إن الحل في عودة نظام قوي مركزي ولم يتردد من استخدام كلمة دكتاتوري يعيد النظام والأمن في البلاد التي تعاني من أزمات وانقسامات سياسية، وأكد البعض أن العراق بلد لا يمكن حكمه إلا بنظام مثل صدام حسين جديد، وأننا بلاد لا تصلح فيها الديمقراطية إنما فقط تحت قيادة مستبد عادل، على اعتبار أن الوضع في عهد الرئيس صدام كان أكثر أمنا وتقدما ورخاء من الوضع الحالي، وهو جزئيا صحيح، لكنه ينسى أو يتناسى أن نظام صدام حسين هو المسؤول الأساسي عما وصل إليه العراق من أزمات، فقد دخل في حرب 8 سنوات مع إيران وبمجرد انتهائها بأشهر معدودة قرر أن يغزو الكويت ويشطبها من على خريطة العالم ويضمها إلى العراق.
والحقيقة أن «أصل الداء» في مآسي العراق هو صيغة «المستبد العادل» (الذي ليس هناك ضمانة أن يكون عادلا) وغياب الحد الأدنى من النقاش حول قرارات مصيرية، مثل الحروب والغزوات، فالاستبداد هو الذي لم يجعل أحدا قادرا على رفض قرار صدام حسين بغزو واحتلال الكويت، لأنه لا يوجد باحث مبتدئ في مجال العلاقات الدولية إلا سيقول مستحيل ان يتم السماح للعراق باحتلال بلد نفطي ثري في قلب المنظومة العالمية مثل الكويت، حتى لو أعلنت أمريكا على سبيل الخداع عدم اهتمامها بغزو الكويت.
نفس «الحديث العراقي» تكرر في ليبيا؛ فالصراع المسلح بين فرقاء الساحة السياسية وضعف الدولة أو غيابها جعل البعض يقول إن الحل في العودة إلى النظام القديم، وهي مقولة تتناسى أن بقاء القذافي 42 عاما في السلطة أضعف مؤسسات الدولة وأنهى أي فرق بينها وبين النظام السياسي القائم، فتحول الجيش من مؤسسة وطنية إلى كتائب واستهدف بالأفكار الشعبوية (الجماهيرية) مهنية أجهزة الدولة من شرطة وقضاء وجهاز إداري، فكان سقوط نظامه مساويا لسقوط تلقائي لأجهزة الدولة، وأن ما يجري في العراق وليبيا ليس فقط نتاج جرائم الاحتلال الأمريكي في العراق أو تدخل حلف الناتو في ليبيا وإنما أيضا بسبب طبيعة النظام الذي حكم في البلدين.
النقاش حول تجارب التغيير في العالم العربي حديث ذو شجون، وخاصة في ظل تعثر معظم هذه التجارب، ويظل مهما معرفة الأسباب وأخذ العبر والدروس.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك