وفقا لـ«تور وينيسلاند»، منسق الأمم المتحدة الخاص بعملية السلام في الشرق الأوسط؛ جاء عام 2022 كأحد الأعوام «الأكثر دموية» بالنسبة إلى الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وذلك منذ بدأت الأمم المتحدة تسجيل أرقام الضحايا قبل 15 عاما، حيث استُشهد خلاله ما لا يقل عن 225 فلسطينيًا على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين. ومع شجبه، «للشعور باليأس بشأن المستقبل»، فإن صعود حكومة ائتلافية إسرائيلية يمينية متطرفة إلى السلطة في أواخر عام 2022 قد رسم «نظرة قاتمة» لعام 2023.
ومع وجود شخصيات متطرفة في الحكومة الإسرائيلية، مثل «إيتمار بن غفير»، و«بتسلئيل سموتريش»؛ أشارت «يولاند كنيل»، من شبكة «بي بي سي»، إلى «الارتفاع الكبير في أعمال العنف التي ينفذها المستوطنون بحق الفلسطينيين، ولا سيما مداهمة قرى فلسطينية، مثل «حوارة»، و«ترمسعيا». وتشير إحصائيات «الأمم المتحدة» إلى «تنفيذ أكثر من 700 هجوم حتى الآن في عام 2023، أي ما يزيد على 100 هجوم في المتوسط ضد الأشخاص والممتلكات»، ومن ثمّ، لا يزال هذا العام هو الأكثر دموية للفلسطينيين منذ بدء حفظ السجلات الدولية.
وفي حين استخدمت وسائل الإعلام الغربية مصطلحات، مثل «غوغائية»، لوصف الهجمات ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وانتقدت خطط «نتنياهو» لتوسيع المستوطنات غير القانونية، وتهجير السكان من منازلهم؛ فإنه يجب النظر إلى حملة العنف والإكراه ضد الفلسطينيين على أنها «تكتيك أكثر تنسيقًا، ومتعمد لطردهم من أراضيهم»، و«تعزيز سيطرة إسرائيل على الضفة الغربية». وأوضحت منظمة «أطباء بلا حدود» أن حوادث العنف ضد الفلسطينيين بلغت «أعلى مستوياتها على الإطلاق»، وأنه مع فشل الحكومة الإسرائيلية في منع العنف فإن الفلسطينيين هم الآن «أكثر عرضة للتعرض للانتهاكات أكثر من أي وقت مضى».
ونتيجة لهذا، اعترفت «فرانشيسكا ألبانيز»، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية، بهذه الديناميكية، وأخبرت «مجلس حقوق الإنسان» في يونيو 2023 أن «الخطط الإسرائيلية لنزع الطابع الفلسطيني عن الضفة الغربية تهدد وجود الفلسطينيين ذاته كمجموعة وطنية متماسكة». وعلى الرغم من تأكيدها ضرورة أن «يعترف المجتمع الدولي بعدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي»؛ فإن الحكومات الغربية ترفض اتخاذ إجراءات، أو تحميل إسرائيل المسؤولية عن انتهاكاتها في الأراضي المحتلة.
ووفقًا لموقع «ريليف ويب»، ارتفع عدد الشهداء الفلسطينيين في الضفة الغربية خلال 2022 بنسبة 82% عن العام السابق، وبنسبة 491% عن مستويات عام 2020. كما استشهد 204 فلسطينيين على يد قوات الاحتلال؛ منهم 142 في الضفة الغربية، و37 في غزة، و20 في القدس، وكان ما لا يقل عن 125 (61.2%)، مدنيين، فضلًا عن 41 طفلا. وأضافت منظمة «هيومن رايتس ووتش» أنه بحلول نهاية العام كان المستوطنون قد هدموا أكثر من 850 منزلاً فلسطينيا؛ ما أدى إلى تهجير ما يقرب من 1000 شخص، كما ظل أكثر من 860 فلسطينيا معتقلين إداريا، «دون تهمة أو محاكمة»، وهو ما يمثل النسبة الأعلى منذ عقدين من الزمن.
وبالنسبة إلى الفلسطينيين، فإن التصعيد المتزايد للعنف من قبل الحكومة الإسرائيلية قد جعل عام 2023 يتجاوز بالفعل أرقام العنف عام 2022. وأوضحت «وزارة الصحة الفلسطينية» أنه في أعقاب الهجوم الذي شنه جيش الاحتلال الإسرائيلي على مدينة «جنين»، أوائل يوليو 2023، فقد تجاوز عدد الشهداء نظيره في العام السابق. وأفاد موقع «ميدل إيست مونيتور» بأنه اعتبارًا من أوائل أغسطس 2023 استشهد ما لا يقل عن 174 فلسطينيًا في الأراضي المحتلة، بينما أقر «وينسلاند» باستشهاد أكثر من 200 فلسطيني هذا العام.
علاوة على ذلك، ارتفعت وفيات الأطفال الفلسطينيين في عام 2023. وأشارت «الأمم المتحدة» إلى أن عام 2022 كان «الأكثر دموية بالنسبة إلى الأطفال الفلسطينيين منذ 15 عامًا»؛ لكن عام 2023 يمضي «في مسار سيجعله يتجاوز هذه المستويات». وتُظهر نتائج «هيومن رايتس ووتش» أنه حتى أواخر أغسطس 2023 استشهد ما لا يقل عن 34 طفلاً فلسطينيا على يد القوات الإسرائيلية.
وعلى الرغم من أنه من المفترض أن يتمتع الفلسطينيون في الأراضي المحتلة بالحماية من الانتهاكات، بموجب شروط اتفاقية «جنيف»، و«مدونة قواعد سلوك الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون»، الصادرة عن الأمم المتحدة، التي تنص على أنه «ينبغي بذل كل جهد لاستبعاد استخدام الأسلحة النارية، وخاصة ضد الأطفال»؛ فإن التجاهل لهذه الشروط الدولية من قبل إسرائيل «موثق» جيدًا.
واتهم «بيل فان إسفلد»، من «هيومن رايتس ووتش»، قوات الاحتلال الإسرائيلي «بإطلاق النار على أطفال فلسطينيين بوتيرة متزايدة»، معربا عن أسفه لأنه «ما لم يضغط حلفاء إسرائيل، وخاصة الولايات المتحدة، عليها لتغيير المسار سيستشهد المزيد من الأطفال». وبالإشارة إلى أنه بين عامي 2017 و2021 تم توجيه اتهامات ضد المتورطين بنسبة 1% فقط في الشكاوى المتعلقة بالانتهاكات التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية إزاء الفلسطينيين»؛ فقد أوضحت «المنظمة» أن الجيش الإسرائيلي «يقتل أطفالاً فلسطينيين دون أي مساءلة فعلية»، وفي كافة انتهاكاته داخل الأراضي المحتلة، يبقى هذا نمطا شائعا».
وبالإضافة إلى ارتفاع عدد الوفيات بين المدنيين، تم أيضًا تسجيل ارتفاع في عنف المستوطنين. وأشار «أندريا دي دومينيكو»، من «مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية» (أوتشا)، إلى أن أكثر من 700 هجوم شنها المستوطنون، أدت إلى مقتل فلسطينيين، أو إتلاف أو تدمير ممتلكاتهم، وهي أعلى أرقام مسجلة من قبل المنظمة منذ أن شرعت في القيام بذلك عام 2006، موضحا أنه في عام 2021 تم تسجيل «حادثة» عنف واحدة من قبل مستوطنين في المتوسط يوميًا، وفي 2022 كانت اثنتين، أما في 2023 فقد بلغ متوسطها ثلاثا يوميا». وفي عام 2017 «تم تسجيل 65 ضحية، و115 حالة تدمير للممتلكات؛ ليرتفع هذا العدد إلى 150 ضحية، و390 حالة تدمير للممتلكات في عام 2021، و231 ضحية و625 ضررًا للممتلكات في عام 2022، و166 ضحية و427 حالة ضرر للممتلكات في النصف الأول من عام 2023 وحده»؛ ولذلك من المتوقع أن يكون هذا العام هو الأكثر دموية وضررًا للفلسطينيين.
من جانبه، شدد «ينس لايركه»، المتحدث باسم الـ(أوتشا)، على أنه «تم توثيق نزوح ما لا يقل عن 399 شخصًا من البدو الفلسطينيين؛ بسبب عنف المستوطنين في عامي 2022 و2023»، مشيرا إلى إجبار 132 شخصًا –68 منهم أطفال– على الخروج من قرية «عين سامية»، وإخراج 99 شخصًا -62 منهم أطفال– من تجمع «رأس التين» الرعوي، في حين تم ترحيل أهالي المجتمعات الرعوية الفلسطينية في كل من «البقعة»، و«الودادية»، و«خربة بير العِد بالكامل».
وبالتوازي مع العنف ضد الفلسطينيين، توسعت حكومة «نتنياهو» في بناء المستوطنات في انتهاك متعمد للقانون الدولي، عبر الضم الرسمي للأراضي الفلسطينية تحت سيطرتها المباشرة. وارتفع عدد الإسرائيليين الذين يعيشون في هذه المستوطنات غير القانونية في الضفة الغربية من 183000 في عام 1999، إلى أكثر من 465000 في 2023، فضلاً عن وجود 220000 آخرين يعيشون على الأراضي التي تم الاستيلاء عليها في القدس الشرقية.
بدورها، ذكرت حركة «السلام الآن» الإسرائيلية أن عام 2023 سجل «رقمًا قياسيًا» في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، حيث وافقت الحكومة على بناء ما يقرب من 13000 وحدة سكنية جديدة، بالإضافة إلى إضفاء الشرعية على 22 بؤرة استيطانية غير شرعية من أجل تحويلها إلى مستوطنات. وأشارت «كنيل» إلى «سعى المستوطنين إلى الاستفادة من الواقع السياسي الجديد»، عبر «ضخ استثمارات ضخمة في المستوطنات غير القانونية»، من أجل «تغيير معالم المشهد الجغرافي على الأرض».
من ناحية أخرى، تسارعت وتيرة التهجير القسري للفلسطينيين. وأوضح «دي دومينيكو» «تزايد الضغوط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم»، وخاصة أولئك الموجودين في المنطقة (ج)، التي تسيطر عليها إسرائيل أمنيًا في الضفة الغربية، ولا سيما مع «إخلاء وترحيل وتشريد ثلاثة مجتمعات فلسطينية بالكامل» في الأشهر الأخيرة. وأضاف «لايركه» أن العديد من التجمعات السكانية في الضفة الغربية «معرضة لخطر الترحيل والتهجير القسري»؛ بسبب «البيئة القسرية» لعمليات الهدم، والعنف والتدمير المتعمد.
وعلى الرغم من تصاعد الانتهاكات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين خلال العام الماضي فقد أحجمت الحكومات الغربية عن التحرك لحماية مبادئ حقوق الإنسان، التي لطالما تشدقت بها. ورغم أن «إيزيس جارود دارنو»، المنسقة السياسية لدى «الأمم المتحدة»، قد أدانت «استعمار إسرائيل للأراضي الفلسطينية» أمام مجلس الأمن، فإن الممثلين الرئيسيين الآخرين -وبالتحديد الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة– أحجموا عن مثل هذه الإدانات.
وحتى عندما أصدرت «واشنطن» توبيخًا للانتهاكات الإسرائيلية؛ فقد غابت «الإجراءات الضرورية» للاستفادة من نفوذها لعدم تكرارها مرة أخرى. وردًا على هجوم للمستوطنين استُشهد فيه شاب فلسطيني في أغسطس؛ نددت «الخارجية الأمريكية» بالحادث باعتباره «هجومًا إرهابيًا»، غير أن إسرائيل سرعان ما تجاهلت مثل هذه الانتقادات، التي خلت من أي «تحذيرات قوية». فيما رفضت «إدارة بايدن» مطالب بعض أعضاء الكونجرس بمراجعة مساعداتها السنوية لإسرائيل البالغة 3.8 مليارات دولار، على أساس أنها لا تعمل على تحسين سجلها الحقوقي، وإنهاء عملياتها لطرد وتشريد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وعلى مستوى «الأمم المتحدة»، يبدو الإخفاق في محاسبة إسرائيل على انتهاكاتها «أمرا واضحا». وفي يونيو 2023 تم شطبها من قائمة الأمم المتحدة للدول المتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة ضد حقوق الأطفال، وهي القائمة التي أطلقت عليها «جو بيكر» من «هيومن رايتس ووتش» «قائمة العار»، في حين تم إضافة روسيا إليها بسبب حربها في أوكرانيا. وبناء عليه رأت «بيكر» أن إحجام «المنظمة» عن إدراج إسرائيل على الرغم من حجم الانتهاكات ضد الأطفال الفلسطينيين يرسل «رسالة خاطئة» إلى المدافعين عن حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم.
على العموم، مع استمرار الإحجام عن التحرك الدولي لحماية حقوق الفلسطينيين فإن التوقعات المتعلقة بالحفاظ على أرواحهم تبدو «قاتمة». وأمام «مجلس الأمن» في يونيو 2023، شبهت «ألبانيز» الأراضي الفلسطينية المحتلة بـ«سجن في الهواء الطلق»، حيث «تتعرض الأسر للحرمان من الحرية»، ويتم «حصار المدنيين في مناطق خاضعة لرقابة صارمة، مع قمع أي شكل من أشكال المقاومة، ومصادرة الأراضي ونزع الملكية». ويظهر هذا الواقع واضحًا في إحصاءات الضحايا المدنيين في عام 2023 حتى تاريخه، التي ستتجاوز بالتأكيد إحصاءات عام 2022. وبالنسبة إلى الأطفال على وجه الخصوص، خلص «فان إسفلد» إلى أنهم «يعيشون في واقع فصل عنصري، وعنف هيكلي»، حيث «يمكن أن يُقتلوا بالرصاص في أي وقت دون أي احتمال جدي للمساءلة».
وبينما تعالت المطالب الدولية بمحاسبة إسرائيل على انتهاكاتها الموثقة ضد المدنيين الفلسطينيين؛ فإن الاستنتاج الذي يجب استخلاصه هو أن الحكومات الغربية غير راغبة في محاسبتها، حيث تتبنى «معايير مزدوجة»، بين «محنة الأوكرانيين» الذين يقاومون محاولات الضم الروسية، و«محنة الفلسطينيين» الذين لم يُعرض عليهم أي خيار لمواجهة مستوطنين مسلحين عازمين على تدمير ممتلكاتهم، وطردهم قسرًا من أراضيهم.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك