شكلت أزمة دولة النيجر بعد الانقلاب على الرئيس محمد بازوم حدثا جديدا ضمن سلسلة «الثورات العسكرية» ضد الهيمنة الفرنسية على بلدان الساحل الافريقي، وخصوصا أن الانقلاب العسكري في النيجر قد جاء بعد الانقلاب العسكري في مالي والانقلاب العسكري في بوركينا فاسو مما يؤشر إلى نهاية الهيمنة الفرنسية والاستغلال الفرنسي لثروات هذه البلدان، والتي استمرت أكثر من قرن من الزمان، وهو استغلال بدأت الأجيال الجديدة من أبناء شعوب هذه البلدان لا تقبله ولا تستصيغه بأي شكل من الأشكال، والدليل على ذلك ثلاثة أمور واضحة لا لبس فيها تأكدت خلال الأسبوع الماضي وهي:
أ - صمود العسكر في النيجر وعدم تراجعهم عن التحول السياسي الذي أنجزوه بالرغم من التهديدات الفرنسية المباشرة وتهديد مجموعة دول الايكواس التي تقودها نيجيريا وتتحكم في قراراتها وتوجهاتها فرنسا التي تحرض بشكل مباشر وعلني على شنّ الحرب على النيجر، بل وتدعو إلى غزو النيجر اليوم قبل الغد، إلا أن القيادة العسكرية الجديدة وجدت صدى إيجابيا لدى القيادة في مالي وفي بوركينا فاسو خاصة، حيث أعلنت الدولتان استعدادهما للوقوف عسكريا مع النيجر إذا ما تعرضت لأي هجوم عسكري خارجي، وهذا بحد ذاته مؤشر مقلق للسياسة الفرنسية الفاشلة في هذه المنطقة.
2 – تردد مجموعة الايكواس إزاء ما حدث في النيجر، وهو التردد بين الحل السياسي والحل العسكري، وذلك لأن شعوب هذه الدول وبرلماناتها تعارض بشكل كامل الغزو العسكري للنيجر، كما أن أي غزو حتى وإن كان مدعوما من القوات الفرنسية فإنه لن ينجح إلا في إثارة الفتن ونشر الفوضى في هذه المنطقة الغارقة أصلا في الصراعات والفتن والجماعات الإرهابية التي تسكن معظم مناطق هذه البلدان، هذا إضافة إلى أن مجموعة الايكواس ليس لديها الموارد البشرية والمالية والأسلحة الكافية للتدخل العسكري لضمان النجاح السريع وخاصة أن أراضي النيجر مترامية الأطراف تزيد مساحتها على مليون ومائتي ألف كليومتر مربع مما يوحي بأن هذه المجموعة غير مستعدة وليس لها القدرة لترجمة تهديداتها على أرض الواقع، كما أن وقوف كل من مالي وبوركينافاسو مع النظام العسكري الجديد في النيجر سيجعل الغزو صعبا، بل قد يكون ثمنه باهظا وقد يفضي في النهاية إلى تمزيق هذا البلد على الطريقة الليبية، بحيث يتم تقسيم هذا البلد الكبير بين شمال وجنوب وشرق وغرب وخاصة مع وجود الأسباب الكافية للتقسيم عرقيا وقوميا ومناطقيا ودينيا.
3 – أظهر هذا الانقلاب أنه ليس مجرد انقلاب عسكري كالانقلابات السابقة معزول عن الناس ومكروه من الناس، حيث تبين أن الأغلبية الساحقة من أبناء النيجر هي مع التوجهات التحريرية للتخلص من الهيمنة الفرنسية بعد الاستغلال الفرنسي الممنهج لثروات هذا البلد، وخاصة ثروة اليورانيوم. يشهد بذلك عشرات المظاهرات اليومية التي تعبر عن مساندتها للتوجهات الجديدة وللحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها لإدارة شؤون البلاد. وهذه المظاهرات تعزز قوة العسكريين وتجعل أي محاولة لغزو النيجر ضد شعب النيجر نفسه الذي يصرخ يوميا في مظاهرات مطالبة بطرد القوات الفرنسية الموجودة حاليا في القاعدة الفرنسية، بل والترحيب الكامل بقرار الحكومة النيجرية طرد السفير الفرنسي الذي رفض المغادرة مخالفا القوانين والأنظمة والبروتوكولات الدولية المعروفة بهذا الخصوص، مما يعني أن فرنسا مصرة على المواجهة العسكرية حتى وإن أدى ذلك إلى إشعال الحرب في هذه المنطقة وزعزعة أمن واستقرار دولها.
إن هذا الانقلاب يعدّ حلقة من سلسلة الانقلابات ضد الهيمنة الفرنسية ذلك أن جيلا جديدا من العسكريين السياسيين في هذه المنطقة لم يعد مستعدا لتكرار ما فعلته الأجيال السابقة من التبعية لفرنسا أو القبول بالاستغلال الممنهج لثروات هذه البلدان، ولذلك على فرنسا أن تراجع سياستها وأن تتوقف عن النزعة الاستعمارية التي تقوم على الاستخفاف بالدول الإفريقية والاستهانة بإمكانياتها وبإرادة شعوبها.. فأمام فرنسا فرصة جديدة لإعادة صياغة هذه العلاقات على أسس التعاون والتضامن والاحترام المتبادل إن أرادت أن تكون مقبولة في هذه البلدان.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك