تشكلت مجموعة الدول الصناعية السبع في منتصف سبعينيات القرن الماضي، وجاء ذلك بناء على دعوة من الرئيس الفرنسي والمستشار الألماني في ذلك الوقت لمناقشة الأزمة المالية الناتجة عن ارتفاع أسعار البترول التي تسبب بها الوقف الجزئي لتصدير النفط أثناء حرب أكتوبر عام 1973، ولفقدان المؤسسات المالية الدولية التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية قدرتها على تحديد سعر ثابت لتبادل العملات، وللاتفاق على آليات للتعامل مع هاتين المعضلتين.
الاجتماع الذي عقد في فرنسا عام 1975 وجمع الولايات المتحدة، وألمانيا، وفرنسا، وبريطانيا، وإيطاليا، واليابان، انضمت إليه كندا عام 1976، وتحول إلى اجتماع سنوي يعرف باجتماع مجموعة الدول السبع.
لكن هذه المجموعة التي كان همها الأساس حماية اقتصاداتها من ارتفاع أسعار البترول وتقلب أسعار الدولار تحولت في ثمانينيات القرن الماضي إلى تكتل أمني وسياسي، وليس في هذا غرابة؛ إذ إن جميع هذه الدول أعضاء في حلف الناتو (ما عدا اليابان) وأنظمتها السياسية متشابهة، ولهذا عملت معاً على إفشال الغزو السوفيتي لأفغانستان وعلى تصعيد سباق التسلح العالمي الذي أدى في النهاية إلى انهيار الاتحاد السوفيتي وتمزقه إلى خمس عشرة دولة.
في المقابل تشكلت مجموعة دول «بريكس» عام 2009 في اجتماع دعت إليه روسيا وانضمت إليه الصين والهند والبرازيل؛ لمناقشة آليات مواجهة الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي ولتنسيق جهودها للعب دور أكبر في المسرح السياسي العالمي. المجموعة انضمت إليها دولة جنوب إفريقيا عام 2010، وأصبحت تعرف بعدها بدول مجموعة «بريكس»، الاسم بريكس مأخوذ من الحرف الأول لكل دولة وهو في الأصل من اختراع الاقتصادي الإنجليزي جيم أونيل، الذي لاحظ عام 2001 أن الاقتصاد الصيني والهندي والروسي والبرازيلي ينمو بشكل متسارع وسيصبح منافسا لاقتصاد الدول الغربية، مُطلقا على هذه الدول اسم مجموعة «بريكس».
على عكس مجموعة الدول السبع المنسجمة سياسياً مع بعضها بحكم تشابه أنظمتها السياسية، دول «بريكس» متباينة سياسيا واقتصاديا، لكن ما يجمعها هو رغبتها في كسر الاحتكار الغربي للنظام الاقتصادي العالمي الذي يحكمه الآن التبادل التجاري بالدولار ونظام سويفت للحوالات المالية والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي للإقراض المالي.
هذه الدول تشعر بغبن شديد مثلاً في طريقة تمثيلها في البنك الدولي.
الولايات المتحدة مثلا لها 16.41 صوتاً في مجلس إدارة البنك، بينما الصين لها 2.79 صوت، وبينما فرنسا لها 4.31 أصوات، روسيا والسعودية لدى كل منهما نفس وزن الصين في التصويت، وهذا بالطبع يجعل كل القرارات التي تخرج عن هذه المؤسسة في خدمة المصالح الغربية بشكل مباشر، والحال هو نفسه في صندوق النقد الدولي.
إن نظرة سريعة على اقتصادات دول الـ«بريكس» تظهر لنا أن لهذه الدول فرصة كبيرة لتغيير النظام الاقتصادي العالمي إذا ما تمكنت من التغلب على التباينات فيما بينها.
في عام 1995 كانت حصة مجموعة الدول السبع من الإنتاج العالمي (مقاسا بقيمته كقوة شرائية) 44.9%، بينما كانت حصة دول بريكس 16.9%، اليوم أصبحت حصة دول بريكس 32.1% بينما انخفضت حصة مجموعة السبع إلى 29.9%، وهذا الفارق سيتعاظم بحلول عام 2028 بست نقاط تقريباً وفقاً لحسابات صندوق النقد الدولي. اليوم خطت دول بريكس خطوة مهمة في طريق سعيها لكسر الهيمنة الغربية على الاقتصاد العالمي من خلال موافقتها على توسيع عضويتها لتشمل ست دول أخرى هي السعودية والإمارات ومصر وإيران وإثيوبيا والأرجنتين.
لاحظوا أن أربع دول من دول بريكس الآن (روسيا والسعودية والإمارات وإيران) تمتلك نصيب الأسد من إنتاج الطاقة العالمي.
بهذه الخطوة عززت دول بريكس أهميتها الاقتصادية على الصعيد العالمي.
لكن حتى يتم ترجمة ذلك عملياً سيكون عليها خلق مؤسسات مالية موازية لتلك الموجودة حاليا التي يهمين الغرب عليها بشكل مباشر، ونقصد بذلك نظام تحويلات مالية موازيا لنظام سويفت يسمح بالتبادل بالعملات المحلية بدلاً من الدولار (أو إيجاد عملة موحدة بين دول بريكس مثل اليورو في الاتحاد الأوروبي).
الخبر الجيد أن دول بريكس لديها صندوق مالي للإقراض تحت اسم بنك التنمية الجديد برأسمال يفوق المائة بليون دولار ومقره الصين، وبالتأكيد فإن رأسمال هذا البنك سيرتفع مع دخول السعودية والإمارات إلى المجموعة.
لكن التعامل بالعملات المحلية في التجارة وخلق نظام للحوالات المالية كبديل عن نظام سويفت يحتاج إلى مفاوضات معقدة بين دول المجموعة، وهذا سيستغرق وقتاً طويلاً.
كما أن تحويل قوة هذه الدول الاقتصادية إلى قوة سياسية يحتاج إلى تفاهم أكبر فيما بينها. صحيح أن جميع هذه الدول لم تنضم إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا مثلا، إلا أن العديد منها لا يريد أن يتصادم مع الولايات المتحدة. أهم الشركاء التجاريين للصين مثلاً هم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وليس روسيا أو الهند.
كذلك لا يمكن توحيد الرؤى السياسية بين بلدان مجموعة بريكس إلا إذا تم التغلب على الخلافات السياسية الموجودة بين بعض دولها. السنة الماضية فقط كان هنالك اشتباك عسكري بين الصين والهند في منطقة جبال الهيمالايا.
قيام مجموعة بريكس بتوسيع عضويتها إذن هو خطوة مهمة في طريق إنشاء عالم متعدد الأقطاب، لكن الطريق لا يزال طويلا أمام تجسيد ذلك على أرض الواقع.
{ كاتب من فلسطين.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك