منذ إنشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في 1981 تم تحقيق العديد من الإنجازات لتحفيز التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري بين دول المجلس، وبلغت هذه الجهود ذروتها عند إنشاء منطقة تجارة حرة، التي دخلت حيز التنفيذ رسميا في عام 1983. شهدت المنطقة فترة متواصلة من التجارة الحرة على مدى عشرين عاما، تحقق من خلالها نمو كبير في معدل التجارة والاستثمار وزيادة الأمن الاقتصادي على مستوى الخليج. ومع كل هذه الانجازات التي تحققت، إلا أن هناك العديد من التحديات التي تفرضها العوامل الاقتصادية والاجتماعية والمناخية على دول المجلس؛ أهمها تحديات الإنتاج والأمن الغذائي، وخصوصاً أن بعض دول الخليج العربي تسعى إلى زيادة الاكتفاء الذاتي وإنتاجها المحلي من الغذاء بحوالي 30 بالمائة على الأقل حتى عام 2030.
وفي 2 أبريل 2020م، اقترحت الكويت إنشاء شبكة إقليمية للأمن الغذائي للدول الست الأعضاء في مجلس التعاون لضمان إمدادات غذائية كافية يمكن الوصول إليها لمواجهة النقص الأساسي في الغذاء في أوقات الأزمات. إلا أن المبادرة لم تتحقق على النحو المرجو وليست هناك أي تحديثات بشأن تقدم وتنفيذ المقترح.
وعلى الرغم من تميز دول مجلس التعاون بالإدارة الفعالة لملف الأمن الغذائي فإن التحديات التي تواجهها كاعتمادها على الواردات من الأغذية بنسبة تصل إلى 85 بالمائة ومحدودية الأراضي والموارد الزراعية لإنتاج أهم محاصيل الأمن الغذائي كالأرز والقمح والشعير والذرة والمحاصيل الزيتية والأعلاف لدعم الإنتاج الحيواني، لا تزال من أهم التحديات التي تواجهها حتى اليوم.
ولكي تصل دول الخليج العربي إلى أهداف زيادة الإنتاج المحلي من الأغذية، لا بد لها من تبني النظم التكنولوجية الحديثة لزيادة مساحة الأراضي الزراعية لديها. وأحد أهم الابتكارات التي ظهرت ومكنت العديد من الدول في زيادة الأراضي الزراعية لديها هي تقنية الاستزراع الصحراوي. وتتيح هذه التقنية زراعة مجموعة مختلفة من المحاصيل بدون أسمدة كيميائية، مع تقليل الاحتياجات من المياه بنسبة 80 في المائة تقريبا.
ومن هذا المنطلق، لم تكن دول الخليج بعيدة عن استخدام مثل هذه التقنيات؛ حيث قامت جامعة الخليج العربي التي تمثل نواة للوحدة الخليجية في إبراز دور الاستزراع الصحراوي وتقنيات الزراعة بدون تربة من خلال ورش العمل التدريبية والبحوث والدراسات العليا التي يتم تطبيقها ضمن استراتيجية الجامعة الداعمة لسياسات الدول الأعضاء لدعم الأمن الغذائي وإدارة مصادر المياه.
ويعد إنشاء كرسي السلطان قابوس للاستزراع الصحراوي وتقنيات الزراعة بدون تربة في 1994 إحدى المنصات الأكاديمية والبحثية المهمة لتنمية وتدريب الكوادر الخليجية بالتكامل مع برامج الجامعة في الموارد الطبيعية والبيئة وإدارة الموارد المائية وإدارة الابتكار.
ويقوم الباحثون في الجامعة بتجربة زراعة العديد من المحاصيل في مركز السلطان قابوس للاستزراع الصحراوي والزراعة بدون تربة بالتعاون مع المركز الدولي للزراعة الملحية بدولة الإمارات العربية المتحدة والمشاريع الأخرى. كما نجحت دولة الامارات في استزراع القمح في إمارة الشارقة من خلال الجهود الرامية إلى تلبية احتياجاتها الغذائية. فتمت زراعة صحراء تبلغ مساحتها 400 هكتار في منطقة مالحة في عام 2022م باستخدام المياه المحلاة للري وتسعى لزيادة الأراضي المستزرعة إلى 880 هكتارا حتى عام 2024م و1400 هكتار حتى عام 2025. والمتوقع أن تبلغ مساهمة المزرعة حوالي 1600 طن سنويا من القمح. وتقوم المملكة العربية السعودية بجملة من المبادرات والاستثمارات التي تسعى من خلالها إلى استزراع مساحة كبيرة من الأراضي الصحراوية خلال السنوات القادمة.
تعد مشاريع الاستزراع الصحراوي من المشاريع الواعدة لزراعة أنواع عديدة من المنتجات الزراعية في منطقة الخليج العربي. وتعتمد هذه الممارسة على تطوير الزراعة في المناطق الصحراوية وعلى الري وإمدادات المياه في المناطق القاحلة حيث تندر المياه. وأدى اكتشاف «الري بالتنقيط» إلى توسع كبير في الزراعة في المناطق الصحراوية والذي يعتبر تقنية ري فعالة تستخدم في العديد من المناطق، وأظهرت الدراسات باستمرار انخفاضا كبيرا في استخدام المياه مع الري بالتنقيط حيث أظهرت انخفاضا بنسبة 80% في استخدام المياه وزيادة بنسبة 100% في إنتاج المحاصيل.
من المتوقع أن يزيد معدل الإنتاج المحلي من الأغذية لدول الخليج العربي أكثر بكثير عند استخدام النظم الحديثة لتقنيات الاستزراع الصحراوي. ومن هنا، فإن دعم مشاريع الاستزراع الصحراوي وإنشاء المشاريع التجريبية في الجامعات والمراكز البحثية سيسهم في جمع البيانات بشكل أفضل وزيادة مساهمة الكوادر الجامعية والبحثية في النشاطات المتعلقة بتطوير تقنيات الاستزراع الصحراوي.
كما أن نجاح مثل تلك المشاريع التجريبية سيسهم بشكل فعلي في زيادة الاستثمارات فيها، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الإنتاج والأمن الغذائي بشكل مستدام في منطقة الخليج العربي.
{ مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك