انعقدت بعاصمة جنوب إفريقيا «جوهانسبرج»، في الفترة (22-24) أغسطس؛ قمة «بريكس» 2023، في دورتها الخامسة عشرة. ووصفتها شبكة «سي إن بي سي» بأنها «تحالف اقتصادي للأسواق الناشئة»، يضم حاليا كلا من «البرازيل، وروسيا، والهند، والصين، وجنوب إفريقيا». وخلال السنوات الأخيرة، برزت المجموعة باعتبارها «منافسا اقتصاديا، وجيوسياسيا»، رئيسيا لهيمنة الغرب، وخاصة «الولايات المتحدة»، على الشأن العالمي.
وفي اجتماعها الأخير، ذكرت «ألكسندرا شارب»، في مجلة «فورين بوليسي»، أن «قضيتين رئيسيتين» هيمنتا على المباحثات، هما «توسع المجموعة، والنمو الاقتصادي». وفي الحالة الأخيرة، جرت المناقشات حول تعزيز نطاق «بنك التنمية الجديد»، ومقره «شنغهاي» –المعروف باسم «بنك البريكس»– مع الحرص على الحد من هيمنة الدولار الأمريكي على الأسواق الدولية. في الوقت نفسه، تمت الموافقة على توسيع العضوية لتشمل ست دول أخرى، هي «السعودية، والإمارات، ومصر، والأرجنتين، وإثيوبيا، وإيران»، مع تلقي هذه الدول دعوات رسمية للانضمام.
وفي واقع الأمر، لا يتوقف هذا التطور فقط على جلب المزيد من الدول غير الغربية إلى الكتلة الاقتصادية التي تتحدى قبضة الغرب على الشؤون الاقتصادية العالمية؛ لكن من شأن الدور الجيوسياسي المتزايد للمجموعة التأثير على علاقات دول الشرق الأوسط، التي تُبقي على اتفاقيات تعاون أمني مع الولايات المتحدة ودول أوروبية أخرى.
من جانبه، وصف «سيريل رامافوزا»، رئيس جنوب إفريقيا، المجموعة بأنها «شراكة متساوية بين بلدان تتبنى وجهات نظر متباينة، لكن مع رؤية مشتركة لعالم أفضل». وأوضح «سارانج شيدور»، من «معهد كوينسي لفن الحكم المسؤول»، أن التأثير الأخير للبريكس -التي تم تشكيلها عام 2010– يكمن في كيفية تزايد «الإخفاقات المتعددة للنظام العالمي بقيادة الولايات المتحدة في دعم جدي لاثنين من أبرز متطلبات دول الجنوب العالمي؛ هما «التنمية الاقتصادية، وحماية السيادة»؛ وهو ما «أوجد الحاجة إلى هياكل بديلة لإعادة ترتيب المشهد العالمي».
وفي عام 2023، يمثل هذا التجمع حوالي 42% من سكان العالم، و26% من القيمة الإجمالية للاقتصاد العالمي. ورغم أن هذه القوة الاقتصادية ربما لا تزال متراجعة عن تلك التي وصفها «صندوق النقد الدولي» بـ«الاقتصادات المتقدمة»، في أمريكا الشمالية، وأوروبا، وشرق آسيا؛ فإن «البريكس» تختلف من حيث امتلاكها نطاقًا كبيرًا للتوسع، مع حرص العديد من البلدان خارجها على الانضمام إليها. وأوضحت شبكة «سي ان بي سي» أن إجمالي 23 دولة في آسيا، وإفريقيا، وأمريكا اللاتينية، تقدمت بطلبات رسمية للانضمام إلى المجموعة. وعندما نأخذ في الاعتبار أيضًا أولئك الذين طلبوا بشكل خاص القيام بذلك، فإن عدد الدول المهتمة يزيد على 40.
وبالنسبة إلى قادة «البريكس» -الصين، والهند، وروسيا– أشارت «شارب» إلى أملهم «أن يؤدي توسيع التكتل إلى توفير ثقل موازن للهيمنة الاقتصادية والجيوسياسية الغربية»، وهو الأمر الذي «يكتسب أهمية بالنسبة إلى موسكو وبكين تحديدا». ولعل إحدى الوسائل للقيام بذلك هي الجهود المبذولة لتقليل اعتماد اقتصادهم على الدولار الأمريكي؛ الذي يمثل حاليا ما يقرب من 60% من جميع الاحتياطيات الأجنبية في البنوك المركزية بالعالم، و90% من المعاملات في أسواق الصرف الأجنبي.
وبناء عليه، تمت الإشارة في الأشهر الأخيرة إلى احتمالية إطلاق عملة جديدة للمجموعة، التي رأى «جوزيف سوليفان»، المستشار الاقتصادي السابق للبيت الأبيض، أنها ستمد هذه الدول بالسبل اللازمة «لتحقيق مستوى من الاكتفاء الذاتي في التجارة الدولية»، بمنأى عن النفوذ الغربي، «الذي استعصى على التكتلات النقدية الأخرى في العالم»، ومن ثم، من شأنها أن تعجل «بالتآكل البطيء» لهيمنة الدولار الأمريكي على الشؤون الاقتصادية العالمية.
من ناحية أخرى، فإن الرغبة في تحدي نفوذ الغرب في السيطرة على التمويل العالمي، والمشهد الجيوسياسي، تتقاسمه أيضًا العديد من دول عدم الانحياز خارج صفوف البريكس، بما في ذلك دول بالشرق الأوسط. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى رغبة العديد من الدول في «التحوط بين الصين والولايات المتحدة في مواجهة حالة الاستقطاب الجيوسياسي»، ومن ثمّ، تحقيق مكاسب من كلا القوتين، دون مخاطرة التورط مع أي منهما، مثلما سعت دول مثل السعودية والإمارات إلى توسيع نطاق قوتهما الناعمة، ومبادرتهما للمشاركة في الشؤون العالمية.
وتأكيدًا لهذا التحليل، أشار «جون هوفمان»، من «معهد كاتو»، إلى اعتراف «الرياض»، و«أبوظبي»، بـ«النظام العالمي متعدد الأقطاب»، باعتباره «حقيقة واقعة»، مع «وضع سياساتهما الخاصة لتحقيق مصالحهما على المديين القصير والطويل». وعلى سبيل المثال، في حين ظلت «الأولى» أكبر مزود لصادرات النفط إلى «بكين»، وتعاونت معها لإعادة تأسيس العلاقات الدبلوماسية مع إيران؛ فإن الحفاظ على العلاقات الأمنية الأمريكية السعودية الحالية يُنظر إليه على أنه «ضرورة».
علاوة على ذلك، فإن الدعوات الموجهة من قبل قادة «البريكس» للعديد من الدول للانضمام إليها تحمل أهمية وتداعيات على علاقاتها مع القوى الغربية وغير الغربية على حد سواء. وأوضح «جاك داتون»، من موقع «المونيتور»، أنه في حين أبدت «الصين»، و«روسيا»، و«جنوب إفريقيا»، تحمسا لتوسيع العضوية، فقد شككت «البرازيل»، في العضويات الجديدة، فيما ظهر رئيس وزراء الهند، «ناريندرا مودي»، «مترددا». وعلقت «شارب»، بأن «برازيليا»، و«نيودلهي»، تخشيان من أن يقود توسيع العضوية «إلى إضعاف نفوذ الكتلة على مستوى العالم».
وفيما يتعلق بأهمية التوسع، أشار «جوستافو كارفاليو»، من «معهد جنوب إفريقيا للشؤون الدولية»، إلى أنه في حين «لا يزال من غير المؤكد ما سيحدث لديناميات المجموعة، مع إضافة ستة أعضاء جدد؛ فإن التوسع يوفر مساحة جديدة للتجارة داخل الجنوب العالمي»، مشيرا إلى أن البيان الصادر عن القمة الأخيرة يعكس الصوت الجماعي، بشأن الحاجة إلى تغيير المؤسسات الدولية، وخاصة المالية، مثل البنك، والصندوق الدوليين، ومنظمة التجارة العالمية.
وبالنسبة إلى السعودية، أشارت «فيفيان يي»، و«ناتالي ألكوبا»، و«فرناز فاسيحي»، و«سوي لي وي»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، إلى أن انضمامها إلى المجموعة «من شأنه أن يضيف نفوذًا اقتصاديًا للتكتل، ويعزز فرصها في وضع نفسها كمنافس للنظام المالي العالمي». ونظرًا إلى أنها تعد أكبر شريك تجاري خارجي منفرد للمجموعة -مع وصول حجم التجارة الثنائية بين السعودية ودول بريكس عام 2022 إلى 160 مليار دولار– فقد أوضح الباحثون أن عضويتها تبدو «حدثًا ملائمًا وطبيعيًا»، مشيرين إلى أن خطوة الانضمام ليست فقط «عملاً جيوسياسيًا جيدًا»، لكنها أيضًا «إنجازًا تجاريًا جيدًا»؛ حيث تواصل جهودها لتنويع اقتصادها كجزء من رؤية 2030.
وفي السياق نفسه، فإنه بانضمام «مصر» فإن «مصلحتها تكمن في التحرر من الاعتماد على واشنطن، وهو ما بدأت في «تعزيزه على مدى السنوات الأخيرة»، وتحديدًا منذ عام ونصف العام»، وأنه بمجرد انضمامها، يمكن أن تكون «القاهرة»، قادرة على «التبادل التجاري بالعملة المحلية، وتداولها»، بدلاً من الاعتماد على الدولار الأمريكي، فضلاً عن «جذب المزيد من الاستثمارات من الدول الأعضاء، مثل الصين، والهند.
وفيما يتعلق بالآثار المستقبلية لهذا التوسع -ولا سيما مع حرص العديد من دول العالم على الانضمام– فمن الممكن توقع المزيد من العضويات. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن «الصين» و«الهند» تسعيان منذ فترة طويلة من أجل انضمام إندونيسيا، فيما ركزت «جنوب إفريقيا» على المشاركة الإفريقية، وهو ما تجلى في الطريقة التي دعا بها «رامافوزا»، وفودًا من أكثر من 30 دولة بالقارة للمشاركة في القمة الأخيرة. ومن ثم ففي حين تم اتباع هذا المسار؛ فإن تحرك المجموعة لتكون بمثابة كتلة سياسية واقتصادية يعزز منافستها مع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين.
وبالنسبة إلى دول مثل «السعودية، والإمارات، ومصر» –التي تعد من أقدم الشركاء الأمنيين للولايات المتحدة– فإن فوائد التعاون مع دول «البريكس» من الممكن أن تثير «جدلاً» بشأن طبيعة وأهمية شراكاتها طويلة الأمد مع الدول الغربية، وخاصة أن المجموعة تسعى إلى «تبني استراتيجية التحوط والموازنة، إزاء تنافس القوى الخارجية العظمى». لكنّ مثل هذه المخاوف لا تنطبق على «إيران». ورأت «يي»، و«ألكوبا»، و«فاسيحي»، و«وي»، أن «طهران» «ستقدر أهمية عضوية البريكس، كمؤشر على فشل محاولات الغرب لعزلها»، وأن انضمامها إلى المجموعة سيعزز «دورها كقوة إقليمية».
وفي ضوء هذه الديناميكيات، يجب التحذير من أن توسع المجموعة الفضفاض، وضم العديد من وجهات النظر، والمصالح، والأولويات المختلفة للدول، يعني أن الخلافات يمكن أن تعرقل التقدم في التعاون. وأشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن «التحدي الذي يواجه التكتل متباين بقدر ما هو كبير»؛ ومن ثم «قد تعرقله أحيانًا المصالح المتضاربة، والخصومات، والمنافسات الداخلية». وعلى سبيل المثال، تمت الإشارة إلى قلق «الهند»، من هيمنة «الصين»، على المجموعة، وكيف تشعر كل من «البرازيل»، و«جنوب إفريقيا» «بالخوف من استعداء الولايات المتحدة». وعلقت «تيريزا فالون»، من «مركز الدراسات الروسية الأوروبية الآسيوية»، بأنه «مع انضمام المزيد من الدول المتباينة، سيكون من الصعب تحقيق أي شيء في المقابل».
علاوة على ذلك، فإنه على الرغم من أن عضوية «البريكس» الموسعة توفر لأعضائها فرصة لتوسيع العلاقات التجارية والسياسية، فإن العديد من هذه البلدان من الممكن أن تخلق مشكلاتها الاقتصادية الخاصة آثارا وتداعيات على بقية أعضاء المجموعة. وعلى سبيل المثال، في حين رحب الرئيس الأرجنتيني «فرنانديز»، بالتوسع في العضويات، وأعلن أنها تعد «بديلا جيدا للتعاون في مواجهة النظام العالمي الذي كان يعمل لصالح قِلة»، فقد أشارت صحيفة «نيويورك تايمز» إلى أن «بوينس آيرس» لديها «تاريخ من الأزمات الاقتصادية»، وأنها حاليًا «في خضم واحدة من أسوأ الأزمات»؛ حيث تكافح «لسداد دين بقيمة 44 مليار دولار» لصندوق النقد الدولي.
ومع ذلك، فإن اعتماد بعض الدول على القوة الاقتصادية للدول الغربية؛ لتقديم الدعم المالي لها، عبر مؤسسات، مثل «البنك الدولي»، و«صندوق النقد الدولي»، يمكن أن يتحول إلى مؤسسات «مجموعة البريكس»، مثل «بنك التنمية الجديد»، بنوع من الموثوقية والشفافية.
على العموم فإنه في ظل نظام سياسي دولي يموج بتعدد الأقطاب، فإن دعوة «السعودية»، و«الإمارات»، للانضمام إلى «البريكس»، تعزز تحركهما بعيدًا عن الغرب، فيما يتعلق بالمجالات الاقتصادية. ونظرًا إلى أن «الصين»، و«الهند»، من أهم الشركاء الاقتصاديين في منطقة الخليج، فإن إدراجهما ضمن هيكل اقتصادي يضم مثل هذه الدول يعزز سعيهما للحصول على أفضل الصفقات والترتيبات الممكنة مع الشركاء الدوليين، فضلا عما ينطوي عليه هذا التعاون من إمكانات كبيرة للتقدم في الكثير من المجالات.
ومع ذلك، ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أنه يجب على أعضاء «البريكس» تحديد ما إذا كانت المجموعة ستصبح «تحالفًا جيوسياسيًا أم لا»، وخاصة أن هذا السيناريو من المرجح أن يثير شكوكا حول مدى استعداد الغرب للالتزام على المدى الطويل، بتقديم ضمانات أمنية، وسبل تعاون مستقبلية في الشرق الأوسط.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك