بدعوة كريمة من إحدى المؤسسات البحثية الأوروبية المرموقة شاركت في الثاني والعشرين من أغسطس 2023 في ندوة عبر تقنية الاتصال المرئي «الزووم» حول مستقبل اليمن على خلفية التطورات التي يشهدها على المستوى الداخلي، وكذلك التطورات الإقليمية والدولية الراهنة.
ربما يكون معروفاً للقارئ تلك التطورات اليومية وتفاصيل تطور الأوضاع في اليمن إلا أن هناك تساؤلات ثلاثة تثار وكانت محل نقاش خلال تلك الندوة هي: من هي الأطراف المعنية بالأزمة اليمنية؟ وما الذي يمكن أن يؤول إليه ذلك الصراع الممتد والذي لا تقتصر تداعياته على الداخل اليمني فحسب بل على مجمل أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي عموماً؟ وما هو مضمون الدور الخليجي تجاه اليمن؟
وواقع الأمر أن الأزمة اليمنية كحال بقية بعض الأزمات التي تشهدها المنطقة العربية تتداخل وتتشابك فيها دوائر ثلاث وهي الدائرة المحلية والدائرة الإقليمية ثم الدائرة الدولية، فداخلياً هناك العديد من الأطراف داخل اليمن سواء تلك التي لديها حضور على الأرض أو تنتهج أجندة سياسية محددة انطلاقاً من مصالح أو وفقاً لآيديولوجيات ولكن المجمل لا يوجد حتى الآن ما يمكن أن نطلق عليه مشروعا وطنيا واحدا يعد مثار اتفاق الأطراف اليمنية كافة وتلك إحدى معضلات الأزمة اليمنية، وعلى الصعيد الإقليمي، صحيح أن أمن واستقرار اليمن مسألة تهم دول الخليج العربي بالنظر إلى موقع اليمن في الامتداد الجيواستراتيجي لدول الخليج عموماً والمملكة العربية السعودية على نحو خاص، ولكنه في الوقت ذاته يهم العديد من الأطراف العربية والدولية بالنظر إلى موقع اليمن على مضيق باب المندب أحد الممرات المائية الحيوية للتجارة العالمية حيث يربط المضيق مسار التجارة بين أوروبا والمحيط الهندي وشرق إفريقيا، ووفقاً لبعض التقديرات تمر خلال المضيق حوالي 21 ألف قطعة بحرية سنوياً أي بمعدل 57 قطعة يومياً بما يعنيه ذلك من أن أي تعطل لمرور السفن من خلال ذلك المضيق يمثل تهديداً للتجارة العالمية، ولذلك تحرص القوى الإقليمية على تأمين الملاحة فيه ومن ذلك على سبيل المثال في أبريل عام 2015 تم إعلان عبور أربع قطع بحرية مصرية قناة السويس في طريقها لتأمين الملاحة البحرية في خليج عدن وكان ذلك رسالة ردع ضد أي تهديدات بشأن تهديد الملاحة البحرية في ذلك المضيق، وحديثاً في ديسمبر 2022 أعلنت القوات البحرية المصرية قيادة «قوة المهام المشتركة 153 الدولية» للمرة الأولى وتتضمن القيام بمهام دولية جديدة في البحر الأحمر تشمل مضيق باب المندب وخليج عدن، وكان لدول الخليج العربي أيضاً إسهامات بشأن الحفاظ على الأمن الإقليمي والأمن البحري سواء من خلال تبادل قيادة تلك القوات الدولية أو ضمن جهود مواجهة القرصنة البحرية قبالة سواحل الصومال والقرن الإفريقي عموما، وعلى الصعيد الدولي فإن استقرار اليمن أمر حيوي واستراتيجي للدول الأوروبية التي تعتمد على مضيق باب المندب في تجارتها الدولية، بالإضافة إلى موقع اليمن بالنسبة إلى القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا «أفريكوم».
واتصالاً بما سبق فإنه في ظل تشابك أبعاد الأزمة اليمنية وتعدد أطرافها فإنه لا يمكن الحديث عن سيناريو محدد لتلك الأزمة ومن الخطأ اختزال انفراج الأزمة بعوامل إقليمية أو مبادرات دولية، صحيح أن الواقع الإقليمي محدداً مهماً ولكن الداخل اليمني يبقى هو المرتكز الأساسي لأي تحولات، ولكن لتلك الأزمة تأثير على أمن الخليج العربي والأمن الإقليمي ليس أقلها تحول اليمن إلى معبر للهجرة غير الشرعية من منطقة القرن الإفريقي للمملكة العربية السعودية على سبيل المثال بما يمثله ذلك من مخاطر أمنية وما يفرضه ذلك من أعباء أمنية على قوات الأمن، بالإضافة إلى إمكانية أن يكون هناك تعاون بين المنظمات الإرهابية في بعض دول القرن الإفريقي والأخرى داخل اليمن، فضلاً عن الإطار الجيواستراتيجي الأكبر فاليمن جزء من منظومة القرن الإفريقي التي تشهد تحولات مهمة لجهة زيادة الصراع والتنافس الإقليمي والعالمي بالقرب من الممر المائي الحيوي، فوفقاً لبعض التقديرات توجد 19 قاعدة عسكرية تديرها 16 دولة في منطقة القرن الإفريقي.
وتأسيساً على ما سبق لا شك أن هناك دورا يقع على مجلس التعاون كمنظمة، فالمجلس لم يأل جهداً في ربط اليمن بمنظومة مجلس التعاون. وبالعودة إلى التاريخ فقد كانت البدايات الأولى في عام 2001 الذي شهد تحولات مهمة في موقف دول الخليج العربي تجاه اليمن خلال قمة مسقط آنذاك والتي أقرت موافقة خليجية على انضمام اليمن إلى عدد من المؤسسات الخليجية منها مجلس وزراء الصحة ومكتب التربية العربي ومجلس وزراء العمل والشؤون الاجتماعية ودورة كأس الخليج العربي لكرة القدم، وكان ذلك بداية مهمة للغاية لربط اليمن بمجلس التعاون بشكل تدريجي، بيد أن التطورات التي يشهدها اليمن منذ عام 2015 حتى الآن لا تتيح المجال للحديث مجدداً عن ذلك المسار قبل تحقيق استقرار ووحدة اليمن مجدداً بل ربما تكون هناك حاجة إلى مشروع مارشال خليجي لليمن كأولوية، وفي ظل الميثاق المنشئ لمجلس التعاون الذي جاء جامعاً مانعاً فإن ذلك لا يعني أن لا سبيل للحديث عن صيغ ما لربط اليمن بمجلس التعاون فهناك العديد من صيغ التعاون الإقليمي التي تربط دول ما بتنظيمات للأمن الإقليمي ولكن في ظل مبادئ محددة تتضمن التزاما متبادلا بالحفاظ على الأمن الإقليمي بما يعنيه ذلك من أن الحديث عن الانتقال من المقدمات «جوار، مصالح، تحديات» إلى النتائج «ربط اليمن بالخليج» ليس مدخلاً صحيحاً ولكن لا بد من تحديد آليات تحقيق ذلك.
ومع التسليم بأن أمن واستقرار اليمن أمر يهم العديد من الأطراف الإقليمية والدولية فإن خبرة إدارة وحل الصراعات الدولية تشير إلى أنه لا يوجد قائد واحد على الدوام في إدارة الصراعات فالمنظمة الأممية لديها خبرات ممتدة في الأعمال الإغاثية ولكن يتطلب ذلك ممرات آمنة، وحلف شمال الأطلسي «الناتو» على سبيل المثال لديه خبرات في مسألة بناء القوات الأمنية في مناطق الصراعات ولكن للحلف شروط منها طلب الدولة المعنية، والاتحاد الأوروبي لديه خبرات في المساعدات الإنسانية ومهام الوساطة كآلية لحل الصراعات بالطرق السلمية، إلا أن التساؤل المهم هل لا يزال حل المسألة اليمنية يمثل أولوية للقوى الدولية في الوقت الراهن؟ تساؤل له وجاهته بالنظر إلى تأثير الأزمة الأوكرانية على الأدوار الدولية عموماً تجاه الصراعات الإقليمية بما يعنيه ذلك من فرصة سانحة لتنظيمات الأمن الإقليمي منها جامعة الدول العربية للقيام بدور فعال ومهم تجاه حل ذلك الصراع انطلاقاً من تجربتها بشأن الأزمة السورية وغيرها من الخبرات الأخرى.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك