من واقع عودتي الطويلة الاخيرة إلى أعماق «الداخل الفلسطيني» واللقاءات المكثفة هناك مع عديد قيادات الرأي العام من أصدقائي، الموزعين على مختلف التوجهات السياسية والاجتماعية والثقافية، كان موضوع عمليات القتل المتفلتة والمتكاثرة داخل المجتمع العربي في فلسطين 48 موضع الحديث الدائم! ومعروف ان حصيلة القتلى من الفلسطينيين هناك حتى الان منذ مطلع العام الجاري 2023 قرابة (160) ضحية، قتلوا بجرائم إطلاق نار وطعن ودهس، بينهم عدد من السيدات والاطفال.
هؤلاء الأصدقاء، في مدن وبلدات 48، أكدوا أن أحد الأهداف المركزية لهذه العمليات، إسرائيليا، هو خلق شغل شاغل للأهل هناك و«تحفيزهم» لعدم التفكير إطلاقا في مواضع همومهم الوطنية والمعيشية بخاصة، وهموم الشعب الفلسطيني القومية بعامة. والواقع أنني شاهدت بأم عيني، واستمعت بأذني، إلى ما اجمع عليه المتحدثون من أن «إسرائيل» «نجحت» في هذا الأمر حتى الان؛ اذ بات الكل يترقب كل لحظة متى وأين ستقع الجريمة القادمة! ومثل هذا الحال خلق شعوراً بعدم الأمان، ما انعكس على التحرك في الشوارع، وأصبحت تجد المقاهي شبه خالية وكذلك المطاعم والطرقات. كما خف الزحام حتى ممن يزورون هذه البلدات والمدن من المناطق الأخرى، الأمر الذي ضرب سياحة هذه المدن والبلدات وكال لاقتصادها ضربات موجعة، وهذا هدف مركزي اضافي ثانٍ للاحتلال. طبعا هناك الاجماع الاكيد عند كل هذه القيادات، الذي يتجسد في أن «إسرائيل» هي وراء كل ذلك. صحيح أن الجهل والتركيبة التقليدية (ونخص المتخلفة وليست الواعية) هي التي تسود حالياً وهي أحد الاسباب لهذه الثارات، ولكن السبب المركزي يتمثل في وجود وتنشيط (الجريمة المنظمة) الذي يتم بإشراف ورعاية حكومة «إسرائيل» وأجهزتها الأمنية وخاصة الشاباك (جهاز الأمن الداخلي) الذي يجزم خبراء، يهود وعرب، أن هذا الجهاز الاخير هو الذي يقف وراء السماح لعصابات عربية (ويهودية) بجمع كميات كبيرة من الأسلحة غير القانونية، وخصوصاً انها متورطة في تجارة المخدرات والأسلحة والبشر والدعارة والابتزاز وغسل الأموال.
ايضاً، في فلسطين 48، يتداول الناس كثيرا أسئلة مركزية ساخرة من نوع: هل قوات الأمن في الضفة الغربية أو قطاع غزة أقوى من قوات الأمن الإسرائيلية؟! ولماذا لا تحدث هكذا حوادث، في بنية اجتماعية مشابهة عند عرب الضفة الغربية وعرب قطاع غزة، في حين تقع هذه الجرائم والانتهاكات لدى عرب 48 فحسب؟!
كذلك، يتساءل الكثيرون هناك بسخرية حارقة عن مفارقة كون رجال «الشاباك» و«الموساد» يعرفون عن (الإرهاب) الذي يحاك ضدهم في أذربيجان مثلا أو في قبرص أو في تركيا، في حين يتبدى «عجزهم» عندما يتعلق الأمر بالجريمة التي تجري «داخل الدولة» ضد اهلنا في مدن وقرى 48؟!
وبناء عليه، لا مناص من استخلاص ان الجريمة المنظمة وتهريب السلاح لها وترك حبلها على الغارب ما كانت لتكون لولا ضلوع «إسرائيل» وأجهزتها الامنية (عبر هذه العصابات) في عمليات القتل والاغتيال، وهي نفسها «الدولة» المسؤولة عن الجرائم التي تقع في الداخل الفلسطيني! وطبعاً، نحن على يقين من أن القيادات العربية هناك، وهي المؤتمنة الاولى على مصير الأهل في اعماق الوطن الفلسطيني، هي دوماً قادرة على تفعيل جهودها المقدرة في وجه حكومة الاحتلال وكشف مخططاتها.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك