«وجاء أبوبكر»! هذا عنوان كتاب كتبه المفكر الإسلامي خالد محمد خالد، والعنوان يوحي بدور عظيم سوف يحين وقته، وتتوافر ظروفه، وهذ الدور أو الموقف له آثار بالغة في مسيرة الدعوة الإسلامية، وهي في بواكير بزوغها، وفي أول أيامها وهي بحاجة إلى الدعم والمساندة حين تتداعى القبائل على دولة الإسلام الوليدة فيما سُمِيَ بعد ذلك حروب الردة بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).
من مواقفه رضي الله تعالى عنه موقفه يوم أسري برسول الله، وعرج به إلى السماء، رأى كفار قريش أن هذه مناسبة يستطيعون أن ينالوا فيها من رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فذهبوا إلى أبي بكر (رضوان الله تعالى عنه) وقالوا له: إن صاحبك يزعم انه أسري به الليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، ثم عُرِجَ به إلى السماء في جزء من الليل!، فقال لهم إنكم تكذبون. فقالوا وإن كان قد قال! قال لهم: إن كان قد قال فقد صدق، إني أصدقه بخبر السماء. أرادوا بذلك أن يشككوا في صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ولكنهم لم يستطيعوا ذلك لأن إيمان أبي بكر كان إيمانًا صِدِّيقِيًا، فأفسد عليهم فرحتهم المزعومة، ومحاولتهم الخائبة، وسعيهم الفاشل.
إن أبا بكر الذي نال عن استحقاق وسام الصِّدِيقِّية، وهو أرفع وسام وهو وسام يمنح للأنبياء ناله من الأنبياء إدريس وإبراهيم، قال سبحانه وتعالى عن إبراهيم: «واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صِديِّقًا نبيًا» (مريم: 41).
وقال سبحانه عن إدريس: «واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديًقا نبيًا» (مريم: 56).
إنه الصِدِّيق الذي وقف يوم وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في ثبات وعزم، وقال للناس: أيها الناس من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله تعالى: «وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا وسيجزي الله الشاكرين». (آل عمران: 144).
ومن مواقفه رضي الله تعالى عنه يوم توليه الخلافة أنه وقف خطيبًا وقال: أيها الناس لقد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني، أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم، الضعيف فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له، والقوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه.
وله رضي الله تعالى عنه ثلاثة مواقف خالف فيها عمر (رضي الله تعالى عنه) هي: حروب الردة، والإصرار على إنفاذ جيش أسامة، وعزل خالد بن الوليد، قال لعمر عن الأولى: والله لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونه إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لقاتلتهم عليه، وعن إنفاذ جيش أسامة بن زيد: والله يا عمر لو لم يبق في المدينة إلا أنا وأنت ما أوقفت إرسال الجيش، وأما عزل خالد كما اقترح عمر عليه قال عنه: كيف أغمد سيفًا سله رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ثم أثبتت الليالي والأيام حصافة عقله، وبعد نظره، وعظيم حكمته (رضي الله تعالى عنه). ولقد نال رضي الله عنه دون باقي الصحابة لقب الصاحب، قال تعالى: «إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم» (التوبة: 40).
لقد كان رضوان الله تعالى عليه أول التابعين للرسول (صلى الله عليه وسلم من الرجال، ولم يتوان، ولم يتأخر حين عرض عليه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الإسلام، فسبق الجميع إلى الإيمان والتصديق بصاحب الرسالة صلى الله عليه وسلم.
لقد كانت خلافة أبي بكر الصِدِّيق لم تتجاوز السنوات الثلاث إلا أنها كانت الأساس المكين لدولة الخلافة الإسلامية؛ لأنها شكلت الجسر الذي عبرت عليه الدولة الإسلامية من دولة النبوة إلى دولة الخلافة الراشدة، والتي أكدت مدنية الدولة الإسلامية، وغياب النص الديني حتى تختار الأمة بمطلق حريتها نوع الحكم، وليتحقق للأمة هامش من الحرية في اختيار النظام السياسي المناسب لها بحسب تغير الزمان والمكان وأحوال الناس.
هذا هو الصدِّيق أبو بكر، وهذه هي بعض مواقفه التي كشفت عن معالم الشخصية الصِّدِّيقية.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك