انعقدت القمة الخامسة عشرة لدول بريكس في جوهانسبرج بجنوب إفريقيا خلال الأيام الماضية، بمشاركة رؤساء الدول المؤسسة للمجموعة وحضورهم، منهم بالإضافة إلى رئيس الدولة المضيفة الرئيس الجنوب إفريقي سيريل رامافوزا، الرئيس الصيني شي جين بينج ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، لكن بغياب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقيل ان ذلك بسبب التخوف من أن يقوم القضاء في جنوب إفريقيا بتنفيذ مذكرة التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.
وشمل جدول أعمال القمة هذا العام، بالإضافة إلى مناقشة الأمور التقليدية السابقة، قضايا مهمة، هي مثار جدل وتباين في الآراء بين الدول المنضوية، منها: تأثيرات الحرب الأوكرانية، وانضمام دول جديدة إلى المجموعة، والعملة الموحَّدة. فما المتوقَّع من هذه القضايا، وما تأثيرها؟
1- تأثير الحرب الأوكرانية: يتفاوت تأثير الحرب الأوكرانية في الدول المشاركة في قمة بريكس، فبينما ازدادت تجارة روسيا مع كل من الصين والهند، تراجعت الصادرات الروسية إلى دول أخرى بسبب العقوبات الغربية الواسعة النطاق، التي تمّ فرضها على صورة حزمات من العقوبات غير المسبوقة في تاريخ العلاقات الدولية.
وتطلع القادة الأفارقة إلى تلك القمة لاتخاذ قرارات مفيدة تساعد دول القارة الإفريقية على تحقيق التنمية وتطوير إنتاجها، زراعياً وصناعياً، كما تطلع هؤلاء إلى الوعود التي قطعها كل من الرئيسين بوتين وشي جين بينج للقادة الأفارقة، وخصوصاً الوعد الروسي بتأمين حاجات تلك الدول من الحبوب والأسمدة مجاناً.
2- انضمام دول جديدة: تتمتع مجموعة بريكس بإمكانات هائلة، فمعدل نمو الصادرات بين دولها، ومستوى الاستثمار الأجنبي المباشر فيها، أعلى من المتوسط العالمي، وفقاً لتقارير الأمم المتحدة. وتجدر الاشارة إلى أن حصة دول بريكس من الناتج الاقتصادي العالمي ارتفعت من 18% إلى 26% بين عامي 2010 و2021. هذه المؤشرات الاقتصادية جعلت عدداً من الدول تطمح إلى الانضمام إلى المجموعة، بحيث أعربت 23 دولة عن رغبتها في الانضمام، منها المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات والجزائر وإندونيسيا وإيران والأرجنتين وإثيوبيا وغيرها.
ومن حيث المبدأ يشكّل انضمام السعودية والإمارات تحوّلاً نوعياً في عمل المجموعة، بسبب الاحتياطيات النفطية الهائلة التي تتمتع بها الدولتان.
وتطمح كل من الصين وروسيا إلى توسيع المجموعة وضم دول جديدة، بسبب ما في ذلك من تحدٍّ للإدارة الأمريكية، وتوسيع لنفوذهما وقدرتهما على فك العزلة التي تحاول الولايات المتحدة أن تفرضها على الدولتين، في إطار الصراع العالمي الجديد.
كما يطمح عدد من دول العالم الثالث إلى الانضمام إلى المجموعة والمساهمة في ترسيخ قدرة الجنوب العالمي على مواجهة وتغيير النظام العالمي السائد، الذي تسيطر عليه الآليات والقواعد الغربية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي منع تلك الدول من تحقيق التنمية، ولم يساعد على نمو دول الجنوب التي تتهم الدول الغربية بازدواجية المعايير.
في المقابل، نجد أن عدة دول أخرى مؤسِّسة، كالهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، تبدو متحفظة بشأن دخول أعضاء جدد بامتيازات كاملة، وخصوصاً أن فتح باب الانضمام بصورة واسعة سيؤدي إلى كثير من التباين، فكرياً ومصلحياً، ضمن المجموعة الواحدة، الأمر الذي سيحدّ قدرتها على اتخاذ القرارات أو السير وفق أجندة ثابتة الأهداف. كما يخشى البعض أن يقوم الروس بالسيطرة على قرارات المجموعة بعد إدخال عدد من حلفائهم، فيكون لهم الرأي الراجح في أي عملية تصويت مقبلة.
3- العملة الموحَّدة الجديدة: ناقشت قمة بريكس هذا العام مسألة إنشاء عملة موحدة للتداول بين أعضائها، وهي فكرة، إن نجحت، يعدّ كثيرون أنها ستسهم، إلى حدّ كبير، في زعزعة هيمنة الدولار على التحويلات العالمية.
وفي رأي مغاير، يَعُدّ بعض المحللين الاقتصاديين الغربيين أن إطلاق بريكس عملة مدعومة بالذهب لن يشكّل تهديداً كبيراً لهيمنة الدولار، إذ تمثل الديون الأمريكية الهائلة لمعظم دول بريكس نحو 30 تريليون دولار على شكل سندات حكومية أمريكية وأسهم وحسابات جارية. وبناء عليه فإن أي اضطراب في الأسواق سيعني إقبالاً على شراء الدولار الأمريكي لأنه مازال العملة العالمية الأكثر ثباتاً لغاية الآن، ومازال يتمتع بالثقة التي تجعله مرغوباً فيه كعملة احتياطية عالمية.
في كل الأحوال، حتى لو تمّ اقرار مبدأ إنشاء عملة موحدة هذا العام، فإن الانتقال اليها يحتاج إلى حدوث تحوّل كبير في اقتصادات دول المجموعة، وهذا يحتاج إلى وقت. فعلى سبيل المثال، احتاج الأوروبيون إلى كثير من الإجراءات الاقتصادية داخل الدول الأوروبية، وكثير من الإجراءات على صعيد المجموعة الأوروبية ككل، من أجل التوصل إلى إنشاء عملة اليورو، وهذا الامر احتاج إلى عقد من الزمن تقريباً.
{ أستاذة العلاقات الدولية في الجامعة اللبنانية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك