زرت موسكو مؤخرا بعد انقطاع عن هذه المدينة دام ثلاثة أعوام بسبب وباء كورونا «كوفيد–19» الذي تسبب في خسارة للعالم أجمع لا حصر لها، فكانت هذه الزيارة في ظل العقوبات غير المسبوقة التي فرضت على روسيا الاتحادية بلغت أكثر من 7000 عقوبة شملت مختلف الجوانب السياسية والاقتصادية والتجارية وغيرها من الجوانب، ومع ذلك فإن المواطن الموسكوفي لم يشعر بها ودورة الحياة مستمرة والجميع يمارس عمله ونشاطه وكأن البلاد لا تعيش حالة حرب، وتسمع أخبار العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا من خلال وسائل الإعلام المختلفة حالها حال دول العالم.
ما لفت نظري هذه المرة التطورات الداخلية التي حصلت في موسكو والتي من أهمها خصخصة مترو الأنفاق هذه التحفة المعمارية الجميلة الذي يعتبر مفخرة الدولة السوفيتية قبل أن يكون مفخرة الدولة الروسية الذي بنى عام 1935 ومنذ ذلك الوقت يعتبر المترو الوسيلة الفضلى للتنقل بين مناطق موسكو وأحيائها المختلفة فضلا عن أنه الوسيلة الوحيدة للتنقل لمحدودي الدخل الذين يعتمدون بشكل أساسي في تنقلاتهم على المترو، الأمر الذي أدى إلى زيادة أسعار التذاكر بنسبة شكلت عبئا إضافيا على محدودي الدخل وتسريح عدد كبير من الموظفين العاملين في هذا القطاع الحيوي وخصوصا بائعي التذاكر بعد ان تم الاعتماد على الدفع الإلكتروني، ولا أدري هل سيستفيد المتقاعدون من مزايا الاستخدام المجاني للمترو بعد الخصخصة.
أما المترو نفسه فقد أصبح يعج بمستخدمي الهواتف النقالة، كل واحد مشغول بهاتفه ولا ترى شخصا يحمل كتابا أو يقرأ جريدة، بعكس أيام الاتحاد السوفيتي لا تجد شخصا في المترو إلا ويقرأ رواية أو يقرأ كتابا وجريدة، بل حتى الطلبة الأجانب لا يدخلون محطات المترو إلا وبيدهم كتاب أو جريدة لقراءتها فترة وجودهم في المترو. ومن المظاهر التي لاحظتها زيادة أعداد العمالة الوافدة في موسكو والقادمة من الجمهوريات السوفيتية السابقة التي وجدت في روسيا الاتحادية ملاذا آمنا لهم ومكانا للحصول على فرصة عمل تؤمن دخلا معقولا لهم ولأسرهم، فترى العديد من الوظائف وخصوصا في قطاع الخدمات حصرا على العمالة الوافدة من الجمهوريات السوفيتية السابقة وتحديدا جمهوريات آسيا الوسطى مثل قرغيزستان وأوزبكستان وطاجيكستان الذين استقروا في موسكو ويعملون في الفنادق والمطاعم ويعملون سائقي سيارات أجرة وعمال بناء، والذين يسهمون بكل إيجابية في إعمار موسكو إن صح التعبير، منتشرين في مختلف مناطق موسكو يقومون ببناء الجسور وإصلاح الشوارع والقيام بعمليات التوسعة رغم الظروف المناخية غير الملائمة وبأجور معقولة مقارنة بمستوى المعيشة في بلدانهم.
ما يسهل قدوم هذه العمالة الرخيصة الاتفاقية التي أُبرمت بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتي تسمح بحرية دخول مواطني الجمهوريات السوفيتية السابقة إلى روسيا الاتحادية والاستقرار فيها شريطة الحصول على الإقامة، ولذلك نرى هذه الأعداد الكبيرة من الشباب والكبار التي تتوافد على موسكو وربما المدن الروسية الرئيسية والقادمين من الجمهوريات الإسلامية بنين وبنات رجالا ونساء أملا في الحصول على فرصة عمل لتحسين مستوى معيشتهم ومعيشة أسرهم في بلدانهم كما أسلفنا.
رغم العقوبات الغربية وارتفاع الأسعار فإنه من الملاحظ تحسن مستوى معيشة الموسكوفيين، ويمكن ملاحظة ذلك في القدرة الشرائية للناس والاقبال على شراء الشقق ما أدى إلى ظهور أحياء جديدة في موسكو بخدماتها واحتياجاتها ومن ثم توسع الرقعة الجغرافية للمدينة، واكبها بناء محطات مترو جديدة لتتماشى مع هذه التطورات على المدينة.
أما الجيل الجديد الذي تربى بعد المرحلة السوفيتية حاله حال الأجيال الجديدة في العالم جيل الهمبرغر والبيبسي كما سماهم زعيم الحزب الليبيرالي الديمقراطي الروسي الراحل فلاديمير جيرنوفسكي فهو جيل غير مبال وجيل اتكالي يعتمد على الآباء في كل شيء. ويبدو أن موسكو أصبحت وجهة سياحية محببة بالنسبة إلى السياح الخليجيين، ويمكن ملاحظة ذلك من خلال الأعداد الكبيرة من السياح القادمين إلى موسكو وخصوصا من دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان للاستمتاع بأجوائها اللطيفة صيفا هربا من حر ورطوبة أجواء الخليج.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك