بعد كل التظاهرات التي شهدتها المدن الإيرانية احتجاجا على قيام شرطة الأخلاق بقتل الشابة الكردية مهسا أميني عادت السلطات وأصدرت قانونا جديدا للعفة والحجاب، ما يفسح المجال من جديد أمام شرطة الأخلاق للعودة إلى سابق عهدها في مراقبة النساء.
أثناء الاحتجاجات أحرقت النساء أغطية الرأس تعبيرا عن رفضهن للسلطة القمعية التي يمارسها رجال الدين على المجتمع تحت شعار الحفاظ على الأخلاق، وهي نوع من الوصاية التي هي بمثابة حجْر على حرية المرأة في اختيار ما تلبسه. ذلك ما ينطوي على التمييز الذي يتعارض مع حقوق الإنسان.
ما تعرفه الإيرانيات وهن يقاومن أن تلك السلطة القمعية لا تعترف أصلا بحقوق الإنسان. وهو ما يعني أن كل ما يُقال في ذلك المجال هو بالنسبة إلى رجال الدين نوع من الهرطقة التي يجب إزالة كل أثر لها من خلال إسكات الأصوات التي تتداولها. فالنأي بالمرأة من مكانها الحقيقي الذي يجعلها مساوية للرجل هو جزء أساس من التربية المضللة التي تعتبر قاعدة لبناء مجتمع مطيع لتعليمات الولي الفقيه.
إيران دولة دينية، لا علاقة لها بالقوانين المدنية التي تحكم الدول الحديثة. هي دولة قديمة تسعى إلى امتلاك أحدث الأجهزة التي تساعدها على تطوير قدراتها النووية. وهو ما يعني أن يقع السلاح النووي في أيدي بشر ينظرون إلى العالم المعاصر المحيط بهم بطريقة عدائية. وهو ما يُخيف من أن تصل إيران إلى مرحلة تتمكن فيها من صنع سلاحها النووي. سيكون على العالم يومها أن يواجه خطر فنائه. فكل شيء سيئ يمكن توقعه من نظام يكره العالم الحديث.
المرأة هي واحدة من أكثر مسائل الدولة الدينية في إيران تعقيدا. يُقال إنها أفضل حالا من المرأة العراقية في ظل هيمنة المليشيات الإيرانية على الشارع ومن المرأة اللبنانية داخل حدود دويلة «حزب الله». ولكنه أمر نسبي والقياس هنا قد لا يكون صحيحا؛ فليست حرية المرأة إلا جزءا من حرية المجتمع المغيبة. وتلك أيضا محاولة لتمييع حضور المرأة باعتبارها عدوا من وجهة نظر النظام الشمولي الذي يتوكأ كذبا على عصا الأخلاق، في الوقت الذي يستعمل فيه تلك العصا لقمع المعارضين.
هناك معارضة نسوية في إيران وهو ما يفتقر إليه العراق ولبنان. بعد مقتل مهسا أميني صار على النظام أن يحتاط من عدو لم يكن قد قدر قوته. كانت الشريعة بالنسبة إلى أصحاب العمائم كافية لإسكات النساء وإلحاق الهزيمة بهن. وكان النظر إليهن على أنهن الطرف الأضعف في المجتمع سلاحا مقنعا ولا يحتاج إلى بذل جهود كبيرة.
وهنا يجب عدم الاستهانة بقوة الدعاية الدينية التي ربطت بين المرأة والأخلاق من غير أن يرد ذكر للرجل الذي يحق له أن يفعل ما يشاء ويكون حرا في ما يرتديه. ليس لمظهر الرجل علاقة بالأخلاق بمفهومها الديني. لقد فُرض الحجاب على المرأة عنوانا للعفة. أما عفة الرجل فقد كانت متحررة من القيود. لعبت تلك الدعاية بعقول نساء كثيرات وصرن يدافعن عما يُسمى كرامة المرأة التي لا تتحقق إلا من خلال زي معين.
لا يمكن والحالة هذه أن نتوقع من النظام الإيراني أن يتراجع قيد أنملة عن مسألة حجاب المرأة. لو فعل ذلك لانهار مشروع الدولة الدينية الذي لا يقيم شأنا للفساد المستشري في مفاصل الدولة بقدر ما يراقب المرأة كما لو أنها العدو الذي يجب استباق خطواته. المرأة هي الخطر الأشد تأثيرا من مجاهدي خلق الذين يقاتلون هم الآخرون بنساء محجبات. وهو ما لا يعرفه الكثيرون ممَّن يناصرونهم.
لا أبالغ إذا قلت إن مستقبل إيران مرتبط بحيوية وحراك المرأة داخل إيران وليس خارجها؛ فالإيرانيات خارج إيران يعشن حياة منفتحة هي أفضل من نساء الجاليات العربية، لكن ذلك لا يعني شيئا. لقد فعلت المرأة داخل إيران ما فاجأ رجال الدين بما لم يتوقعوه بعد أن اطمأنوا إلى نجاح خططهم في تضليل النساء تحت مظلة الشريعة.
ستظل الأخلاق حصرا بالنساء إلى أن يسقط نظام الولي الفقيه. وهو ما يعني أن معركتهن قد تخطت منطقتها الحقوقية لتكون معركة سياسية. تلك هي معركة الخط الناعم الذي سيكون خشنا في لحظة الصدام. فليس الحجاب سوى سبب للانقضاض على النظام من الداخل وهو ما لا تنفع في إيقافه قوانين العفة والاحتشام.
{ كاتب عراقي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك