العدالة البيئية مصطلح يشير إلى حركة اجتماعية تركز على التوزيع العادل للمنافع والأعباء البيئية معًا، وظهرت كمفهوم في الولايات المتحدة الأمريكية في أوائل الثمانينيات متخذة من القضايا البيئية هدفًا لنشر مبادئ العدالة والتساوي في الاستخدام من عدمه للمقدرات البيئية ومواردها بين كافة سكان المعمورة، حيث إن مفهوم العدالة البيئية يشمل كافة الموارد الطبيعية مثل الهواء والأرض والمياه، ويشمل كذلك المشاركة الهادفة لجميع الأفراد بغض النظر عن العرق أو اللون أو الأصل أو الثقافة أو التعليم أو الدخل، فيما يرتبط بتطوير وتنفيذ ووضع القوانين واللوائح البيئية، بمعنى أن السياسات المتفق عليها برسم مبدأ العدل بين جميع الأفراد دون استثناء، بما في ذلك الجماعات العرقية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، والتي تتحمل حصة غير متناسبة من النتائج البيئية السلبية الناتجة عن العمليات الصناعية والتجارية عند تنفيذ السياسات والبرامج الدولية أو الإقليمية او الوطنية؛ لذا نجد أن العدالة البيئية هي المعاملة العادلة والمشاركة الفعالة مع الأخذ في عين الاعتبار كافة الكائنات الحية، ولكن الإنسان بلغ في تأثيره على بيئته مراحل تنذر بالخطر؛ إذ تجاوز في بعض الأحوال قدرة النظام البيئي الطبيعي على تحمل هذه التغيرات، وإحداث خلل بيئي في التوازن الطبيعي للمعمورة يكاد يهدد حياة الإنسان وبقاءه على سطح الأرض.
ان العدالة البيئية تستندُ أساسًا على المبدأ الذي يؤمن بأن جميع سكان المعمورة لهم الحق في الحماية الكاملة من التلوث والعيش في بيئة نظيفة وصحية. وتنادي العديد من الشعوب وخاصة الدول الصناعية ذات الدرجة الشديدة في التلوث بضرورة كفالة الحقوق البيئية للفرد وحقه في بيئة ذات موارد طبيعية غير ملوثة تضمن له البقاء دون عناء في الحصول على ما يحتاج إليه، بما في ذلك الغذاء، والسكن، والماء، والهواء، بل إنّ الحقوق البيئية تكون أكثر شمولاً من ذلك؛ فهي تضمن للإنسان الحق في الاستمتاع بمناظر طبيعية غير ملوثة، وهي تلك الحقوق المتأصلة في طبيعتنا التي لا يمكن أن نعيش من دونها كبشر. ويعتبر الحق في البيئة من الحقوق التي تضمنها الجيل الثالث من حقوق الإنسان أو ما اصطلح عليها بحقوق التضامن، حيثُ إن الهدف الأساسي للعدالة البيئية هو ضمان استفادة كل شخص من درجة متساوية من الحماية من جميع المخاطر البيئية والصحية، وفي الوقت نفسه، يضمن أيضًا حصول الجميع على نفس الدرجة من الفرص للمشاركة في عملية صنع القرار والحصول على بيئة ذات مواصفات سليمة. وبشكل عام، فإن العدالة البيئية هي مزيج من التوزيع المتساوي للفوائد والمخاطر البيئية والمشاركة في صنع القرار للقضايا البيئية والحد من تفاقمها في مجتمعاتنا.
ويُنظر أحيانًا إلى قضايا ومواضيع حماية البيئة على أنها مقياس درجة من الرفاهية الاجتماعية، لا تهم أغلبية الأفراد إلا إذا كان لديهم الوقت الكافي يملؤون فيه الفراغ، وزيادة المدخولات المالية. ولكن من الناحية العملية، غالبًا ما تتحمل المجتمعات ذات الدخل المنخفض ومجموعات الأقليات العواقب الوخيمة للتدهور البيئي الناجم عن التلوث. ومن خلال ما نراه من توزيع غير عادل للآثار البيئية للتلوث وحالات التدهور البيئي، نجد أن المجتمعات الإنسانية ذات الدخل المنخفض ومجموعات الأقليات في كثير من الأحيان هي التي تتحمل عبئًا غير عادل وغير متناسب من الأضرار البيئية وغير القادرة على تفادي الآثار المصاحبة إليها مقارنة بإمكانياتها الضعيفة وغير المتطورة.
علاوة على ذلك، يؤكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش: «وكما هو الحال دائما، فإن الفقراء والضعفاء هم أول من يعاني والأسوأ تضررا». كذلك فقد وقع الرئيس الأمريكي جو بايدن أمرا تنفيذيا يوجه كل وكالة فيدرالية للعمل من أجل تحقيق «العدالة البيئية للجميع» وتحسين حياة المجتمعات الأكثر تضررًا من التلوث السام وتغير المناخ.
تنبع أهمية فكرة العدالة البيئية إلى حد كبير من التقدم الواضح في معظم المناطق ذات الدخل المنخفض. وينطبق هذا المفهوم إلى حد ما على المجتمعات ذات التقسيم الطبقي القائم على الأفضلية من حيث اللون والعرق والانتماء، ولكن نرى أن مجتمعاتنا تكاد تنعدم فيها النظرة التمييزية تجاه شعوبها. ومع ذلك، فإن التحدي الأكبر للعديد من المؤسسات البيئية لدينا هو كيفية إيصال الخطاب البيئي والإقناع والتأثير، ومن ثم تعزيز التنمية البيئية في المناطق التي تواجه فيها الغالبية العظمى من الناس الذين يعيشون تحت خط الفقر قضايا معقدة تفتقر إلى الوعي بالمخاطر البيئية المتكاثرة في محيطها، ما يسهم في نقص الموارد المالية والطبيعية بشكل كبير تمنعهم من تحسين وضعهم والارتقاء بتوفير جميع احتياجاتهم المعيشية بسهولة. وفي المقابل، هناك شرائح في المجتمع أكثر قدرة على التعامل مع مشاكلهم البيئية لأن لديهم المعرفة والإمكانيات اللازمة لحل مشاكلهم وفق خطوات صحيحة، إلى جانب توافر القدرة المالية لتمويل تحركاتهم.
وفي ختام الأمر، وطبقًا للتوقعات من العلماء والمختصين من ذوي الشأن البيئي، فإننا نحن البشر قد أسرفنا وأفسدنا كثيرًا في البيئة والأرض الذي نعيش فيها، وعلينا العمل والتكاتف وسرعة الإصلاح حالًا، وإحداث العدالة البيئية التي تمثل القاعدة الأساسية لكل مجتمع منظَّم يحكمه العقل والرؤية الواضحة نحو العمل على العدل والمساوة وإرساء قواعد المنفعة العامة بين افراده، ويتحقق ذلك من خلال خلق توازنات جديدة بين حقوق البشر وحرياتهم، وكذلك بين حقوقهم كبشر ينتفعون بما خلقه الله على هذه الأرض وواجباتهم نحوها بالحماية والاقتصاد في مواردها، وذلك بواسطة الاشتراك بشكل أساسي في السعي لضمان انتهاج طرق عادلة في التعامل مع الأفراد والكوكب عن طريق الحد من الاخلال للتوازن البيئي وبقاء مكونات وعناصر البيئة الطبيعية على حالتها كما خلقها الله. لذا فإن الكائن الحي «الإنسان» يعدُ أكثر مؤثر على البيئة، فعندما بدأ الإنسان يغير في البيئة ويخل بالتوازن البيئي منذ أن بدأ الثورة الصناعية والتكنولوجية، ومع تزايد عدد السكان في المعمورة، ونتيجة لاستعماله الآلات، والأجهزة التكنولوجية المختلفة، تزايد تدخل الإنسان في توازن البيئة وسارع في تدهورها.
{ مختصة في فلسفة الدراسات البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك