بتنظيم ورعاية من صندوق الاستثمارات العامة، انعقد مؤتمر مبادرة مستقبل الاستثمار بنسخته الاولى في المملكة العربية السعودية في (24-26) أكتوبر 2017 والذي اطلقت عليه الصحافة العالمية مؤتمر دافوس الصحراء، ليبعث رسالة الى العالم بأن المملكة العربية السعودية ماضية في مشروعها الاصلاحي الكبير وفقا لما رسمته رؤية المملكة 2030 التي دشنت في العام الذي سبقه، من ناحية، ومن ناحية أخرى، ليسهم المؤتمر في خلق حراك تنموي مميز لقطاعات الأعمال والاستثمار، عبر عرضه أبرز برامج ومبادرات وفرص رؤية المملكة 2030 وتطلعات القيادة السعودية للإصلاح والتطوير. وتمخض عن المؤتمر حزمة من المشاريع الاستراتيجية مثل «المنطقة الاقتصادية نيوم» و«مشروع القدية الترفيهي»، إضافة إلى توقيع مشاريع مستقبلية مع مجموعة من الشركات العالمية مثل شركة بلاكستون ومجموعة سوفت بنك، وشركة فيرجن جالاكتيك، وشركتي ذا سبيس شيب، وفيرجن أوربيت، وغيرها. واستمر المؤتمر يعقد سنويا؛ فقد تم عقد خمسة مؤتمرات خلال الفترة التي غطاها الكتاب مواصلا النجاحات الباهرة التي حققتها دوراته السابقة في خلق حراك تنموي مميز لقطاعات الأعمال والاستثمار وسط تفاؤل كبير بما استطاع الاقتصاد السعودي تحقيقه من إنجازات. وقد انطلقت أعمال دورته الخامسة في الفترة (26-28) أكتوبر 2021 تحت شعار «الاستثمار في الإنسانية» بمشاركة عدد من كبار المسؤولين وصناع القرار الاقليميين والعالميين مثل صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بمملكة البحرين، والسيد كيرياكوس ميتسوتاكيس رئيس وزراء اليونان، وعدد كبير من المديرين التنفيذيين والمستثمرين، وعدد من رؤساء أكبر المصارف العالمية وشركات إدارة الأصول وصناديق استثمار عالمية، وبلغ عدد المتحدثين في المؤتمر نحو (140) شخصية تنفيذية وأكاديمية ومهنية، فضلا عن (5000) مشارك، وقد تناول الكتاب الموسوم «لا شيء مستحيل، ملامح من منجزات الاصلاح والتنمية المستدامة في المرحلة الاولى لرؤية المملكة العربية السعودية 2030»، في فصله التاسع المعنون «مبادرة مؤتمر مستقبل الاستثمار، أهميته ودلالاته»، تحليل ابرز دلالات المبادرة التي تم مأسستها في الدورة الثالثة التي عقدت في الفترة (29 أكتوبر-2 نوفمبر 2019)، لتصبح بأمر من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز اطال الله في عمره مؤسسةً مستقلةً وغير ربحية تركز على الرعاية الصحية والاستدامة والذكاء الاصطناعي وعلوم الروبوت، وتضطلع بمهام البحث والابتكار والشراكات الفكرية وإصدار المنشورات العلمية، إضافة إلى الاستثمار في مشاريع ناشئة تخدم الإنسانية، بجانب تنظيم عدة ملتقيات ومؤتمرات وقمم تجمع السياسيين والقادة ورواد الأعمال والمفكرين والأكاديميين على مدار العام.
وسلط الفصل العاشر الموسوم «مشروع نيوم خطوة جريئة في مسار الاصلاح الاقتصادي» المزيد من الضوء على مشروع المنطقة الاقتصادية الحرة في نيوم التي ولدت من رحم «مبادرة مؤتمر مستقبل الاستثمار»، التي تهدف الى تحفيز النمو والتنوع الاقتصادي، واعتماد تقنيات غاية في التطور، وتمكين عمليات التصنيع، وابتكار وتحريك الصناعة المحلية على مستوى عالمي، وتقديم منتج سياحي ابداعي متقدم بحيث تكون المملكة العربية السعودية لاعبا اساسيا في مضمار الحضارة الانسانية وفي موقع صناعي متقدم عالميا. وعموما يعد «نيوم» مشروعا اقتصاديا استراتيجيا جديدا يتجاوز انماط المناطق الاقتصادية التقليدية السائدة في الوقت الحاضر الى مناطق اقتصادية مخصصة للإبداع والابتكار وسبر اغوار المستقبل، ويؤسس لمشروعات اقتصادية مستقبلية اخرى تمنح المملكة موقعا رياديا على الصعيدين الاقتصادي والاستراتيجي الاقليمي والعالمي، استجابة وإنفاذا للرؤية الاقتصادية للمملكة العربية السعودية 2030.
وانطلق الفصل الحادي عشر الموسوم «اقتصاديات التعليم في المملكة العربية السعودية» من حقيقة ان التعليم بمختلف مراحله من المحركات التنموية المستدامة المهمة، ولا سيما التعليم الجامعي، فهو منطلق الابداع وموئل المعرفة وركيزة بناء القادة والمبدعين، منه وفيه تترسخ سياسات الإصلاح وتتجذر مبادئه، وتمتد وتتفاعل علاقاته التشابكية مع القطاعات الانتاجية والخدمية في المجتمع، فلا قوة ولا تأثير حيوي للإصلاح ان لم يبدأ بإصلاح التعليم، لأنّ إصلاحه فيه صلاح للحاضر والمستقبل، به يتعزز أمن الوطن ويتماسك بناؤه واستقراره وسلمه الاجتماعي وتصقل الثقافة الوطنية وتعمم مدركاتها التشاركية بعيدا عن عوامل التفتيت والتجزئة التي تنمو في المجتمعات غير المتقدمة. وقد اكدت رؤية المملكة 2030 اهمية إعادة هيكلة قطاع التعليم، وتحديث الأنظمة والتعليمات والقواعد التنفيذية التي تحكم تطوير المناهج والتحاق المعلمين بالسلك التعليمي، وتنظيم عملية الإشراف التربوي، ورفع فاعلية التطوير والتدريب المهني بشكل مستمر.
وأكدت الرؤية ايضا اهمية تناغم التعليم مع مختلف اهتمامات المجتمع، منها تنمية الاقتصاد الوطني عبر تحويل الاقتصاد من الاعتماد على مصدر واحد للدخل إلى اقتصاد متنوع يعتمد على العقول ذات المهارة العالية والطاقات البشرية المبدعة والمنتجة، وعلى الاعداد المتكامل للطلاب والطالبات اكاديميا ومهنيا في نفس الوقت عبر تخصيص حصص كافية للتدريب في المختبرات والورش الجامعية، وميدانيا في المنشآت الانتاجية والخدمية المناظرة لتخصصاتهم، وأن يمتد التدريب الميداني الى اعضاء هيئات التدريس ليطلعوا على التقنيات المعتمدة في تلك المنشآت ويسعوا الى محاكاتها في المقررات الدراسية الجامعية، ما يتطلب تعشيق ومأسسة العلاقة بين الجامعة والمنشآت الانتاجية والخدمية في البيئة المحيطة بالجامعة، حتى يتم تجسير الفجوة بين ما تقدمه الجامعة من تعليم ومهارات وطبيعة وأنشطة منشآت الأعمال المعاصرة. كما اكدت رؤية المملكة اهمية التعليم الجامعي الاهلي، وصدرت قرارات عديدة تصب في صالح تشجيع المستثمرين على توسيع نشاطاتهم الى مجال الاستثمار الجامعي، منها الموافقة على تأجير الأراضي الحكومية بأسعار رمزية، وتقديم القروض الميسرة للكليات الأهلية، والموافقة على لائحة الجامعات الأهلية والموافقة على مشروع المنح الدراسية لطلاب وطالبات التعليم العالي الأهلي، وغيرها.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك