في أغسطس 2023، أطلق النظام الإيراني سراح خمسة أمريكيين مزدوجي الجنسية ونقلهم للإقامة الجبرية، كجزء من صفقة تم التفاوض عليها مع أمريكا، وتوسط فيها العديد من الدول التي تقيم علاقات دبلوماسية مع كل من طهران وواشنطن.
وعلى الرغم من أن التوترات السياسية والأمنية بين أمريكا وإيران، وكجزء من مبادرة دبلوماسية غير رسمية جديدة أُعلِنت في منتصف يونيو 2023، يبدو أن الإدارة الديمقراطية لـ«بايدن» وافقت الآن على وجود صفقة تبادل سجناء مع طهران، ويتم بموجبها إطلاق سراح المعتقلين وإعادتهم، وستسمح واشنطن بدورها بوصول طهران إلى ما يقرب من (6 مليارات دولار) من أموال مبيعات النفط الإيراني السابقة إلى كوريا الجنوبية، على أن يخضع هذا للأغراض السلمية، وبما يتفق مع المعايير الصارمة للعقوبات الغربية.
وأشار كل من مايكل كراولي ورونين بيرجمان وفرناز فاسيحي من نيويورك تايمز إلى أن تلك الصفقة تم التفاوض بشأنها بشق الأنفس بين الدبلوماسيين المعنيين، وقد تفتح الباب أمام استئناف المحادثات حول مستقبل البرنامج النووي الإيراني والأنشطة الإقليمية الخبيثة.
كما كان هناك قوة معارضة محلية للإدارة الامريكية الحالية -وخاصة الجمهوريين في الكونجرس الأمريكي- الذين شبه أحدهم الصفقة بعملية استرضاء وخنوع، وهذا الوصف يشير بوضوح إلى استمرار الخلاف مع النظام الإيراني، والعقبات الكبيرة التي يجب أن تتغلب عليها الصفقة، خاصة بشأن الأمن الإقليمي وعدم الانتشار النووي.
على الرغم من أن بايدن يحاول تغيير سياسات الضغوط القصوى على إيران، وتنشيط التواصل الدبلوماسي لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة، التي تفاوض عليها أوباما في 2015، إلا أن انهيار مفاوضات فيينا 2022، إلى جانب الهجمات الإيرانية المتزايدة على عمليات الشحن التجارية في الشرق الأوسط، والقمع الداخلي ضد المتظاهرين، والمساعدة العسكرية لروسيا في حربها في أوكرانيا، حولت العلاقات الأمريكية-الإيرانية، الهشة بالفعل، إلى علاقات عدائية بشكل خاص في الأشهر الأخيرة.
وهناك مصدر آخر للعداء وهو الاعتقال المتكرر للرعايا الأجانب، بتهم ملفقة، واستخدامهم لاحقًا كرهائن سياسيين ودبلوماسيين لتأمين امتيازات اقتصادية لطهران، وعلى وجه الخصوص، أفاد جون جامبريل وماثيو لي من أسوشيتيد برس أن النظام الإيراني عرف باستهداف ذوي الجنسية المزدوجة، ولا تعترف الحكومة الإيرانية بالجنسية المزدوجة، وهو ما يمنع السفارات الغربية من لقاء المحتجزين وتجاهل حقوقهم.
وفي هذه الحالة الأخيرة تم تحقيق اختراق دبلوماسي نادر بين الحكومتين، فبعد إجراء مناقشات غير مباشرة حول إمكانية الإفراج عن السجناء الأمريكيين والإيرانيين، وصفقة التبادل الخاصة بهم -والتي أفادت إن بي سي نيوز أن دبلوماسيين من إنجلترا وقطر لعبوا فيها دور الوسيط- تم في أغسطس 2023 إطلاق سراح خمسة مواطنين مزدوجي الجنسية من سجن إيفين في طهران، وانتقلوا إلى الإقامة الجبرية حتى تحريرهم.
وأشار كل من دان دي لوس، وأندريا ميتشل، وأبيجيل ويليامز من إن بي سي نيوز أنه؛ في الماضي كان يتم وضع الأمريكيين والسجناء الأجانب الآخرين الذين من المقرر إطلاق سراحهم قيد الإقامة الجبرية قبل نقلهم إلى الخارج، كما أشارت الجارديان الى أن الإقامة الجبرية تشير إلى بدء سريان عملية تبادل سجناء محتملة بين واشنطن وطهران.
ويعتمد إتمام هذه الصفقة على امتثال كوريا الجنوبية للإفراج عن الأموال الإيرانية المجمدة أيضًا، وأوضح كل من دي لوس وميتشل وويليامز أن أمريكا بين عامي 2012 و2019، هي من قامت بالسماح لـسيول بشراء النفط الإيراني، لكنها منعت طهران من الحصول على عائدات مبيعاتها النفطية.
وبالتالي، إذا تم تنفيذ ترتيبات الصفقة الآن، فستتمكن الحكومة الإيرانية بعد ذلك من الوصول إلى هذه الأموال عبر البنك المركزي القطري، وإن كان ذلك للأغراض الإنسانية وحسب، وذلك ووفقًا للعقوبات الغربية الصارمة.
وأفاد كل من جامبريل ولي بأن التحويل النهائي للأموال -والإفراج عن المعتقلين الخمسة- يتوقع أن يكون خلال الشهر المقبل، لكن الأمر معقد بسبب الطبيعة المعقدة للصفقات المالية، وفي غضون ذلك، أضافت إن بي سي نيوز أنه من المتوقع أن يساعد الدبلوماسيون السويسريون -الذي يتم من خلالهم إجراء المحادثات الدبلوماسية الأمريكية مع طهران عادة- في تنفيذ الصفقة بالتعاون مع السفير السويسري في إيران.
وتتمتع صفقات إطلاق سراح السجناء وعمليات تبادلهم بين أمريكا وإيران بسوابق تاريخية قديمة؛ حيث أشار جامبريل ولي إلى حادث الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران، وأزمة الرهائن 1979، كما تمت مقايضة مماثلة للصفقة التبادل الراهنة في 2016؛ حيث إنه بعد أن وافقت إدارة أوباما على خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، تم إطلاق سراح أربعة أسرى أمريكيين مقابل تسليم (400 مليون دولار) نقدًا إلى طهران.
وقد حذر جاريد جينسر، محامي أحد السجناء، سياماك نمازي، من أن هذه الخطوة هي بداية النهاية ولا شيء أكثر، مضيفًا أنه لا توجد ضمانات بشأن ما قد يحدث مستقبلًا، كما أشارت المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي أدريان واتسون إلى أن إطلاق سراح السجناء يعد خطوة لتحسين للعلاقات الأمريكية الإيرانية، لكنه أصر على أنه لم يكن ينبغي أبدًا احتجازهم في المقام الأول.
وأشارت الجارديان إلى أن أي تحويل مالي بين أمريكا وإيران من أجل إعادة السجناء كان ولا بد سيؤدي إلى توجيه انتقادات من قبل الجمهوريين، بأن بايدن دفع فعليًا فدية لتحرير مواطني بلاده، وأنه بدلًا من استخدام أموال طهران المجمدة في الأغراض الإنسانية، أصبح يمكن توجيهها للبرنامج النووي.
وعلق نائب الرئيس الأمريكي السابق مايك بنس بإن الدرس المستفاد من صفقة الإفراج عن السجناء، أن الحكومتين الصينية والروسية ستعرفان الآن أن سعر احتجاز الرهائن الأمريكية قد ارتفع للتو، وأنهما يمتلكان المزيد من النفوذ لتبني عودة مماثلة لتحرير المواطنين الأمريكيين من سجونهما، وبالاتفاق مع هذه النقطة، شجب ريتشارد غولدبرغ مسؤول سابق في البيت الأبيض في عهد ترامب، هذا القرار باعتباره قرارًا يوفر سابقة رهيبة في سياسة التعامل مع الرهائن.
كما أثارت مساعي إدارة بايدن للتعامل بشكل غير مباشر وغير رسمي مع طهران، بدلًا من القنوات التشريعية الرسمية غضب المشرعين في واشنطن، حيث حث مايكل ماكول رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأمريكي بايدن على؛ تذكر أن القانون الأمريكي يتطلب تقديم أي اتفاق أو ترتيب أو تفاهم مع إيران إلى الكونجرس للموافقة عليه مسبقًا، كما أشارت السناتور الجمهورية ديب فيشر إلى النظام الإيراني باعتباره خصمًا للولايات المتحدة و دولة راعية الإرهاب، وعليه فيعتبر أن أي اتفاق مع الحكومة الإيرانية يرقى إلى محاولة الالتفاف على صلاحيات الكونجرس الرقابية من قبل البيت الأبيض.
وبعيدًا عن غضب الحزب الجمهوري، رأى كريم سجادبور من مؤسسة كارنيغي للسلام، أن الاتفاقية المرتقبة مع النظام الإيراني سيكون لها تأثير على تعزيز موقف فيلق الحرس الثوري الإسلامي، في الوقت الذي تعتبره حكومة أمريكا منظمة إرهابية أجنبية.
إن قوة المعارضة لقرار إدارة بايدن لا تعني أن المساعي الدبلوماسية لم تجد الدعم والمساندة، ففي الواقع صرح كريس مورفي من مجلس الشيوخ بأنه سعيد بإطلاق سراح المحتجزين مزدوجي الجنسية من السجون الإيرانية، وأشاد بالجهود الدبلوماسية المستمرة التي جعلت ذلك ممكنًا.
وقد كتب إلدار ماميدوف من معهد كوينسي أن هذه القضية هي فوز للدبلوماسية، وأمريكا أيضًا، وليست كما يظن كبار الجمهوريين بأن هذه الصفقة ستشجع النظام الإيراني وتقوي شوكته؛ حيث أشار القادة في طهران في الواقع إلى أنه لم يكن لديهم خيار سوى الإذعان للمطالب الغربية وتحرير الأموال المجمدة، في ظل ظروف إنفاق صارمة بالوقت الراهن.
وعلاوة على ذلك، أفاد كراولي وبرجمان وفاسيحي بأن تبادل السجناء يمكن أن يزيد من احتمالات المزيد من التعاون الدبلوماسي، لاسيما فيما يتعلق بـأزمة برنامج إيران النووي المستمرة، وأفاد هنري روم من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، أن الصفقة خطوة إلى الأمام لجهود واشنطن وطهران لخفض التوترات، بينما يتطلعان إلى العودة إلى المفاوضات النووية الرسمية في وقت لاحق في 2023 برعاية الاتحاد الأوروبي.
وأشار مراسلو نيويورك تايمز إلى الكيفية التي يتزامن فيه اتفاق إطلاق سراح السجناء، في الوقت الذي يسعي فيه كلا الخصمين لإبرام اتفاق غير رسمي تقوم بموجبه إيران بتقييد برنامجها النووي ولتخصيب اليورانيوم بنسبة لا تزيد على 60%، فضلًا عن الحفاظ على الميليشيات التي تعمل بالوكالة في كل من العراق وسوريا، وذلك في مقابل امتناع واشنطن عن فرض عقوبات جديدة على طهران.
بينما أشار كراولي وبرجمان وفاسيحي إلى أن صفقة الإفراج عن السجناء، واتفاق طهران في مارس 2023 مع السعودية لإعادة العلاقات الدبلوماسية الرسمية؛ تعتبر تلميحات واضحة لرغبة النظام الإيراني في سياسة خارجية غير صدامية، إلا أن سجادبور أصر على أن هذا النظام يحتاج لتصوير واشنطن كخصمه اللدود لتعزيز شرعيته الداخلية، وفي حين أن طهران على استعداد لعقد صفقات تكتيكية عندما يتم تنفيذها اقتصاديًا، فإن عداءها تجاه أمريكا يظل أمرًا استراتيجيًا ودائمًا.
ويرى كراولي، وبرجمان، وفاسيحي أن إدارة بايدن واعية للانتقادات التي تعرضت لها سياستها من قِبل المعارضين السياسيين محليًا، ومع ذلك، أصر أنتوني بلينكين على أن حكومة أمريكا ستستمر في فرض جميع عقوباتها والتصدي بحزم لأنشطة إيران المزعزعة للاستقرار، في المنطقة وخارجها.
وفي نهاية المطاف، ومع استمرار العداء من كلا الجانبين، يجب عدم المبالغة في أهمية هذا النجاح الدبلوماسي؛ حيث أشار ماميدوف بالفعل إلى أن هذه الصفقة حالة واحدة وليست مقدمة لمحادثات أكثر شمولية بين واشنطن، وطهران.
ومع ذلك، لا ينبغي إنكار إنجازات صفقة تبادل السجناء، حيث يشير ماميدوف إلى حقيقة أنها أنهت معاناة المحتجزين الأمريكيين، وأنها أثبتت أن بايدن كان على حق في تجاهل الصقور داخل الحزب الجمهوري ومراكز الأبحاث المعنية بالسياسة الخارجية في واشنطن.
إن سعي إدارة بايدن للتوصل إلى اتفاق مع طهران، حتى لو كان غير رسمي وتم تحقيقه من خلال وساطة دقيقة من قبل القوى الأوروبية والشرق أوسطية يثبت حجم حماسها للاستمرار على الرغم من الموجة الهائلة من المعارضة الداخلية، فإدارة بايدن ما كانت لتنفذ الصفقة ما لم تكن واثقة من قدرتها على تحمل أي رد فعل سياسي وشيك.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك