يعتبر مضيق هرمز أحد أهم الممرات البحرية في العالم ويطلق عليه أيضاً أحد نقاط الاختناق البحري، وهي تكون إما مضائق طبيعية وإما قنوات بحرية تم حفرها خلال مراحل تاريخية، ويبلغ عددها ثمانية على مستوى العالم وتمثل شرايين مهمة للتجارة العالمية، وحال تعرضها لأي تهديدات أمنية أو حوادث طبيعية، فإن آثارها تنعكس بشكل سريع على أسعار النقل وأسعار الطاقة وكذلك التأمين على السفن، ولعل المثال الأبرز هنا هو جنوح إحدى السفن الضخمة في قناة السويس عام 2021 م التي بلغت حمولتها 220 ألف طن وطولها 400 متر على مدى أسبوع، ما أدى إلى خسائر للتجارة العالمية بلغت 7 مليارات جنيه استرليني يومياً وخسائر لقناة السويس بلغت حوالي 11 مليون جنيه استرليني يومياً، ويكتسب مضيق هرمز أهميته الاستراتيجية في كونه ممرا مائيا مهما لنقل الطاقة من أكبر منطقة منتجة لها في العالم، وهو ما تؤكده الأرقام فحوالي خمس السوائل النفطية وربع الغاز الطبيعي المسال في العالم تنقل عبر ذلك المضيق، كما يتم نقل حوالي 10% من إجمالي واردات الولايات المتحدة الأمريكية من النفط شهرياً من ذلك المضيق، بالإضافة إلى موقعه بين نقاط تماس استراتيجي لقارات مختلفة بما يعني أن تأمين الملاحة في ذلك المضيق أمر يهم كل الأطراف الإقليمية والدولية، وليس مستغرباً أن يكون المضيق مادة دائمة للمقالات والتحليلات التي تتناول الأمن الإقليمي وأمن الملاحة البحرية عموماً، وخاصة أن السنوات القليلة الماضية شهدت بعض التوترات بشأن استهداف ناقلات النفط إلى الحد الذي أثيرت فيه توقعات بأن تشهد منطقة الخليج العربي حرب ناقلات جديدة على غرار تلك التي حدثت خلال الحرب العراقية – الإيرانية في الثمانينيات. على الجانب الآخر كانت هناك استجابات إقليمية ودولية لمواجهة التهديدات الحالية والمحتملة سواء من خلال تسارع وتيرة جهود دول الخليج العربي لتطوير قدراتها البحرية من بينها المناورات البحرية النوعية أو من خلال مقترحات لمواجهة تهديدات الأمن البحري ابتداءً بتأسيس التحالف العسكري البحري لأمن الملاحة البحرية في الخليج العربي عام 2019 بقيادة الولايات المتحدة وعضوية 6 دول، ومروراً بإعلان فرنسا قيادة بعثة أوروبية لمراقبة الملاحة في مضيق هرمز عام 2020 ومهمتها التوعية بالأساس وانتهاءً بإعلان الولايات المتحدة إرسال ثلاثة آلاف بحار للشرق الأوسط لحماية الملاحة البحرية في الثامن من أغسطس 2023، بالإضافة إلى خطط سابقة تتضمن «نشر حراسة أمنية تتكون من عناصر من مشاة البحرية على متن ناقلات تجارية تمر من مضيق هرمز وبالقرب منه، لتشكل طبقة دفاعية إضافية لهذه السفن» وفقاً لتصريحات أمريكية رسمية.
ويعني ما سبق أن كافة تلك الإجراءات الاحترازية تمثل عامل ردع لأي تصرفات غير محسوبة أو حسابات خاطئة كما دأبت على وصفها بعض التحليلات التي صدرت تعليقاً على تلك الخطوة.
ومع أهمية ذلك بيد أنه لا تزال هناك عدة تساؤلات مهمة تثار من بينها: هل يمكن بالفعل لأي طرف إغلاق مضيق هرمز؟ وما طبيعة التهديدات التي تواجه الملاحة البحرية في ذلك المضيق؟ وما أبرز الاحتياجات لمزيد من تأمين الملاحة البحرية فيه؟
بداية وربما يكون معروفاً للكثيرين، أن مضيق هرمز هو مضيق دولي وفقاً لاتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار عام 1982، وخاصة المادة 38 التي تنص على الملاحة الحرة في ذلك النوع من المضائق، وذلك بغض النظر عن مدى تصديق الدول المشاطئة للمضيق على تلك الاتفاقية من عدمه، ولكن الأمر المهم ليس في الجانب القانوني ولكن تكمن المشكلة في مسألتين الأولى: أن بعض الأطراف تلجأ إلى صراعات البحار لتوريط أطراف أخرى، وهو ما حدث بالفعل خلال الحرب العراقية – الإيرانية عندما طال أمدها لجأ طرفاها إلى توريط أطراف إقليمية ودولية في تلك الحرب من خلال استهداف ناقلات النفط التي تقصد وتخرج من موانئ دول الخليج العربي والقصة معروفة، والثانية: أن المواجهات في البحار تعكس مفهوم الحروب اللامتماثلة، فالقدرات هنا لا تقاس بموازين القوى ولكن بمدى الخبرة والسيطرة على مساحات مائية شاسعة. وبالرغم من ذلك لم يتم إغلاق المضيق حتى في ذروة الحرب العراقية – الإيرانية للقناعة التامة بأن ذلك سيكون عملاً عدائياً موجهاً نحو العالم بأسره وليس دول الخليج العربي والولايات المتحدة والدول الغربية فحسب، وقد صدرت العديد من الدراسات التي تؤيد أو تنفي ذلك الطرح ولكل منها حججه، ولكن الثابت أنه لم يتم إغلاق المضيق، ربما يكون خيار عرقلة الملاحة فيه أمراً محتملاً ولكن من دون الإغلاق الكامل.
واتصالاً بما سبق وحتى يمكن للردع أن يحقق أهدافه، فلاشك أن الانطلاق من طبيعة التهديدات يعد أمراً مهماً، صحيح أن وجود قوات لحماية السفن أمراً ضرورياً، لكن من المهم أيضاً توظيف التكنولوجيا الحديثة لحماية الأمن البحري. وكان لافتاً تضمين ذلك بعض المناورات التي شهدتها مياه الخليج خلال السنوات القليلة الماضية، وخاصة في ظل الانتشار الكبير لاستخدام الطائرات بدون طيار «الدرونز» وعدم القدرة على إسقاطها أحياناً، بل والأهم صعوبة تحديد جهة الإطلاق ومن ثم إثبات المسؤولية في ظل أيضاً عدم وجود اتفاقيات دولية تنظم استخدام تلك الأسلحة الحديثة برغم انتشارها الواسع، بل إنها أضحت الموضوع الرئيسي لكل الملتقيات الدولية وكان آخرها المنتدى العسكري التقني الدولي الذي عقد في العاصمة الروسية خلال الفترة من 14- 17 أغسطس 2023.
ووصولاً إلى تحديد متطلبات حماية الملاحة البحرية بالإضافة إلى توظيف التكنولوجيا، فإن الأمر يجب ألا يقتصر على جانب الردع فحسب، بل أن تكون قضية حماية الملاحة البحرية في الخليج العربي ضمن الجهود الدبلوماسية لدول الخليج العربي ابتداءً، ولدول الخليج خبرة في هذا الأمر، فخلال الحرب العراقية الإيرانية صدر قراران مهمان عن مجلس الأمن بشأن حرية الملاحة، الأول رقم 540 الصادر في 31 أكتوبر 1983 وتضمن تأكيد احترام حرية الملاحة في الخليج العربي، والثاني رقم 552 الصادر في 1 يونيو 1984 والذي أعاد تأكيد القضية ذاتها، ولكن لوحظ أن ديباجة هذا القرار قد أشارت إلى الرسالة المؤرخة في 21 مايو عام 1984 والواردة من ممثلي دول الخليج العربي الست، والتي تتضمن الشكوى بشأن الاعتداء على ناقلات النفط في الخليج العربي، من ناحية ثانية فإن ثمة حاجة إلى تكامل الجهود الدولية، صحيح أن قرار إرسال قوات إضافية من البحارة الأمريكيين مهم، ولكن تأمين الملاحة أمر يهم الدول الأوروبية في الوقت ذاته. وأخيراً، فإن استمرار تطوير القوات البحرية لدول الخليج العربي يعد ضرورة استراتيجية ولا أبالغ القول، إن تهديدات الأمن البحري سوف تعيد تشكيل منظومة الأمن برمتها في الخليج العربي.
{ مدير برنامج الدراسات الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك