لطالما كانت المخيمات في أقطار اللجوء وفي فلسطين وقود الثورة والمقاومة الفلسطينية. ومع أننا نسجل بأحرف من نور وبأوضح وأقوى العبارات انخراط جميع المدن والبلدات والقرى في فلسطين في خانة المقاومة، سواء الشعبية أو المسلحة، فإن فلاحي القرى الصناديد يأتون في الصدارة مع أهل المخيمات الأبطال في حركة النضال والكفاح الفلسطينية ولأسباب موضوعية.
طبعا، لا خلاف على أن القواعد الجماهيرية للكفاح، كما في كل المناطق والعصور، تتشكل من الطبقات الكادحة والعمال الذين يعانون أكثر من غيرهم و«ليس لديهم ما يخسرونه سوى قيودهم»، كما قال منذ زمن طويل (كارل ماركس).
واليوم في فلسطين، يضاف البؤس إلى القيد، بالإضافة إلى أن لدى هؤلاء المواطنين وعيا ناجما عن قيم المجتمع العربي المحافظ والمتدين بما يفرزه من النزعة الوطنية والطاقة المجتمعية الإيجابية، وهو ما يحفزهم للنضال والمقاومة، وخاصة إذا اقتربت منهم وشجعتهم قوى لصيقة أو قريبة من الثقافة المحافظة والدينية تملك الخبرة والسلاح ولديها المال.
ومع تأكيدنا أهمية ودور مدينة (جنين) المتميزة في كفاحها، فإن المستهدف الأول كان هذه المرة (مخيم جنين) الذي لطالما كان، رغم مساحته الصغيرة وعدد سكانه المحدود، محطة مهمة ومحورية، منه تنشط المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي، ما جعله موقعا مستهدفا تحاول سلطات الاحتلال إخماده ومحو أثره بشتى الطرق.
وهناك سبب آخر رئيسي وراء تحول مخيم جنين بالأخص إلى ساحة مواجهة مسلحة مع الاحتلال، وهو عامل الاحتلال نفسه واستمرار اقتحاماته للمخيم، الذي يؤمن شبابه أن الاشتباكات المسلحة مع جيش الاحتلال حالة حتمية للنضال الفلسطيني. وعند أهل هذا المخيم، وغيره من المخيمات والقرى والبلدات والمدن الفلسطينية بعامة، ثمة استخلاص مركزي قوامه أنه في أي صراع، لا بد من حلول: إما أفق سياسي وإما مقاومة.
وفي ظل حكومات إسرائيلية متتالية يهيمن عليها اليمين المتزمت، ومع غياب الحل السياسي، يصبح العمل العسكري المقاوم وصفة حتمية.
طبعا هذا لا يعني أن فقراء المدن (وشرائح منهم والطبقات الوسطى في فلسطين وغيرها) لا يؤدون دورهم، لكن الملاحظ أن انخراط العائلات المعروفة بثرائها ووضعها الطبقي المرتاح لطالما كان انخراطاً محدوداً.
وتكاد تكون القوى الكادحة هي الأكثر مشاركة على امتداد الوطن وفي الطليعة منهم المخيمات، تليها القرى المستهدف مواطنوها من عصابات المستعمرين الصهاينة، والتي تواجه وحدها «المستوطنين» الذين يصادرون أراضيها ويطوقونها ويحرقون أشجارها ويدمرون زيتونها ويمنعون قطافها.. الخ.
أضف إلى ذلك، عدم استناد التنظيمات المختلفة الحديثة التي شكلها المقاومون في المخيمات (والقرى والبلدات) إلى هرمية منظمة وعلاقة أيديولوجية، وإنما هي تجمع شبان مسلحين من فصائل مختلفة لم يمنعهم الانقسام الفلسطيني- الفلسطيني من المقاومة المشتركة والموحدة.
في الضفة الغربية، حيث تم فتح جبهة جديدة ضد الاحتلال، تتزايد المقاومة في مدنها وبلداتها وقراها وخاصة مخيماتها.
وفي كل هذه الأرجاء، تتعمق إرادة المقاومة على شكل مواجهات وعمليات فردية وإطلاق النار على الحواجز العسكرية وعمليات دهس واستخدام السلاح الأبيض، حتى بات جيش الاحتلال يتحسب قبل اجتياح أصغر الأحياء في مختلف المناطق، وهو الأمر الذي شهدناه واضحاً في مخيم جنين الذي جدد إصرار الشباب الفلسطيني على الاشتباك والاستعداد للتضحية رغم استمرار الانتهاكات الإجرامية المعهودة والمعروفة وعلى رأسها مختلف أنواع الاغتيالات.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك