العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

كثير النسيان ولست مخرِّفا (2)

اعترف‭ ‬بأنني‭ ‬أعاني‭ ‬من‭ ‬آفة‭ ‬النسيان،‭ (‬الغريب‭ ‬في‭ ‬الأمر‭ ‬هو‭ ‬أنني‭ ‬أتذكر‭ ‬فوتوغرافيا‭ ‬أمورا‭ ‬تعود‭ ‬الى‭ ‬مراحل‭ ‬طفولتي‭ ‬بينما‭ ‬قد‭ ‬أنسى‭ ‬أمرا‭ ‬حدث‭ ‬قبل‭ ‬ربع‭ ‬الساعة‭)‬،‭ ‬وهكذا‭ ‬صارت‭ ‬زوجتي‭ ‬تتهمني‭ ‬بالخرف‭ ‬كلما‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬أنكرت‭ ‬مسؤوليتي‭ ‬عن‭ ‬فقدان‭ ‬شيء‭ ‬ما،‭ ‬وجميع‭ ‬الرجال‭ ‬المتزوجين‭ ‬يعانون‭ ‬من‭ ‬ان‭ ‬زوجاتهم‭ ‬يتنصلن‭ ‬من‭ ‬مسؤولية‭ ‬ضياع‭ ‬أي‭ ‬شيء‭ ‬في‭ ‬البيت،‭ ‬وهناك‭ ‬الطرفة‭ ‬القديمة‭ ‬عن‭ ‬زوجين‭ ‬كانا‭ ‬يستمعان‭ ‬الى‭ ‬خطيب‭ ‬عربي‭ ‬وعندما‭ ‬تساءل‭ ‬الخطيب‭: ‬من‭ ‬الذي‭ ‬أضاع‭ ‬الأندلس؟‭ ‬التفتت‭ ‬الزوجة‭ ‬بخبث‭ ‬نحو‭ ‬زوجها‭ ‬وقالت‭ ‬له‭ ‬بكل‭ ‬رقة‭: ‬أكيد‭ ‬أنت‭!!‬

وبلغ‭ ‬بي‭ ‬الأمر‭ ‬أنني‭ ‬‮«‬تعقدت‮»‬‭ ‬وصرت‭ ‬كلما‭ ‬ضاع‭ ‬مني‭ ‬شيء‭ ‬او‭ ‬فشلت‭ ‬في‭ ‬العثور‭ ‬على‭ ‬شيء‭ ‬مثل‭ ‬المفتاح‭ ‬او‭ ‬النظارة‭ ‬لا‭ ‬أشكو‭ ‬ولا‭ ‬اسأل‭ ‬من‭ ‬حولي‭ ‬عنه،‭ ‬كي‭ ‬لا‭ ‬‮«‬أجيب‭ ‬لنفسي‭ ‬الكلام‮»‬‭ ‬والشبهات‭ ‬الجائرة،‭ ‬وبما‭ ‬أنني‭ ‬اعرف‭ ‬ان‭ ‬النسيان‭ ‬والخرف‭ ‬من‭ ‬أعراض‭ ‬متلازمة‭ ‬ألزهايمر‭ ‬فقد‭ ‬لجأت‭ ‬الى‭ ‬مستشاري‭ ‬السيد‭ ‬غوغل‭ ‬في‭ ‬الانترنت،‭ ‬الذي‭ ‬أوصلني‭ ‬الى‭ ‬مواقع‭ ‬طريفة‭ ‬وحلوة‭ ‬للمصابين‭ ‬بداء‭ ‬النسيان،‭ ‬من‭ ‬بينهم‭ ‬جرسون‭ ‬متمرس‭ ‬في‭ ‬مطعم‭ ‬شهير‭ ‬في‭ ‬امريكا‭ ‬جلس‭ ‬فيه‭ ‬رجل‭ ‬وزوجته،‭ ‬وطلبا‭ ‬مع‭ ‬الطعام‭ ‬كوبين‭ ‬من‭ ‬الماء،‭ ‬وجاء‭ ‬الجرسون‭ ‬بالماء‭ ‬دون‭ ‬ان‭ ‬يأتي‭ ‬بالكوبين،‭ ‬وصب‭ ‬الماء‭ ‬في‭ ‬‮«‬الفراغ‮»‬‭ ‬فانسكب‭ ‬على‭ ‬ملابس‭ ‬الزوجة‭ ‬فجن‭ ‬جنونها،‭ ‬وبعد‭ ‬الاعتذارات‭ ‬جاءهما‭ ‬الطعام،‭ ‬كانا‭ ‬قد‭ ‬طلبا‭ ‬شرائح‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬البقر‭ ‬ولكن‭ ‬صاحبنا‭ ‬وضع‭ ‬أمامهما‭ ‬بطة‭ ‬كاملة،‭ ‬وهاجت‭ ‬الزوجة‭ ‬فكان‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬اعتذارات‭ ‬جديدة،‭ ‬ثم‭ ‬دفعت‭ ‬الزوجة‭ ‬قيمة‭ ‬الطعام‭ ‬وقدمت‭ ‬للجرسون‭ ‬ورقة‭ ‬فئة‭ ‬المائة‭ ‬دولار‭ ‬بعد‭ ‬ان‭ ‬ابلغته‭ ‬أنها‭ ‬لن‭ ‬تعطيه‭ ‬أي‭ ‬بقشيش،‭ ‬ورد‭ ‬لها‭ ‬الجرسون‭ ‬‮«‬الباقي‮»‬‭ ‬وإذا‭ ‬بتلك‭ ‬السيدة‭ ‬تقدم‭ ‬له‭ ‬40‭ ‬دولارا‭ ‬بقشيشا،‭ ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬صاحبنا‭ ‬أعاد‭ ‬إليها‭ ‬420‭ ‬دولارا،‭ ‬وهكذا‭ ‬وجدت‭ ‬تلك‭ ‬المرأة‭ ‬نفسها‭ ‬مستفيدة‭ ‬من‭ ‬معاناة‭ ‬الجرسون‭ ‬من‭ ‬النسيان،‭ ‬وطلعت‭ ‬ربحانة‭ ‬من‭ ‬الوجبة‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬300‭ ‬دولار‭ ‬زائدا‭ ‬الوجبة‭ ‬نفسها‭ (‬لا‭ ‬تقل‭: ‬حرام،‭ ‬فالخواجات‭ ‬أي‭ ‬الغربيين‭ ‬مثل‭ ‬الوِرد‭ ‬‮«‬الأسد‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬عنه‭ ‬المتنبي‭: ‬في‭ ‬وحدة‭ ‬الرهبان‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ / ‬لا‭ ‬يعرف‭ ‬التحريم‭ ‬والتحليلا‭).‬

المهم‭ ‬أن‭ ‬السيد‭ ‬غوغل‭ ‬اوصلني‭ ‬الى‭ ‬البروفسور‭ ‬جورج‭ ‬غروسنبيرغ‭ ‬اخصائي‭ ‬متلازمة‭ ‬ألزهايمر‭ ‬وأمراض‭ ‬الشيخوخة‭ ‬في‭ ‬كلية‭ ‬الطب‭ ‬بجامعة‭ ‬سنت‭ ‬لويس‭ ‬الأمريكية،‭ ‬الذي‭ ‬طمأنني‭ ‬قائلا‭: ‬ولا‭ ‬يهمك‭ ‬مستر‭ ‬جافر‭ ‬أباس،‭ ‬لأنه‭ ‬طالما‭ ‬ان‭ ‬المعلومة‭ ‬تضيع‭ ‬منك‭ ‬ولكنك‭ ‬تتذكرها‭ ‬بعد‭ ‬نحو‭ ‬نصف‭ ‬ساعة،‭ ‬أو‭ ‬يبتسم‭ ‬شخص‭ ‬في‭ ‬وجهك‭ ‬بمودة‭ ‬ولا‭ ‬تبادله‭ ‬الابتسام‭ ‬ثم‭ ‬تتذكر‭ ‬لاحقا‭ ‬انه‭ ‬صاحبك‭ ‬الذي‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬بيته‭ ‬الاسبوع‭ ‬الماضي‭ ‬بمناسبة‭ ‬زواج‭ ‬ابنه؛‭ ‬مثل‭ ‬هذا‭ ‬النسيان‭ ‬لا‭ ‬يثير‭ ‬القلق‭. ‬ولكن‭ ‬غروسنبيرغ‭ ‬يضيف‭: ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬المعلومة‭ ‬ذات‭ ‬أهمية‭ ‬عالية‭ ‬مثل‭ ‬اسم‭ ‬زوجتك‭ ‬او‭ ‬تتعلق‭ ‬بجانب‭ ‬مهم‭ ‬من‭ ‬عملك‭ ‬وعجزت‭ ‬عن‭ ‬تذكرها‭ ‬فعليك‭ ‬بالطبيب‭. ‬

ما‭ ‬يطمئنني‭ ‬بشأن‭ ‬قواي‭ ‬العقلية‭ ‬وذاكرتي‭ ‬هو‭ ‬انني‭ ‬أعرف‭ ‬ان‭ ‬حالة‭ ‬النسيان‭ ‬التي‭ ‬أعاني‭ ‬منها‭ ‬منشؤها‭ ‬ان‭ ‬عقلي‭ ‬شغال‭ ‬مثل‭ ‬المروحة،‭ ‬ولا‭ ‬يكاد‭ ‬يرتاح‭ ‬إلا‭ ‬عند‭ ‬النوم،‭ ‬وحتى‭ ‬عند‭ ‬النوم‭ ‬قد‭ ‬تداهمني‭ ‬أحلام‭ ‬تتعلق‭ ‬بأمور‭ ‬كنت‭ ‬أفكر‭ ‬فيها‭ ‬خلال‭ ‬ساعات‭ ‬اليقظة،‭ ‬ولا‭ ‬أعني‭ ‬بذلك‭ ‬انني‭ ‬عبقري‭ (‬فهذه‭ ‬مسألة‭ ‬محسومة‭ ‬ومتفق‭ ‬عليها‭)‬،‭ ‬وأفكر‭ ‬في‭ ‬أمور‭ ‬فيها‭ ‬خلاص‭ ‬البشرية،‭ ‬وتحرير‭ ‬فلسطين،‭ ‬ولكن‭ ‬أعنى‭ ‬أن‭ ‬دماغي‭ ‬صار‭ ‬يعاني‭ ‬من‭ ‬الحمولة‭ ‬الزائدة‭: ‬أسماء‭ ‬مئات‭ ‬الناس‭ ‬والأماكن‭.. ‬عواصم‭ ‬بلدان‭ ‬مثل‭ ‬نيبال‭ ‬وزفتستان‭.. ‬وأسماء‭ ‬الشوارع‭ ‬والمحلات‭ ‬التجارية‭.. ‬وهذا‭ ‬المقال‭ ‬الذي‭ ‬تقرؤونه‭ ‬الآن‭.. ‬ما‭ ‬بادلت‭ ‬أحدا‭ ‬الحديث‭ ‬او‭ ‬قرأت‭ ‬كتابا‭ ‬او‭ ‬مجلة‭ ‬او‭ ‬شاهدت‭ ‬امرا‭ ‬في‭ ‬التلفزيون‭ ‬إلا‭ ‬وفكرت‭ ‬في‭ ‬الاستفادة‭ ‬منه‭ ‬في‭ ‬مقالي‭ ‬اليومي‭ ‬هذا‭. ‬ولكن‭ ‬المصيبة‭ ‬هي‭ ‬انني‭ ‬عندما‭ ‬اجلس‭ ‬لأكتب‭ ‬المقال‭ ‬لا‭ ‬أذكر‭ ‬في‭ ‬غالب‭ ‬الأحوال‭ ‬أيا‭ ‬من‭ ‬تلك‭ ‬المواضيع‭ ‬التي‭ ‬خطرت‭ ‬ببالي‭ ‬وقلَّبتها‭ ‬في‭ ‬دماغي،‭ ‬ولهذا‭ ‬فليعذرني‭ ‬القراء‭ ‬عندما‭ ‬يجدونني‭ ‬أغير‭ ‬المسارات‭ ‬أثناء‭ ‬‮«‬سواقة‮»‬‭ ‬المقال‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا