تطرقت في الجزء الأول من هذا المقال إلى أهمية إنشاء نظام معلومات الأمن الغذائي على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي مع دول عربية أخرى لرصد حالات ومؤشرات الأمن الغذائي والتنبؤ بها ورسم الاستراتيجيات وتنفيذ سياسات الأمن الغذائي على المستوى الإقليمي.
وذكرت بأن هناك أهمية كبيرة بأن تكون تلك البيانات متاحة عبر موقع رسمي للجميع وغير محصورة على جهات معينة، بل وأن يكون لجميع أصحاب المصلحة كرواد الأعمال، والمزارعين، والمستوردين والمصدرين، ومنظمات المجتمع المدني، والباحثين في مجالات الأمن الغذائي والقطاع الزراعي، وغيرهم القدرة على الوصول إلى هذه البيانات والاستفادة منها. ولكن، كيف يمكن لأصحاب المصلحة الاستفادة من إنشاء منصة لنظام معلومات الأمن الغذائي مماثل للمنصة الموجودة في رابطة آسيان؟
ومن هنا، سوف أقوم بتقسيم الفوائد المحتملة إلى أربع من أصحاب مصلحة:
1) الباحثون الأكاديميون من مراكز الفكر والبحوث والجامعات. 2) رواد الأعمال والمبتكرون وأصحاب المشاريع من القطاع الخاص العاملون في مختلف مجالات القطاع الزراعي. 3) المنظمات غير الحكومية المحلية أو الإقليمية أو الدولية. 4) أصحاب المصلحة الآخرون المهتمون بقضايا الأمن الغذائي وقطاع الزراعة كالأفراد وصانعي القرار وغيرهم.
أولاً، يستفيد الباحثون الأكاديميون من نظام المعلومات ويحسن قدراتهم التحليلية وتفسير اتجاهات السوق الاقتصادية والجيوسياسية والقضايا المتعلقة بتهديدات الأمن الغذائي سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي. مما يؤدي بطبيعة الحال إلى تحسن البحوث والمنشورات المتعلقة بالأمن الغذائي في المنطقة ونشر أوراق عالية الجودة وتقديم هذه البيانات لصناعي القرار مما يسهم في عملية صنع القرار بناء على الدليل العلمي. كما يمكن للأكاديميين والباحثين الاستفادة بشكل أكبر من فرص التعاون بين بعضهم البعض، ودمج مجموعة بيانات مختلفة وإجراء دراسات متعددة التخصصات مثلاً العلاقة بين التكنولوجيا الزراعية ورفع مستوى الأمن الغذائي، أو دمج مواضيع العلوم البيئية والطاقة وغيرها في مسائل الأمن الغذائي.
ثانياً، يمكن لرواد الأعمال والمبتكرين وأصحاب المشاريع الاستفادة من هذه البيانات من خلال فهم اتجاهات السوق، وأنماط الاستهلاك، والاحتياجات الغذائية، وفجوات الإنتاج مما يساعدهم على تحديد فرص السوق وتطوير منتجات وخدمات مبتكرة وتكنولوجيا متطورة يمكن أن تسهم في معالجة تحديات الأمن الغذائي. كما يمكن لرواد الأعمال تحسين سلاسل التوريد والخدمات اللوجستية، وتقليل الهدر، وضمان التسليم الفعال للمنتجات الغذائية. (ضرورة أن تكون البيانات المقدمة في نظام المعلومات شاملة لتلك البيانات، حيث يمكن لرواد الأعمال وغيرهم الاستفادة منها قدر المستطاع).
ثالثاً، يمكن للمنظمات غير الحكومية الوصول إلى تلك البيانات وتقديم استشارات مجانية للحكومة في كيفية رفع معدل الأمن الغذائي، وتقليل الهدر، وتحسين الدورات الاقتصادية، وغيرها من المواضيع المتعلقة بالأمن الغذائي والقطاع الزراعي، إذ إن سبب وجود هذه المنظمات في الأساس هو تقديم المشورة والتعاون مع الحكومة لحل المشكلات الموجودة في الاقتصاد.
كما يمكن لهذه المنظمات التأثير على السياسات على المستوى الإقليمي من خلال تقديم حجج ودراسات قائمة على الأدلة، ويمكن كذلك لهذه المنظمات كمنظمة الغذاء والزراعة بالأمم المتحدة أو المنظمات الدولية أو الاقليمية أو المحلية الأخرى تخصيص جزء من الموارد المتاحة لها عبر التبرعات وتقديمها للمبادرات القائمة على رفع معدل الأمن الغذائي.
رابعاً، يمكن لأصحاب المصلحة الآخرين الاستفادة من البيانات التي يقدمها نظام المعلومات الإقليمي من خلال نشر الوعي حول قضايا الأمن الغذائي وهدر الأغذية ونفايات الطعام وغيرها من المواضيع المهمة وتعزيز المشاركة مع أصحاب المصلحة الآخرين بمن في ذلك الأفراد والمجتمعات والمنظمات وصناع القرار. كما يمكن أن توفر قاعدة البيانات قاعدة ملموسة لصانعي القرار والسلطات المسؤولة عن مسألة الأمن الغذائي محلياً، وتخصيص الموارد للتخفيف من تحديات الأمن الغذائي كارتفاع الأسعار، وخسارة المحاصيل، ونقص الدعم أو التكنولوجيا المستخدمة في الزراعة، أو غيرها من التحديات. وبشكل عام، يمكن الوصول إلى البيانات الموثوقة وذات الصلة لتسهيل اتخاذ القرارات القائمة على الأدلة والابتكار والتعاون والتدخلات الضرورية والمستهدفة، مما يفيد أصحاب المصلحة جميعاً في معالجة مخاوف الأمن الغذائي.
وفي الختام، فإن لدى إنشاء نظام معلومات الأمن الغذائي على المستوى الإقليمي أهمية كبيرة على المجتمع والاقتصاد وأصحاب المصلحة ككل. ولكن قد يكون التنسيق صعباً بالنسبة الى بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسبب الافتقار إلى الخبرة والتقنية لجمع البيانات وتحليلها. ومع ذلك، فإن هناك عدداً من المنظمات الدولية التي يمكن أن تقدم الدعم التقني لهذه الدول مما يضمن الامتثال للمعايير والأهداف الدولية. على سبيل المثال، تقدم منظمة الأغذية والزراعة المساعدة التقنية، وفرص تبادل المعلومات، ودعم تنمية القدرات، وصنع السياسات، وغيرها للبلدان التي تواجه صعوبات في تحقيق هذا التنسيق. مما يضمن لهذه الدول أن تضع سياسات قائمة على الأدلة لتعزيز الأمن الغذائي والممارسات الزراعية المستدامة.
وبالتالي، فإن ضعف عملية جمع البيانات كما تم ذكره في تقرير البنك الدولي أو عدم التفاعل مع أصحاب المصلحة قد يؤديان إلى ضعف حلول تصميم السياسات القائمة على الأدلة والرامية إلى رفع مستوى الأمن الغذائي والابتكار. لذلك، فإن هناك ضرورة ملحة لإشراك أصحاب المصلحة لمعالجة التحديات وتزويدهم بإمكانية الوصول إلى البيانات لتعزيز قاعدة بيانات الأمن الغذائي على المستوى المحلي والإقليمي.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك