أتيحت لي الفرصة لزيارة منطقة سيبيريا الروسية التي تشكل 77% من مساحة روسيا الاتحادية، والواقعة في شرق جبال الأورال ذات الأجواء المناخية المتناقضة فهي شديدة البرودة شتاء تصل فيها درجة الحرارة إلى أكثر من 60 درجة تحت الصفر وحارة صيفا تصل درجة الحرارة إلى 40 درجة. وهذا ما حدث بالفعل خلال زيارتي لسيبيريا، حيث وصلت درجة الحرارة فيها إلى 40 درجة، ويقطنها حوالي 40 مليون شخص وهي نسبة قليلة جدا مقارنة بمساحتها فهي من أقل المناطق كثافة بالسكان في العالم على الإطلاق.
سيبيريا منطقة غنية بخيراتها الباطنية فهي غنية بالنفط والغاز، فأكبر نسبة من النفط والغاز الروسيين يتم استخرجهما من سيبيريا 70%، وفي سيبيريا الذهب والاحجار الكريمة، كما توجد فيها بحيرة البايكال الشهيرة التي تتميز بمياهها العذبة وبأنهارها التي تبلغ أكثر من 330 نهرا تتجمد شتاء وتصبح ملاذا للناس صيفا هربا من الحرارة السيبيرية.
وخلال زيارتي لسيبيريا التي استمرت أسبوعا تعرفت على هذه المنطقة التي سمعنا ونسمع عنها الكثير. هذا الجزء من روسيا الاتحادية والتي تتميز باحتضانها معالم وعادات وتقاليد روسية مختلفة تذكرنا بروسيا القيصرية ومن ثم روسيا السوفيتية ووصولا إلى روسيا المعاصرة، ففي القرى والأرياف السيبيرية لا يزال نمط الحياة البسيطة هو السائد، حيث البيوت الخشبية التي مضى عليها أكثر من مائة عام تتوارثها العائلة جيلا بعد جيل تتزين بصور الآباء والأجداد والناس تتبادل منتجاتها في شكل مقايضة البطاطا مقابل الحليب على سبيل المثال من دون اللجوء إلى استخدام النقود بعيدا عن ضوضاء المدن، ولا علاقة لهم بما يجري في العالم. وفي سيبيريا لا تزال المعالم السوفيتية موجودة فأسماء الشوارع والطرق التي تعبر عن المناسبات السوفيتية المختلفة مثل ذكرى قيام الاتحاد السوفيتي والأول من مايو وغيرها وتماثيل قائد الثورة البلشفية فلاديمير لينين لا تزال موجودة في الميادين العامة تذكرنا بأيام الاتحاد السوفيتي، أما سيبيريا اليوم في فترة ما بعد انهيار الاتحاد السوفيتي أصبحت تعج بالشركات والمؤسسات التجارية والاقتصادية الخاصة التي تقدم خدماتها للموطنين على النمط الغربي الجشع، وخصوصا البنوك التي تقدم القروض للمواطنين السيبيرين بفوائد مرتفعة، ومع ذلك يقبل الناس على الاقتراض لحاجتهم الماسة إلى تحسين مستوى ظروفهم المعيشية وخصوصا الشباب الذين هم في مقتبل العمر، فامتلاك الشقة مهما كانت مساحتها من أولوياتهم وهي الخطوة الأولى لكل من يفكر في الزواج وتكوين عائلة.
ظروف الحياة الصعبة جعلت الناس يعملون ساعات طويلة وبوظائف مختلفة تصل أحيانا إلى ثلاث وظائف في نفس الوقت لمواجهة متطلبات الحياة في ظل ارتفاع الأسعار، ورغم ذلك نلاحظ في سيبيريا ارتفاع معدلات الانجاب حتى أصبح من المألوف مشاهدة عائلة من أب وأم وثلاثة أو أربعة أطفال في حين لا يتجاوز عدد الأسرة الروسية أربعة أفراد في المناطق الأخرى.
المدن والشوارع السيبيرية تتميز بالهدوء وربما يعود ذلك إلى قلة الكثافة السكانية، كما أسلفنا، وانعكس هذا على البيئة والمناخ. فمناخ سيبيريا يعتبر من أفضل المناخات، لذلك نرى المصحات منتشرة في سيبيريا منذ الحقبة السوفيتية يأتي إليها الناس من عموم روسيا وخارجها للاستجمام وخصوصا خلال فترة الربيع والصيف، فالعديد من هذه المصحات كانت تابعة للدولة السوفيتية وللنقابات التي تقدم خدماتها بشكل شبه مجاني، أما اليوم فتقدم خدماتها للمقتدرين فقط.
لقد كانت زيارتي لسيبيريا فرصة للتعرف على المنطقة وعلى أجوائها اللطيفة والصحية ومناطقها وأهلها الطيبين الذين يحترمون ضيوفهم الأجانب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك