العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

جيل عن جيل يفرِق

ما‭ ‬إن‭ ‬وقعت‭ ‬عينا‭ ‬ابنتي‭ ‬على‭ ‬تقرير‭ ‬صحفي‭ ‬عن‭ ‬افتتاح‭ ‬عيادة‭ ‬طبية‭ ‬لعلاج‭ ‬أمراض‭ ‬العيون‭ ‬بالليزر‭ ‬بطريقة‭ ‬أكثر‭ ‬حداثة‭ ‬من‭ ‬طريقة‭ ‬‮«‬الليزك‮»‬‭ ‬التي‭ ‬ظلت‭ ‬شائعة‭ ‬نحو‭ ‬ربع‭ ‬قرن،‭ ‬حتى‭ ‬اندفعت‭ ‬نحوي‭ ‬وهي‭ ‬تصيح‭: ‬مبروك‭ ‬يا‭ ‬أبا‭ ‬الجعافر‭ (‬شوفوا‭ ‬الأدب‭! ‬وهذه‭ ‬البنت‭ ‬دون‭ ‬عيالي‭ ‬الثلاثة‭ ‬الآخرين‭ ‬إذا‭ ‬نادتني‭: ‬جعفر‭ ‬عباس،‭ ‬فمعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬غاضبة‭ ‬مني‭ ‬وعليّ،‭ ‬واحتمال‭ ‬تحرمني‭ ‬من‭ ‬الميراث‭). ‬المهم‭ ‬واصلت‭ ‬البنية‭: ‬أخيراً‭ ‬تستطيع‭ ‬التخلص‭ ‬من‭ ‬النظارات‭ ‬الطبية‭! ‬ومدت‭ ‬لي‭ ‬الصحيفة‭ ‬وأثناء‭ ‬قراءتي‭ ‬للتقرير‭ ‬قالت‭ ‬ما‭ ‬معناه‭ ‬في‭ ‬لهجة‭ ‬حزينة‭ ‬مفتعلة‭: ‬لكن‭ ‬خسارة‭ ‬لأنك‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬إجراء‭ ‬العملية‭ ‬اللازمة‭ ‬للتخلص‭ ‬من‭ ‬النظارة‭ ‬لأن‭ ‬النظارة‭ ‬توفر‭ ‬لك‭ ‬ستاراً‭ ‬تخفي‭ ‬وراءه‭ ‬عينيك،‭ ‬وسيصبح‭ ‬شكلك‭ ‬دون‭ ‬نظارة‭ ‬بشعاً‭.‬

لو‭ ‬صدر‭ ‬هذا‭ ‬الكلام‭ ‬عن‭ ‬الشخصيات‭ ‬أو‭ ‬الأشياء‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬أحبها‭: ‬بشار‭ ‬الأسد‭ ‬أو‭ ‬نادية‭ ‬الجندي‭ ‬أو‭ ‬الكوسة‭ ‬أو‭ ‬بسام‭ ‬أبو‭ ‬شريف‭ ‬أو‭ ‬فاروق‭ ‬الفيشاوي‭ ‬أو‭ ‬المحشي،‭ ‬لو‭ ‬صدر‭ ‬عنهم‭ ‬لما‭ ‬آلمني،‭ ‬ولكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مصدره‭ ‬ابنتي‭ ‬التي‭ ‬لا‭ ‬هم‭ ‬لي‭ ‬سوى‭ ‬السعي‭ ‬لنيل‭ ‬رضاها‭ ‬وتفادي‭ ‬انتقاداتها،‭ ‬فقد‭ ‬أحسست‭ ‬بما‭ ‬أحس‭ ‬به‭ ‬يوليوس‭ ‬قيصر‭ ‬عندما‭ ‬رأى‭ ‬صديقه‭ ‬بروتس‭ ‬ضمن‭ ‬قاتليه‭:‬

‭ ‬Et‭ ‬tu‭. ‬Brute‭. ‬then‭ ‬fall‭ ‬Caesar‭. ‬حتى‭ ‬أنت‭ ‬يا‭ ‬بروتس،‭ ‬من‭ ‬ثم‭ ‬فليسقط‭ ‬قيصر‭ ‬ميتا،‭ (‬هذا‭ ‬النص‭ ‬الذي‭ ‬جاء‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬منه‭ ‬باللغة‭ ‬اللاتينية،‭ ‬والجزء‭ ‬الثاني‭ ‬منه‭ ‬بالإنجليزية،‭ ‬جاء‭ ‬في‭ ‬مسرحية‭ ‬جولياس‭ ‬سيزر‭ ‬يوليوس‭ ‬قيصر‭ ‬للكاتب‭ ‬والشاعر‭ ‬الإنجليزي‭ ‬الجهبذ‭ ‬وليم‭ ‬شكسبير،‭ ‬الذي‭ ‬قال‭ ‬دكتاتور‭ ‬ليبيا‭ ‬الهالك‭ ‬مدمِّر‭ ‬الجزافي‭ ‬إن‭ ‬أصله‭ ‬عربي‭ ‬واسمه‭ ‬الاصلي‭ ‬‮«‬والي‭ ‬شيخ‭ ‬زبير‮»‬،‭ ‬وقياسا‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬فهولندا‭ ‬بلد‭ ‬نوبيعربي،‭ ‬أسسها‭ ‬نوبي‭ ‬إلمامه‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬ضعيف،‭ ‬فلما‭ ‬احتج‭ ‬الألمان‭ ‬قائلين‭ ‬إنهم‭ ‬أحق‭ ‬بحكم‭ ‬هولندا‭ ‬ركب‭ ‬النوبي‭ ‬رأسه‭ ‬وقال‭ ‬بعربية‭ ‬مكسرة‭ ‬‮«‬هو‭ ‬لنا‭ ‬دا‮»‬‭ ‬أي‭ ‬‮«‬هذا‭ ‬المكان‭ ‬لنا‮»‬‭ ‬وشيئا‭ ‬فشيئا‭ ‬صارت‭ ‬‮«‬هو‭- ‬لن‭- ‬دا‮»‬،‭ ‬بنفس‭ ‬الطريقة‭ ‬التي‭ ‬زعم‭ ‬بها‭ ‬بعض‭ ‬العرب‭ ‬أن‭ ‬الأرناؤوط‭ ‬عرب،‭ ‬غزوا‭ ‬ناحية‭ ‬في‭ ‬أوربا‭ ‬ليقيموا‭ ‬ملكا‭ ‬فيها،‭ ‬ولما‭ ‬فشلت‭ ‬محاولتهم‭ ‬رفض‭ ‬بعضهم‭ ‬العودة‭ ‬إلى‭ ‬قواعدهم‭ ‬وقرروا‭ ‬البقاء‭ ‬في‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬أوروبا‭ ‬قائلين‭: ‬عار‭ ‬أن‭ ‬نعود،‭ ‬و«لبست‮»‬‭ ‬فيهم‭ ‬العبارة،‭ ‬وتم‭ ‬تحويرها‭ ‬بمرور‭ ‬الزمن‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬أرناؤوط‮»‬‭).‬

ولكن‭ ‬بيني‭ ‬وبينكم‭ ‬فإن‭ ‬معظم‭ ‬ما‭ ‬قالته‭ ‬عني‭ ‬ابنتي‭ ‬تلك‭ ‬صحيح‭! ‬ولكنني‭ ‬أعيب‭ ‬عليها‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تعرف‭ ‬اللف‭ ‬والدوران‭ ‬أو‭ ‬تزويق‭ ‬الكلام‭: ‬بابا‭ ‬لماذا‭ ‬تلبس‭ ‬هذه‭ ‬الملابس‭ ‬المبهدلة؟‭.. ‬تصرفك‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬الأمر‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬كان‭ ‬سخيفاً‭.. ‬بابا‭ ‬انت‭ ‬شين‭.. ‬وأحياناً‭ ‬تقول‭ ‬لي‭: ‬شكلك‭ ‬‮«‬دِشِن‮»‬‭ ‬وتعني‭ ‬بالعامية‭ ‬السودانية‭ ‬‮«‬قبيح‭ ‬ومرعب‭ ‬بشكل‭ ‬لا‭ ‬يطاق‮»‬‭. ‬تقول‭ ‬هذا‭ ‬عن‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬وارداً‭ ‬أن‭ ‬يتزوج‭ ‬بالأميرة‭ ‬ديانا،‭ ‬الرجل‭ ‬الذي‭ ‬طلبت‭ ‬يده‭ ‬ممثلات‭ ‬أحلى‭ ‬ألف‭ ‬مرة‭ ‬من‭ ‬مونيكا‭ ‬لوينسكي‭ ‬التي‭ ‬جعلت‭ ‬بلبل‭ ‬كلينتون‭ ‬يفقد‭ ‬وقاره،‭ ‬ولكنني‭ ‬لا‭ ‬أكف‭ ‬عن‭ ‬التساؤل‭: ‬هل‭ ‬هي‭ ‬قليلة‭ ‬أدب‭ ‬لأنها‭ ‬‮«‬تعطيني‭ ‬في‭ ‬المليان»؟‭.. ‬وأجيب‭ ‬بلا‭ ‬تردد‭: ‬حاشا‭ ‬وكلا‭.. ‬هي‭ ‬بالتأكيد‭ ‬ذات‭ ‬نزعات‭ ‬إرهابية‭ ‬وتختلف‭ ‬عني‭ ‬سلوكياً‭ ‬في‭ ‬طفولتي‭. ‬فحتى‭ ‬بعد‭ ‬تخرجي‭ ‬في‭ ‬الجامعة‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أستطيع‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬لأبي‭ ‬إن‭ ‬ما‭ ‬يفعله‭ ‬خطأ،‭ ‬برغم‭ ‬أنه‭ ‬كثيراً‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬يخطئ‭.. ‬حتى‭ ‬عندما‭ ‬منعني‭ ‬من‭ ‬دخول‭ ‬الجامعة‭ ‬وهو‭ ‬يصدر‭ ‬حكمه‭ ‬القاطع‭ ‬‮«‬بلا‭ ‬جامعة‭.. ‬بلا‭ ‬كلام‭ ‬فارغ‭.. ‬بقيت‭ ‬راجل‭ ‬ولازم‭ ‬تدبر‭ ‬أمورك‭ ‬وتاكل‭ ‬عيش‭ ‬بعرق‭ ‬جبينك‮»‬‭ ‬لم‭ ‬اعترض‭ ‬ولم‭ ‬أناقشه‭ ‬وحاولت‭ ‬التوفيق‭ ‬بين‭ ‬الدراسة‭ ‬والعمل،‭ (‬علما‭ ‬أنني‭ ‬عشت‭ ‬كطالب‭ ‬بعرق‭ ‬جبين‭ ‬الحكومة‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تعطينا‭ ‬التعليم‭ ‬والمسكن‭ ‬والطعام‭).‬

كثيرون‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيلي‭ ‬دفعوا‭ ‬ثمن‭ ‬أخطاء‭ ‬آبائهم‭ ‬وعدم‭ ‬رغبتهم‭ ‬في‭ ‬الاعتراض‭ ‬على‭ ‬أي‭ ‬قرار‭ ‬يصدر‭ ‬منهم‭.. ‬أبي‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فظاً‭ ‬أو‭ ‬قاسياً‭ ‬أو‭ ‬دكتاتوريا،‭ ‬ومع‭ ‬ذلك‭ ‬لم‭ ‬أتجرأ‭ ‬ولا‭ ‬مرة‭ ‬واحدة‭ ‬على‭ ‬كسر‭ ‬فرماناته‭. ‬وكثيراً‭ ‬ما‭ ‬دفعنا‭ ‬أنا‭ ‬وهو‭ ‬ثمن‭ ‬سكوتي‭ ‬على‭ ‬الخطأ‭! ‬ولكن‭ ‬كان‭ ‬كل‭ ‬همي‭ ‬عدم‭ ‬إغضابه‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا