تتداخل المساحات الشاسعة للمواقف الإنسانية التي جمعتنا مع فقيدنا الدكتور خالد العوهلي رئيس جامعة الخليج العربي الراحل مع مساحات أوسع من العطاء والإخلاص والدأب على التطوير والتجديد وملاحقة المستجدات المواكبة لمتطلبات تطوير التعليم والارتقاء به؛ فعند رثاء قامة كشخصه جمعت جل الخصال النبيلة مع الحكمة والحلم والحنكة الإدارية، تحتار بأيها تبدأ!
التحقت بالعمل الأكاديمي في كلية الطب والعلوم الطبية بجامعة الخليج العربي في فبراير العام 1991، وفي ذلك الوقت كان يبلغ عدد الأكاديميات بدوام كلي اثنين فقط، وبقي عدد الاكاديميات في الكادر النسائي بالكلية متواضعا الى ان ترأس الدكتور خالد بن عبدالرحمن العوهلي الجامعة في العام 2009، حينها بدأ الزمن الاستثنائي، وبدأ العدد يزداد حتى تجاوزت نسبة الأكاديميات الثلث من اجمالي الأكاديميين في العام الأكاديمي 2021-2022.
وهذا إن دل على شيء؛ إنما يدل على إيمانه بالكفاءة قبل النوع رجلا كان أم امرأة، والعدالة والتساوي ومنح المساحات للعطاء والإبداع أمام العنصر النسائي إلى جانب الرجل.
أتذكر أنه عند أول شهر لانضمام الدكتور العوهلي إلى الجامعة مر على مكتبي أثناء تفقده المبنى، فأخبرته ان هناك قاعات وغرفا تحتاج إلى إصلاح وصيانة، وعلى الفور طلب مني ان أترأس لجنة لإعداد مقترحات بهذا الشأن، وكانت هذه أول مهمة أوكلها إليّ رئيس الجامعة. ومنذ ذلك الحين وحتى دخوله المستشفى عملت معه عن كثب من خلال عملي كنائبة العميد لشؤون الدراسات العليا والبحث العلمي في كلية الطب والعلوم الطبية، وأثناء عضويتي بمجلس الجامعة وترؤسي وعضويتي ببعض اللجان الجامعية. كان لنا لقاءات واتصالات كثيرة بحكم مسؤولياتي الأكاديمية والإدارية، ومن خلالها عرفت عن قرب كثيرا من خصاله وصفاته وأخلاقه في التعامل، كان مستمعا جيدا، محترما للرأي الآخر، حكيما، مقدرا للجهود المبذولة، شاكرا حامداً مبتسماً.. دائما ينسب أي نجاح يتم تحقيقه إلى جميع منسوبي الجامعة، رافضا رغم كل جهوده أن ينسب الجهد اليه شخصيا. كان دائما يرسل لي قصاصات الجرائد والمقالات التي تشدني موضوعاتها العلمية والبحثية يشاركني المعرفة التي اكتسبها من هذه القراءات، وانا على يقين بأنه فعل ذلك مع بقية الزملاء والزميلات.
لقد آمن رئيس الجامعة الراحل بإتاحة الفرص للجنسين منذ التحاقه بالجامعة، وقبل تشكيله لجنة تكافؤ الفرص بين الجنسين في الجامعة في عام 2017، حيث كان لي الشرف ان أترأسها حتى اليوم. وقد أصدر قرارات منها اعتماد تكافؤ الفرص بين الجنسين عند التعيينات الأكاديمية والإدارية واعتماد ميزانية خاصة لأبحاث ودراسات تعنى بالمرأة الخليجية حرصا منه على دعم ورعاية قضايا المرأة الخليجية.
لقد كان الدكتور خالد العوهلي منصفا على نحو لافت، لا يفرق بين المرأة والرجل الا بالكفاءة، وأعطى المرأة في مختلف أقسام الجامعة سواء الأكاديمية منها أو الإدارية الفرص في شتى المجالات مثل التعيينات بالمناصب الإدارية ورئاسة اللجان وعضويتها والابتعاث إلى الخارج للدراسة.
كان رحمه الله مميزاً في عطائه وتعامله، وكشخصية قيادية كان بمثابة القدوة لنا جميعا، إذ يجمع كل منسوبي الجامعة على إخلاصه للجامعة وتفانيه في العمل وحرصه على تقدم الجامعة وتطورها على نحو مستمر حتى غدت أنموذجا حيًّا للوحدة الخليجية، حاضنة للبرامج الفريدة والمتميزة والمبتكرة. وعرف رئيس جامعة الخليج العربي الراحل بأنه واسع المعرفة، ذو نظرة حكيمة ثاقبة، ودائما كان على دراية بالمستجدات التربوية والعلمية، وفي المقابل، تفرد بإنسانيته وتواضعه وأخلاقه العالية وحكمته التي لا تخلو من دبلوماسية؛ فنال حب واحترام جميع منسوبي الجامعة وطلبتها.
سيبقى اسم خالد العوهلي محفورا في قلوبنا نتذكره دائما ونترحم عليه.
رحم الله سعادة رئيس الجامعة الراحل وأسكنه فسيح جناته.. و«إنا لله وإنا إليه راجعون».
{ أكاديمية بحرينية
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك