العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

العدد : ١٧٠٤٧ - الأحد ٢٤ نوفمبر ٢٠٢٤ م، الموافق ٢٢ جمادى الاول ١٤٤٦هـ

زاوية غائمة

جعفـــــــر عبــــــــاس

jafasid09@hotmail.com

يا نهار أسود

الأمريكان‭ ‬يعرفون‭ ‬عن‭ ‬كوكب‭ ‬المريخ،‭ ‬أكثر‭ ‬مما‭ ‬يعرفونه‭ ‬عن‭ ‬المسلمين‭ ‬والعرب،‭ ‬فقد‭ ‬بات‭ ‬معروفاً‭ ‬أننا‭ ‬متهمون‭ ‬بالإرهاب‭ ‬وكل‭ ‬أنواع‭ ‬الهباب،‭ ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬ظلم‭ ‬لنا،‭ ‬فنحن‭ ‬أمة‭ ‬تعاني‭ ‬من‭ ‬الصمم‭ ‬والبكم‭ ‬بفعل‭ ‬فاعل،‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قفل‭ ‬ولاة‭ ‬الأمر‭ ‬في‭ ‬وجوهنا‭ ‬أبواب‭ ‬الاجتهاد‭ ‬في‭ ‬العلوم‭ ‬والمعارف‭ ‬العامة،‭ ‬وصرنا‭ ‬نعاني‭ ‬من‭ ‬الأنيميا‭ ‬الثقافية‭ ‬لفرط‭ ‬تعاطينا‭ ‬المعلبات‭ ‬السكند‭ ‬هاند‭ ‬ذات‭ ‬الصلاحية‭ ‬المنعدمة‭ ‬والمنتهية‭ ‬التي‭ ‬تقدمها‭ ‬لنا‭ ‬وسائل‭ ‬الإعلام‭ ‬الرسمية‭! ‬والمسلم‭ ‬العربي‭ ‬‮«‬غلباااااااان‮»‬‭ ‬في‭ ‬عقله،‭ ‬وجوعان‭ ‬في‭ ‬بطنه،‭ ‬ومع‭ ‬هذا‭ ‬فإن‭ ‬أمريكا‭ ‬تتعامل‭ ‬معه‭ ‬بمنطق‭ ‬‮«‬المسكين‭ ‬سكين‮»‬،‭ ‬وتسيء‭ ‬به‭ ‬الظن،‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬ابتدعت‭ ‬وسائل‭ ‬وتقنيات‭ ‬تكشف‭ ‬نواياه‭ ‬الشريرة‭.‬

من‭ ‬يسافر‭ ‬إلى‭ ‬بريطانيا‭ ‬وامريكا‭ ‬لا‭ ‬يتعرض‭ ‬فقط‭ ‬للكشف‭ ‬بالأشعة‭ ‬على‭ ‬امتعته،‭ ‬وبالأيدي‭ ‬عن‭ ‬أعضاء‭ ‬جسمه‭ ‬بما‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬عورته،‭ ‬بل‭ ‬سيقف‭ ‬امام‭ ‬اشخاص‭ ‬يرتدون‭ ‬نظارات‭ ‬شمسية،‭ ‬يسألونه‭ ‬بكل‭ ‬براءة‭: ‬إلى‭ ‬اين‭ ‬تتجه؟‭ ‬فتقول‭ ‬صادقاً‭ (‬مثلا‭): ‬إنني‭ ‬ذاهب‭ ‬إلى‭ ‬لاس‭ ‬فيجاس‭ ‬للعب‭ ‬القمار‭ ‬بما‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تنشيط‭ ‬الاقتصاد‭ ‬الأمريكي‭! ‬فيبتسم‭ ‬في‭ ‬وجهك‭ ‬بخبث‭ ‬ويقول‭ ‬لك‭: ‬على‭ ‬جون‭ ‬يا‭ ‬فرعون؟‭ ‬قل‭ ‬الحقيقة،‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬أطلب‭ ‬لك‭ ‬الكلاب‭ ‬البوليسية‭ ‬لـ«تفرمك‮»‬‭ (‬لن‭ ‬أنسى‭ ‬قط‭ ‬تجربة‭ ‬أول‭ ‬زيارة‭ ‬لي‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬عندما‭ ‬نزلت‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬واشنطن‭ ‬‭ ‬دالس،‭ ‬وذهبوا‭ ‬بي‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬فيه‭ ‬ركاب‭ ‬من‭ ‬سوريا‭ ‬وإيران‭ ‬وأتوا‭ ‬بكلب‭ ‬في‭ ‬حجم‭ ‬وحيد‭ ‬القرن‭ ‬ليشمنا‭ ‬ويشم‭ ‬أمتعتنا،‭ ‬وكدت‭ ‬أصاب‭ ‬بانهيار‭ ‬عصبي‭ ‬عندما‭ ‬توقف‭ ‬الكلب‭ ‬أمامي‭ ‬وصار‭ ‬يشم‭ ‬حذائي،‭ ‬ثم‭ ‬صرفه‭ ‬الله‭ ‬عني‭).‬

على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬إذا‭ ‬استجوبك‭ ‬لابس‭ ‬نظارة‭ ‬سوداء‭ ‬في‭ ‬مطار‭ ‬غربي‭ ‬فمن‭ ‬الخير‭ ‬لك‭ ‬أن‭ ‬تعترف‭ ‬بأنك‭ ‬إرهابي‭ ‬على‭ ‬خفيف،‭ ‬لا‭ ‬أنت‭ ‬في‭ ‬الخلايا‭ ‬الإرهابية‭ ‬النائمة،‭ ‬ولا‭ ‬الخلايا‭ ‬الصاحية‭. ‬قل‭ ‬لهم‭ ‬إنك‭ ‬في‭ ‬الخلايا‭ ‬الناعسة‭! ‬يعني‭ ‬تعترف‭ ‬بأنك‭ ‬فكرت‭ ‬مجرد‭ ‬تفكير‭ ‬في‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬تنظيم‭ ‬إرهابي،‭ ‬ولكنك‭ ‬اصبت‭ ‬بالنعاس‭ ‬وفات‭ ‬عليك‭ ‬ان‭ ‬تستكمل‭ ‬إجراءات‭ ‬العضوية،‭ ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الحالة‭ ‬سيسجنونك‭ ‬فترة‭ ‬بسيطة‭ ‬لا‭ ‬تزيد‭ ‬على‭ ‬سنة‭ ‬أو‭ ‬اثنتين‭ ‬ثم‭ ‬يطلقون‭ ‬سراحك،‭ ‬ويا‭ ‬ويلك‭ ‬إذا‭ ‬عاندت‭ ‬لأنهم‭ ‬قد‭ ‬ينقلونك‭ ‬إلى‭ ‬مكان‭ ‬كسجن‭ ‬أبو‭ ‬غريب‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬وكلنا‭ ‬نعرف‭ ‬كيف‭ ‬ان‭ ‬الفتاة‭ ‬المستنسخة‭ ‬من‭ ‬ضفدع‭ ‬‮«‬ليندي‭ ‬إينغلندا‮»‬‭ ‬كانت‭ ‬تعذب‭ ‬السجناء‭ ‬بالسير‭ ‬أمامهم‭ ‬وهي‭ ‬عارية،‭ ‬وما‭ ‬أقسى‭ ‬على‭ ‬السجين‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬حارسة‭ ‬سجن‭ ‬تشبه‭ ‬روبرت‭ ‬موغابي‭.‬

النظارة‭ ‬السوداء‭ ‬التي‭ ‬يرتديها‭ ‬من‭ ‬يلاقونك‭ ‬في‭ ‬مطارات‭ ‬أمريكا،‭ ‬من‭ ‬اختراع‭ ‬العالم‭ ‬الإسرائيلي‭ ‬عامير‭ ‬ليبرمان،‭ ‬وهي‭ ‬جهاز‭ ‬لكشف‭ ‬الكذب،‭ ‬مزود‭ ‬برقاقة‭ ‬دقيقة‭ ‬تتولى‭ ‬تحليل‭ ‬الموجات‭ ‬الصوتية‭ ‬وتحلل‭ ‬نبرات‭ ‬الصوت،‭ ‬ودرجة‭ ‬توتر‭ ‬الشخص‭ ‬الخاضع‭ ‬للاستجواب،‭ ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬أن‭ ‬المئات‭ ‬من‭ ‬الأبرياء‭ ‬سيتعرضون‭ ‬للسجن‭ ‬والمرمطة‭ ‬خلال‭ ‬زياراتهم‭ ‬المرتقبة‭ ‬للدول‭ ‬الغربية،‭ ‬فأنت‭ ‬مثلا‭ ‬قلت‭ ‬لزوجتك‭ ‬إنك‭ ‬ذاهب‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬لدخول‭ ‬مايو‭ ‬كلينيك‭ ‬لاستئصال‭ ‬اللوزتين،‭ ‬وردت‭ ‬عليك‭ ‬بقولها‭ ‬إنه‭ ‬سبق‭ ‬لك‭ ‬استئصال‭ ‬اللوزتين‭ ‬في‭ ‬القاهرة‭ ‬قبل‭ ‬سنتين،‭ ‬فتفحمها‭ ‬بقولك‭ ‬إن‭ ‬اللوزتين‭ ‬نبتتا‭ ‬من‭ ‬جديد،‭ ‬مما‭ ‬يتطلب‭ ‬مهارات‭ ‬جراحية‭ ‬لا‭ ‬تتوافر‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬مكان‭ ‬مثل‭ ‬مايو‭ ‬كلينيك‭! ‬وحقيقة‭ ‬الأمر‭ ‬أنك‭ ‬تعتزم‭ ‬التوجه‭ ‬إلى‭ ‬شواطئ‭ ‬ميامي‭ ‬في‭ ‬فلوريدا‭ ‬حيث‭ ‬اللاتينيات‭ ‬من‭ ‬طراز‭ ‬حنيفر‭ ‬لوبيز،‭ ‬ولكنك‭ ‬وعندما‭ ‬يستجوبك‭ ‬أبو‭ ‬نظارة،‭ ‬لن‭ ‬تستطيع‭ ‬أن‭ ‬تقول‭ ‬مثلا‭ ‬إنك‭ ‬تريد‭ ‬دعم‭ ‬العنصر‭ ‬النسائي‭ ‬في‭ ‬المعارضة‭ ‬الكوبية،‭ ‬وستقول‭ ‬كلاماً‭ ‬سخيفاً‭ ‬مثل‭: ‬أريد‭ ‬زيارة‭ ‬المتاحف‭ ‬ومعارض‭ ‬الفنون‭!! ‬هنا‭ ‬سيومض‭ ‬مصباحا‭ ‬صغيرا‭ ‬في‭ ‬النظارة‭ ‬ليقول‭ ‬إنك‭ ‬كاذب‭ ‬أشر‭! ‬وبعدها‭ ‬ستركب‭ ‬كل‭ ‬عفاريت‭ ‬الأرض‭ ‬لابس‭ ‬النظارة،‭ ‬ويمسك‭ ‬بك‭ ‬من‭ ‬تلابيبك‭ ‬ويجرجرك‭ ‬من‭ ‬غرفة‭ ‬إلى‭ ‬أخرى‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬أربعة‭ ‬أيام،‭ ‬تحرم‭ ‬خلالها‭ ‬من‭ ‬النوم،‭ ‬وتجد‭ ‬نفسك‭ ‬في‭ ‬اليوم‭ ‬الخامس‭ ‬تعترف‭ ‬بأشياء‭ ‬عجيبة‭: ‬الحقيقة‭ ‬أسامة‭ ‬بن‭ ‬لادن‭ ‬أعطاني‭ ‬أمس‭ ‬ثلاثين‭ ‬ألف‭ ‬دولار‭ ‬صومالي‭ ‬كي‭ ‬أقوم‭ ‬بتوصيلها‭ ‬إلى‭ ‬ابنه‭ ‬محمد‭ ‬المختبئ‭ ‬في‭ ‬فيلا‭ ‬في‭ ‬سان‭ ‬فرانسيسكو‭ ‬جنوب‭ ‬تكريت‭ ‬ليشتري‭ ‬بها‭ ‬آيسكريم‭ ‬مفخخا‭! ‬

يا‭ ‬عرب‭: ‬والله‭ ‬مشكلة‭. ‬إذا‭ ‬ذهبتم‭ ‬إلى‭ ‬أمريكا‭ ‬فضحتكم‭ ‬النظارات‭ ‬السوداء،‭ ‬وإذا‭ ‬ذهبتم‭ ‬إلى‭ ‬بانكوك‭ ‬اصطادتكم‭ ‬بلاوي‭ ‬فقدان‭ ‬المناعة‭! ‬داهية‭ ‬تاخد‭ ‬عامير‭ ‬وتاخد‭ ‬أمريكا‭.‬

إقرأ أيضا لـ"جعفـــــــر عبــــــــاس"

هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟

لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك

الاسم:
النص:
تبقى لديك (600حرف

aak_news



الموافقة على استخدام ملفات تعريف الارتباط

يستخدم هذا الموقع ملفات تعريف الارتباط أو تقنيات مشابهة ، لتحسين تجربة التصفح وتقديم توصيات مخصصة. من خلال الاستمرار في استخدام موقعنا ، فإنك توافق على سياسة الخصوصية الخاصة بنا