استضافت القاهرة مؤتمر دول الجوار مؤخرا؛ في محاولة لإيجاد مخرج للصراع في السودان، وقبلها كانت مدينة جدة السعودية مسرحا لمفاوضات غير مباشرة بين طرفي النزاع؛ أي الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، برعاية سعودية أمريكية، وتواصل نفس المدينة استعدادها لاستضافة جولات ومفاوضات أخرى بين الجانبين في محاولة لتثبيت وقف إطلاق النار وإيجاد حل للصراع في البلاد.
والحقيقة أن هذا النوع من المواجهات المسلحة هناك ما يشبه الاستحالة أن يحسمه أحد طرفي الصراع جذريا لصالحه، حتى لو تقدم الجيش السوداني وسيطر على المدن الرئيسية، فلو نجح الجيش في تفكيك قوة الدعم السريع فإنه غير مطروح أن ينهي وجود عناصرها التي تقدر بأكثر من 100 ألف، وسيعاد مرة أخرى طرح سؤال دمجها في المجتمع والمؤسسات النظامية، وإعادة بناء المؤسسة العسكرية بصورة تسمح بدمج عناصر الوافد الجديد، وهي كلها تحديات كبرى يجب بحثها من الآن، حتى يصبح وقف إطلاق النار طريقا لتسوية سياسية.
ويمكن أن تدعم القوى المدنية المسار السلمي إذا احتفظت بحيادها بين طرفي الصراع، واعتبرت أن أحد شروط الانتقال الديمقراطي هو توحيد المؤسسة الأمنية والعسكرية، والحفاظ على مهنية مؤسسات الدولة وحيادها، ويكون من الوارد تغيير بعض القيادات وليس هدم المؤسسات.
وهذا يتطلب عدم النظر إلى الجيش على انه امتداد للنظام القديم، والخلط بين أفراد يمكن أن يحسبوا على النظام القديم وبين مؤسسة عسكرية يجب الحفاظ عليها وتوحيد فصائلها وضمان حيادها.
إذا نجحت المؤتمرات التي تعقد في المنطقة في وقف إطلاق النار بين طرفي الصراع، فإن هذا يعني ضرورة التحرك على المستويين الإنساني والسياسي لإيجاد مخرج للصراع الدموي، والتوافق على مسار سياسي جديد.
مطلوب أن يراجع الجميع أخطاءه ويعمل على تصحيحها، ومطلوب أيضا أن تكون هناك نظرة شاملة إلى تاريخ السودان المعاصر، فنحن أمام بلد استقل منذ 67 عاما، عرف فيها حكما أو دورا مدنيا في الحكم حوالى 10 سنوات، والسؤال الذي يجب أن يطرح: لماذا يتعثر نظام الحكم في السودان؟.
الواقع أن هذا حدث أكثر من مرة، سواء في عهد حكومة إسماعيل الأزهري عقب الاستقلال، أو في رهانات بعض القوى المدنية على أحد طرفي الصراع الحالي من المكون العسكري، وهو واقع يجب مواجهته بشفافية، وتقديم مخرجات للتعامل معه، لا القفز عليه بشعارات سياسية.
على السودانيين وكل الحريصين على مساعدة هذا البلد، أن يبدأوا بطرح سؤال: لماذا فشلنا؟ ولماذا فشل المسار الانتقالي الذي ظل مأزوما على مدار 4 سنوات؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
لا يجب تحميل القوى المدنية بمفردها مسؤولية الفشل، ونفس الأمر ينسحب على الجميع فالكل مسؤول، وحان وقت المراجعة وتصحيح الأخطاء.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك