يعرف المحتوى الرقمي بأنه البيانات والمعلومات المتوافر منها والمخزنة على شكل نصوص أو مقاطع الفيديو والصوت أو المستندات على الفضاء الإلكتروني، التي تكون متاحة للعموم على مواقع الإنترنت، أو البوابات الإلكترونية، أو محركات البحث وعلى برامج التعرف على الصوت والصورة، والترجمة ومنصات التواصل الاجتماعي والمكتبات الرقمية. فحجم ونوع المحتوى الرقمي لأي لغة أو أمة على الفضاء الإلكتروني يعكس صورة ذهنية مهمة عن تطورها ونموها، وهو الحضور الذي يبرز هوية وثقافة وعلم وإسهامات الأمم بشكل خاص على الفضاء الإلكتروني، حيث لا يزال المحتوى الرقمي العربي يعاني تدنيا في حضوره على الشبكة العنكبوتية بنسبة قد لا تتجاوز الـ3 بالمائة في أحسن حالاتها من حجم المحتوى الرقمي الكوني، متذيلا أي (المحتوى الرقمي العربي) ترتيب حضور الأحد عشر محتوى باللغات المستخدمة على الإنترنت حول العالم، فمثلا سجل المحتوى الرقمي باللغة الإنجليزية حضورا بنسبة 53.4 في المائة من المحتوى الرقمي العالمي متصدرا الترتيب، وعلى الرغم من أن متحدثي اللغة العربية البالغ عددهم أكثر من٤٠٠ مليون شخص الذين يتحدثونها كلغة أولى وبترتيب رابع كونها اللغة الأوسع انتشارا حول العالم بعد الإنجليزية والصينية والهندية، وعلى الرغم من زخم حضور ثقافتها وتاريخها فإن حضورها الرقمي لا يزال دون التوقعات والطموحات.
إن الذكاء الاصطناعي وبكل ما قيل عنه وما حيك حوله من قصص وأهوال ما هو إلا مجموعة من الأدوات التكنولوجية والتقنية المستخدمة لمحاكاة السمات والطبائع البشرية المعروفة، كالإحساس والذكاء والتحليل واتخاذ القرارات والتي تعتمد على تحليل كم كبير من البيانات الضخمة وتطبيق مدهش للمعادلات الرياضية وخوارزميات معقدة للوصول إلى أنماط ومعلومات يمكن التعامل معها، حيث بات الذكاء الاصطناعي حاضرا في أغلب مفاصل وقطاعات حياتنا العامة كالصحة والتخطيط الحضري والزراعة والأمن والنقل والمواصلات والتعليم والبحث العلمي والصناعة وغيرها، لتقوم هذه الأدوات والتقنيات بتوفير المال والوقت والجهد وتوفر أيضا الحلول الإبداعية لمشاكل تنمية وتطور هذه القطاعات.
بات من الملاحظ أن تطبيقات وأدوات الذكاء الاصطناعي الآن في مراحل سريعة من التطور والتنوع في خدمة صناعة المحتوى على الإنترنت، فهذه التطبيقات وجدت لتسهيل المهام في الكتابة والنشر والترويج، وفي حال المحتوى الرقمي العربي فإن هناك العديد من التطبيقات التي تستخدم اللغة العربية بشكل مبدئي أو تجريبي في إنشاء النصوص (الشات جي بي تي) مثلا أو الصور أو مقاطع الفيديو (الكانفا) أو خدمات الترجمة للكتب والدوريات كتطبيق (أي ترانزليت) وإضافتها إلى المواقع ذات الاختصاص أو ترجمات مقاطع الفيديو والصوت كما في منصة (اليوتيوب) التفاعلية ودلالات الكلمات المفتاحية وتوفيرها في منصات البحث كما في محرك البحث (جوجل) وفهم متطلبات الجمهور العربي وتحديد اهتماماته والتنبؤ بها كخوارزميات (الفيسبوك) و (أمازون) والقريبة بنسبة كبيرة من الدقة أو حتى الاستعانة بصور وخرائط الطرق كما في العديد من تطبيقات تحديد المواقع والوصول.
يمكن للذكاء الاصطناعي أيضا أن يسهم في تحسين جودة المحتوى العربي من خلال تحليل النصوص وفحصها للتأكد من خلوها من الأخطاء اللغوية والمعلومات غير الدقيقة كتطبيق (شكلني) وعدد من التطبيقات التي تقدم الاقتراحات لتطوير المحتوى وزيادة تحسينه ووصوله.
وهنا لا بد من الإشارة إلى العديد من التحديات التي تحد نسبيا من تطور المحتوى الرقمي العربي باستخدام أدوات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي أو غيره وأهمها:
1- الاتصال بشبكة الإنترنت والبنى التحتية: كوجود مناطق لا تتوافر فيها الخدمات الجيدة من الإنترنت والاتصالات ونقل البيانات.
2- توافر البيانات: ما يقضيه المواطن العربي من ساعات يوميا على الإنترنت هو (استهلاك) في مجمله كالألعاب والتصفح والنسخ واللصق من دون المساهمة في إثراء المحتوى الرقمي العربي، حيث إن حجم البيانات ونوعها التي يغذيها المستخدم العربي للمحتوى الرقمي العربي يوميا لا يزال دون المطلوب، مما يؤثر سلبا على دقة وموثوقية النتائج المرجوة لتطوير المحتوى الرقمي العربي.
3- التشريعات والقوانين التي تنظم وتشرعن عمليات الرقمنة والتحول الإلكتروني للخدمات الإلكترونية والوصول إلى البيانات وغيرها كعمليات البيع والشراء.
في النهاية، يمثل الذكاء الاصطناعي فرصة ذهبية كبيرة لتطوير وتحسين المحتوى الرقمي العربي وتوفير محتوى ملائم لثقافته وعلمه وتاريخه، ومع استمرار التطورات التقنية، ستستمر العلاقة بين المحتوى الرقمي العربي وتطبيقات الذكاء الاصطناعي في التطور والازدهار لتلبية الطموح المنشود في الحضور الرقمي العربي الحقيقي والفعلي العلمي والثقافي على الفضاء الإلكتروني تعزيزا لحضور لغة الضاد وأمتها في ريادة الأمم.
{ باحث مختص في التكنولوجيا والإبداع
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك