لم يضف الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوج شيئًا ذا قيمة كبيرة في خطابه في الكونجرس الأمريكي في يوم 19 يوليو 2023.
كانت اللغة التي استخدمها الرئيس الإسرائيلي لغة نموذجية مألوفة. فقد تحدث عن «الرابطة المقدسة»، ووصف التجربة المشتركة بين البلدين بأنها «فريدة من حيث النطاق والجودة»، واحتفى «بالقيم العظيمة المشتركة التي تصل عبر الأجيال».
لكن هذه اللغة المسرحية كانت تهدف إلى إخفاء حقيقة غير مريحة: حقيقة أن العلاقة بين إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية تتغير على مستوى أساسي.
قبل يومين من خطاب هرتسوج، أعلن زعيم المعارضة ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق يائير لابيد أن «الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد أقرب حليف (لإسرائيل)». كانت كلمات لابيد مزيجًا من الحقائق والانتهازية السياسية.
يحرص لابيد وآخرون في معسكره على تحميل رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو مسؤولية تدهور العلاقات بين البلدين، أو بالأحرى مسؤولية إضعاف «السند المقدس» و«السند غير القابل للكسر»، والذي ارتبط منذ سنوات عديدة بالبلدين معًا – الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
ومع ذلك، فإن التقييم الذي قدمه لابيد غير دقيق. وفي حين أنه من الصحيح أن نتنياهو لعب دورًا في توسيع المسافة بين تل أبيب وواشنطن، إلا أن تلك المسافة كانت تنمو بناءً على ديناميكيات أخرى – ديناميكيات تتعلق أساسا بمزيج من التغيرات والاتجاهات السياسية والجيوسياسية والديموغرافية.
لكن أي تقييم من التقييمين اللذين قدمهما هرتسوج ولايبيد هو أقرب إلى الحقيقة؟ ادعاء هرتسوج بوجود «رابطة مقدسة» أم تأكيد لابيد الأكثر دراماتيكية في حديثه عن التحالف المتعثر بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل.
سعيا إلى التعمق في مناقشة هذا السؤال، يجب أن ننظر إلى ما هو أبعد من التصريحات العلنية المبالغ فيها التي أدلى بها مسؤولون من كلا البلدين، وخاصة من قادة الحزبين الأقوياء في الولايات المتحدة الأمريكية - الجمهوريين والديمقراطيين. ومن حيث اللغة المستخدمة، تصر قيادات الحزبين على أن إخلاص واشنطن لإسرائيل يتجاوز السياسة وأن أمن إسرائيل فوق مسألة الاستقطاب السياسي الأمريكي.
في خطاب ألقاه في الكنيست الإسرائيلي (البرلمان) في يوم 1 مايو 2023، اتبع رئيس مجلس النواب الأمريكي كيفين مكارثي النص الأمريكي النموذجي عن إسرائيل. فقد تحدث هو أيضًا عن «العلاقات غير القابلة للكسر» و«الدعم الأمريكي من الحزبين»، وقد قوبل ذلك الكلام بتصفيق قوي ضجت به القاعة.
يعتبر الرئيس الأمريكي الديمقراطي بايدن مؤيدا قويا لإسرائيل، وهو الذي اشتهر بالعبارة التي ظل يكررها مرارا وتكرارا التي يقول فيها: «ليس عليك أن تكون يهوديًا لتكون صهيونيا» والتي أصبحت الآن تعويذة بين حلفاء الولايات المتحدة لإسرائيل.
ومع ذلك، في حين أن القرابة الجمهورية لإسرائيل لا تزال قوية، فإن العلاقة بين الديمقراطيين وإسرائيل ليست كذلك، بل إن هذه العلاقة باتت ضعيفة. ففي شهر يونيو 2022 أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز بيو للأبحاث أن «المزيد من الديمقراطيين وأولئك الذين يميلون إلى الديمقراطية يعبرون عن وجهة نظر إيجابية تجاه الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين».
لذا، فإن الفكرة القائلة بأن إسرائيل هي قضية مشتركة بين الحزبين السياسيين الأبرز في الولايات المتحدة الأمريكية هي ببساطة غير صحيحة. لا عجب أن الرئيس جو بايدن قد أجل مدة سبعة أشهر دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض بعد تشكيل الحكومة الائتلافية الأخيرة في إسرائيل.
إن الائتلاف الذي شكله بنيامين نتنياهو، والمليء بالسياسيين اليمينيين المتطرفين، هو ببساطة عبء على أي نظام ديمقراطي في أي مكان في العالم.
يتفق العديد من الإسرائيليين، معتقدين كليًا أو جزئيًا أن حكومتهم لم تعد ديمقراطية - بسبب سيطرة نتنياهو المتزايدة على مؤسسات الدولة التي كانت مستقلة في يوم من الأيام. في هذا الخضم، تسعى إدارة جو بايدن إلى إيجاد نوع من التوازن.
في شهر مايو 2023 قال جو بايدن للصحفيين في مايو الماضي «أنا قلق للغاية... إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في هذا الطريق، ولقد أوضحت ذلك نوعًا ما».
هذا هو بايدن نفسه الذي اعتبر أن الاقتراح الذي قدمه المرشح الرئاسي الأمريكي السابق بيرني ساندرز بحجب الأموال عن إسرائيل بسبب سوء معاملتها للفلسطينيين وتنكيلها بهم – هو «اقتراح غريب».
تمنح واشنطن إسرائيل ما لا يقل عن 3.8 مليارات دولار سنويًا كمساعدات عسكرية. إذا استمر الاتجاه المعادي لإسرائيل بين الديمقراطيين، فإن الدعوات بحجب الأموال في العام المقبل قد لا تبدو «غريبة».
تحت ضغط مكثف من اللوبي القوي المؤيد لإسرائيل، قرر الرئيس جو بايدن في يوم 17 يوليو 2023 توجيه الدعوة إلى بنيامين نتنياهو لزيارة البيت الأبيض، لكن الزيارة، بالنظر إلى الاحتجاجات المتصاعدة ضد نتنياهو، من غير المرجح أن تعيد العلاقات بين واشنطن وتل أبيب إلى سالف زخمها.
في الواقع، حتى لو هدأت الاحتجاجات، فلن تعود العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل إلى ما كانت عليه.
لأكثر من عقد من الزمان، انسحبت الولايات المتحدة الأمريكية ببطء، ولكن بشكل لا لبس فيه، من منطقة الشرق الأوسط. وقد كان ذلك الانسحاب ناتجا جزئيا عن النتائج الكارثية للغزو العسكري الأمريكي للعراق، بالإضافة إلى القوة المتنامية للصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ.
دق الانسحاب الأمريكي أجراس الإنذار في إسرائيل، حيث حث السياسيون الإسرائيليون والمفكرون الرئيسيون على الاعتماد على الذات. أدى ذلك إلى بحث إسرائيلي الدؤوب عن حلفاء جدد وهم في معظمهم في جنوب الكرة الأرضية.
ساعد نجاح هذه الحملة، من وجهة نظر نتنياهو، إسرائيل على تحرير نفسها إلى حد ما من أي التزام بأجندة الولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، بما في ذلك الانخراط في «عملية السلام» بقيادة الولايات المتحدة مع القيادة الفلسطينية.
على الرغم من إصرار الرئيس جو بايدن، خلال رحلته التي قادته إلى منطقة الشرق الأوسط في شهر يوليو 2022، على الحاجة إلى عملية سلام «متجددة» بين إسرائيل والفلسطينيين، لم تدعم تل أبيب ولا يبدو أنها لاحظت مسعى واشنطن الجديد.
في ذلك الوقت، لم يكن نتنياهو رئيسًا للوزراء، حيث كانت إسرائيل محكومة من قبل ائتلاف حكومي بقيادة يائير لابيد نفسه.
في الوقت الذي يتم فيه إلقاء اللوم على نتنياهو بشكل ملائم وتحميله المسؤولية عن تراجع العلاقات بين الولايات الأمريكية وإسرائيل، فقد كان فك الارتباط عن واشنطن، في الواقع، قرارًا جماعيًا وعملية طويلة الأمد.
عندما أعلن وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، في يوم 10 يوليو 2023 أن «الرئيس بايدن يجب أن يستوعب أن إسرائيل لم تعد نجماً آخر في العلم الأمريكي»، كان فقط يكرر الخط الشعبي الذي يستخدمه الآخرون قبله.
لقد لجأ بنيامين نتنياهو إلى استخدام ذات اللغة عندما قال في شهر مارس 2023 للإدارة الأمريكية التي يقودها الرئيس الديمقراطي الحالي جو بايدن إن إسرائيل «دولة ديمقراطية قوية وفخورة ومستقلة». وعلى الرغم من أن الكثير من «استقلال» إسرائيل كان نتيجة الدعم الأمريكي غير المشروط، إلا أن الإسرائيليين بالكاد يعترفون بهذه الحقيقة.
تقدم مديرية التعاون الدفاعي الدولي في وزارة الدفاع الإسرائيلية (سيبات) تقارير مستمرة عن نمو الصادرات العسكرية لتل أبيب إلى بقية العالم. وبلغت هذه الصادرات 12.5 مليار دولار العام الماضي. تم تطوير معظم هذه التكنولوجيا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، أو بالاشتراك مع الولايات المتحدة، وتم تمويل الكثير من الأبحاث من قبل دافعي الضرائب الأمريكيين.
ومع ذلك، فإن هذا الشعور «بالاستقلال» أعطى نتنياهو الثقة اللازمة للتخلي عن الحزب الديمقراطي لصالح الجمهوريين الأكثر ملاءمة.
من جانبهم، ينظر الجيل الجديد من السياسيين الديمقراطيين إلى إسرائيل، وعلى الأقل اليمين الإسرائيلي، على أنها امتداد للحزب الجمهوري، وهو بالتالي ما يفسر هذا العداء المتزايد لإسرائيل.
ختاما لهذا التحليل يمكن القول بأن كلا من هرتسوج ولابيد مخطئان جزئيًا: «السند المقدس» أقل قدسية من أي وقت مضى، وسواء كانت الولايات المتحدة هي أقرب حليف لإسرائيل أم لا، فهذا لا يحدث فرقًا كبيرًا، حيث من غير المرجح أن تجد إسرائيل بديلاً للدعم الأعمى الذي تقدمه واشنطن في أي وقت قريب.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك