تناول الفصل الأول المعنون مرئيات أولية في رؤية المملكة2030 من الكتاب الموسوم «لا شيء مستحيل.. ملامح من منجزات الإصلاح والتنمية المستدامة في المرحلة الأولى لرؤية المملكة العربية السعودية2030» متابعة دقيقة لمسارات الرؤية بدءا من إطلاقها لتبشر بمرحلة جديدة مميزة من البناء التنموي المستلهم لمتطلبات الحاضر والمدرك لضرورات المستقبل، عبر اعتماد خطة استراتيجية بعيدة المدى «15 سنة»، بغية الارتقاء بالعملية التنموية فكرا وتطبيقا، وبما يحقق أهداف المملكة في تنويع مصادر الدخل وجذب الاستثمارات، وتوظيف مزاياها النسبية والتنافسية لما يخدم المواطن ويرفع من مستواه المعيشي ويعظم رفاهيته، وبما ينعكس إيجابا على إنتاجيته وعطائه لوطنه ومجتمعه. فجاءت رؤية المملكة وهي تحمل مخاض تجربة طويلة في ميادين الاقتصاد والسياسة، قادت الى مرئيات جديدة منها ما يعكس نضجا تنمويا، ومنها ما يعبر عن تبلور وعي سياسي جديد، وإدراك عميق بفشل سياسات رد الفعل والتعامل مع الظروف المتغايرة وفقا لمعطياتها الآنية فقط. فعلى صعيد النضج التنموي لم يعد الركون إلى الايرادات النفطية أمرا مجديا حتى وإن كانت المملكة أكبر منتج ومصدر للنفط في العالم. لذا لا بد من تنويع مصادر دخلها القومي ليس بشكل رديف للإيرادات النفطية فحسب، بل بديل شبه كامل عنها، وذلك هدف كبير يتطلب استثمارات شتى في ميادين وقطاعات عديدة تحقق قيمة مضافة عالية، كالقطاع السياحي بكامل مقوماته الدينية والثقافية والتاريخية وغيرها من القطاعات. ومما يميز الرؤية أنها احتوت على معايير ومؤشرات رقمية ملزم الجهاز التنفيذي في المملكة بالوصول اليها وتحقيقها في المرحلة الزمنية المحددة مسبقا، الامر الذي ييسر عملية التقييم والمراقبة على التنفيذ. كما تميزت بتجاوزها عقدة الخضوع التفصيلي لمرئيات بيوت الخبرة الاجنبية التي تصوغ الرؤى الاقتصادية للكثير من الدول. فقد فرضت قيادة المملكة مرئياتها ومقومات بيئتها الوطنية والعربية والإسلامية على مختلف مكونات الرؤية، فجاءت بحق رؤية سعودية عربية إسلامية تستلهم وتنمي وتطلق خصوصيتها لتكون قاعدة الإصلاح الاقتصادي المستقل، ولتقدم للعالم أنموذجا تنمويا جديدا. لذا فقد انطلقت من مكامن القوة في المملكة والمتمثلة بالمكانة الروحية للمملكة في العالمين العربي والإسلامي، ومن القدرات الاستثمارية الهائلة التي ستكون المحركة لتنويع الاقتصاد وتحقيق الاستدامة الاستثمارية، ومن أهمية الموقع الاستراتيجي للمملكة العربية السعودية بوصفها بوابة للعالم.
وقد اعتمدت رؤية المملكة على ثلاثة محاور رئيسية هي: المجتمع الحيوي، والاقتصاد المزدهر، والوطن الطموح. وهذه المحاور تتكامل وتتسق مع بعضها وصولا إلى تحقيق أهداف المملكة في المرحلة القادمة التي تجسدها الرؤية. ومما يثلج الصدر إدراك الرؤية المتنامي لأهمية توفير مقومات القوة العسكرية إلى جانب القوة الاقتصادية والبشرية، فقد أكّدت الالتزام بتوطين الصناعات العسكرية في المملكة، موضحة أن الأثر الإيجابي لتوطين الصناعات العسكرية لا يقتصر على توفير جزء من الإنفاق العسكري فحسب، بل يتعداه إلى إيجاد أنشطة صناعية وخدمات مساندة كالمعدات الصناعية والاتصالات وتقنية المعلومات، مما يسهم في خلق فرص عمل نوعية في الاقتصاد الوطني.
كما اهتمت الرؤية في تعزيز الأمن الغذائي الوطني عبر التوسع النوعي في القطاع الزراعي وقطاع الصيد البحري إلى جانب بناء مخزونات استراتيجية بمستويات آمنة وكافية لمعالجة الحالات الطارئة، فضلا عن تطوير قطاع الخدمات اللوجستية ولا سيما خدمات الموانئ والسكك الحديدية والطرقات والمطارات. وفي مجال السياحة الدينية ممثلة بالحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي الشريف، فإنّ الرؤية تسعى إلى مضاعفة أعداد المعتمرين من خلال زيادة الطاقة الاستيعابية لمنظومة الخدمات المقدمة لهم من نقل وإقامة وغيرها والارتقاء بجودتها. بالإضافة الى تطوير السياحة التاريخية والثقافية والتراثية والبحرية والعائلية والترفيهية وغيرها من مناشط السياحة المتاحة في المملكة. كما أكّدت الرؤية أهمية تنمية قطاع التعدين وزيادة مساهمته في الاقتصاد الوطني، وخاصة أن المملكة العربية السعودية تمتلك مخزونات معدنية كبيرة ومتنوعة كالألمنيوم والفوسفات والذهب والنحاس واليورانيوم وغيرها، وقد حققت في ذلك نجاحات باهرة. القطاع العملاق الآخر الذي ركزت عليه الرؤية هو القطاع العقاري، حيث تمتلك المملكة مساحات شاسعة من الاراضي، لا تزال بكرا، وهي تمثل خزينا استثماريا مأمولا. كما اهتمت الرؤية بقطاع الاعمال الخاص، فقد نصت الرؤية على «سنسهل ونسرع عملية منح التراخيص لأصحاب الأعمال، وسيكون الأثر التنموي للمشروعات هو المرجعية والأساس في ذلك، وسنهيئ بيئة مشجعة للاستثمار على المدى الطويل، كما سنسهل حركة الأفراد والبضائع، بما يجعل التنقل والإقامة أكثر سهولة ويسرا، وسنسهل إجراءات الجمارك في المنافذ كافة». وقد وفّت بذلك وأتاحت فرصا نوعية قل نظيرها لنهضة قطاع الأعمال الوطني أولا وجذب الاستثمار الأجنبي ثانيا.
{ أكاديمي وخبير اقتصادي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك