لقد أصبحت قضية البيئة والمحافظة عليها من أهم القضايا التي فرضت على المجتمع العالمي ضرورة الاهتمام بها ومعالجتها بشكل مستمر، ويرجع ذلك إلى ظهور مشكلات بيئية تهدد الحياة البشرية، ففي إطار حماية البيئة عقدت المؤتمرات العالمية وتعالت الأصوات بضرورة المحافظة عليها، إلا أن المشكلات البيئية تزايدت حدتها، حيثُ أدت الأنشطة البشرية سواء كانت فردية أو جماعية إلى إجهاد البيئة وكوكبنا الأرضي، وأشكال الحياة التي تعتمد عليه إجهادًا كبيرًا بفعل الضغط الهائل الذي تعرض له نتيجة هذه الأنشطة غير المدروسة. وبما أن الإنسان يسهم مساهمة كبيرة في التدهور البيئي والتدمير الواضح للتنوع الحيوي الذي نتج عنه التغيرات المناخية وارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض، فإن من الواجب عليه كذلك أن يقدم الحلول القابلة للتحقيق لتدارك المخاطر والتصدي للتحديات التي كان هو السبب الأساسي في نشأتها.
لذا كان الوعي البيئي هو الطريق لنشر المعرفة والوعي والفهم العميق للتحديات البيئية التي تواجه كوكب الأرض، بما في ذلك تلوث الهواء والماء والتربة وتدهور التنوع البيولوجي وتغير المناخ والاستنزاف المستمر للموارد الطبيعية، إذ اتّسمت الممارسات البشريّة في الآونة الأخيرة بخطورة كبيرة على النّظام البيئي للأرض، وسبّبت الكثير من المشاكل البيئيّة التي نعيشها حاليًا.
وبما أن الوعي البيئي يتعدّى اهتمام أفراد المجتمع بحياتهم فقط، فالأرض التي نعيش عليها ليست ملكًا للجيل الحالي، بل هي مسؤوليته في المحافظة عليها، لتوفير عالم صحّي خالٍ من المشاكل البيئيّة للأجيال القادمة، واتخاذ الإجراءات الضروريّة لمواجهة التحدّيات البيئيّة، المتوقّع حصولها في المستقبل نتيجة الممارسات البيئيّة الخاطئة، لذا يهدف الوعي البيئي إلى تعميق الفهم العميق للعلاقة بين الفرد والبيئة، وتشجيع السلوكيات الإيجابية التي تحمي البيئة وتحسن نوعية وجودة الحياة، وتحد من السلوكيات السلبية التي تؤدي إلى التدهور البيئي. ويتطلب الوعي البيئي مزيدًا من التعليم والتطبيق، وهو ما يمكن تحقيقه من خلال العديد من الأنشطة والمبادرات، مثل التعليم البيئي والتعليم في المدارس والجامعات، والمشاركة في الحركات البيئية والأنشطة الاجتماعية المتعلقة بالبيئة، والاستخدام المستدام للموارد الطبيعية، وتطوير التقنيات الصديقة للبيئة، وتشجيع المجتمعات ومؤسساتها على تبني تدابير وسياسات بيئية مستدامة.
إن حماية بيئتنا هي مهمة الجميع انطلاًقا من المؤسسات الرسمية وصوًلا إلى المواطن، فليس من الصعب أن نعتني بالبيئة التي نعيش فيها من المشكلات البيئية، والتي كنا سببًا أساسيًا في إيجادها، مثل مشكلات تراجع نسبة الغطاء النباتي، الذي نتج عنه مشكلة التصحر وزيادة التلوث، وتغير المناخ والجفاف، إلى جانب السلوكيات البشرية والتصرفات التي يقوم بها الفرد تجاه بيئته، والتي تعتبر من أهم مصادر الأزمة البيئية، مثل رمي النفايات بشكل عشوائي في محيطه الحيوي الذي يعيش فيه، أو استهلاك الموارد الطبيعية بشكل غير مدروس، وغيرها من السلوكيات التي نراها يوميًا، الأمر الذي يوضح غياب مفاهيم التربية البيئية والوعي البيئي المستدام. لذا فإن حماية البيئة تتطلب تكاتف مختلف الجهود المجتمعية والتشارك الفعلي المتكامل، والالتزام الصحيح بتطبيق التشريعات والقوانين في المجال البيئي. لذا فإن تعزيز دور المجتمع ومؤسساته في نشر الوعي البيئي وأهمية المحافظة على بيئة صحية آمنة تخلو من الملوثات، والعمل على دعم مقومات نشر الثقافة البيئية العامة بات أمرًا ضروريًا.
وقد برزت العديد من الجهود التي يقوم بها المجتمع البحريني، والتي تعدُ من الجهود الرائدة على مستوى العالم، ولا يخفى على أحد أن حماية البيئة أصبحت من التحديات التي تواجه العالم، حيثُ إن السلوك الإنساني هو العامل الأساسي الذي يحدد أسلوب وطريقة تعاملنا مع البيئة، واستغلال مواردها، ولا شك أن للتربية البيئية ونشر الوعي البيئي في المجتمع دورًا مهما في ترشيد هذا السلوك للحد من التهور الناتج عن أنماط الحياة الحديثة والسلوك الفردي، أما تأثير السلوك الفردي في البيئة فينُظر إليه في آن واحد كمصدر للمشاكل البيئية وكحل لها، مثلاً عن طريق السياسات التي تشجع على إعادة تدوير النفايات، واستخدام وسائل المواصلات والسيارات الصديقة للبيئة، وخاصة الموفرة للوقود العاملة بالطاقة الشمسية. إلى جانب دور تأكيد الالتزام بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف الذي يؤكد الالتزام بعادات وتقاليد مجتمعنا التي تفرض على الفرد احترام الآخرين وحقوقهم والإبقاء على الموارد الطبيعية للأجيال القادمة.
هناك عدة أساليب لنشر الوعي البيئي، أهمها التركيز على الممارسات والعادات اليومية التي يجب أن يمارسها الفرد، والعمل على إعادة برمجتها وتغييرها، وذلك بواسطة المؤسسات التعليمية والاسرة باعتبارهما شركاء فاعلين في نشر ثقافة الوعي البيئي في المجتمع، ولأن الثقافة هي أساس قوة أي أمة في العالم، بالدرجة الأولى، فإن هذه المسؤولية تقع على عاتق الأسرة التي بدورها تعمل على نشر هذا الوعي وتربية الناشئة الصغار بشكل صحي ومسؤول تجاه وطنهم. ويمكن أن يلعب الإعلام بجميع الوسائل المرئية والمسموعة والقابلة للقراءة دورًا فريدًا وفعالًا في مجال حماية البيئة من خلال ترجمة خدماتها إلى المزيد من البرامج التعليمية الهادفة إلى زيادة تأثير ومعرفة إيجابيات وأضرار الأنشطة البشرية على البيئة، حيثُ إن مصلحة الفرد أو المجتمع تكمن في وجوده ضمن بيئة سليمة وصحية آمنة.
وقد أدركت كل دول العالم والمجتمعات أهميّة نشر الوعي البيئي بين الأفراد، والتّثقيف به، لما له من انعكاسات على نوعيّة الحياة التي تؤثّر بصورة مباشرة وغير مباشرة على الإنسان، والحيوان، والنّبات، إذ تكمن أهميّة الوعي البيئي في النّقاط التّالية:
– تعزيز الصّلة بالعالم الحقيقي: من خلال تثقيف الأفراد بأنّ ممارساتهم لا تؤثّر فقط على بيئتهم الصّغيرة التي يعيشون فيها، بل تتعدّاها إلى وصول تأثير هذه الممارسات إلى مناطق حيويّة ومهمّة على كوكب الأرض وقد تؤثّر على نوعيّة الحياة ككل، في الممارسات البيئيّة الخاطئة لأمّة في جهة من الأرض، كما تؤثّر على الأمم الأخرى في مناطق مختلفة من الأرض، إذ يساعد الوعي البيئي في إدراك عواقب الأنشطة البشريّة على كوكب الأرض التي يشترك فيها الإنسان، مع الحيوان، والنّبات.
– الحفاظ على الموارد الطّبيعيّة: يعد الوعي البيئي أحد الوسائل التثقيفيّة المهمّة للحفاظ على الموارد الطّبيعيّة، والحد من إلحاق الضّرر بها نتيجة التصرّفات والممارسات البشريّة، فالوعي البيئي يرتكز على التّكامل بين مختلف مجالات الحياة، فالحياة الاقتصاديّة ليست منفصلة عن البيئة، ومثلها الحياة التكنولوجيّة، والجماليّة، والبيولوجيّة.
– إحداث فرق: يغرس الوعي البيئي في الأفراد أنّ تصرّفاتهم الفرديّة لها تأثير إيجابي أو سلبي على البيئة يُحسب له حساب، فكل فرد له تأثير واضح على البيئة، ما يساعد في تعميق الممارسات البيئيّة التصحيحيّة، مثل إعادة التدوير، أو استخدام الطّاقة النّظيفة، وتجنّب الرّعي أو الصيد الجائر، أو إلحاق الضّرر بالغطاء النباتي الأخضر.
– خلق جيل واعٍ بيئيًّا: يسهم التثقيف البيئي في سن مبكّرة على غرس القيم البيئيّة التصحيحيّة في الأجيال القادمة، التي سترث الأرض في المستقبل، ومدى تأثير وعيهم البيئي على تحسين نوعيّة الحياة على كوكب الأرض، وأنّ احترامهم للبيئة ومواردها، وعناصرها، يعني حياة افضل لهم ولأبنائهم في المستقبل، مما يدفعهم إلى ترشيد استهلاك المياه والكهرباء، وتجنّب أذيّة الحيوانات، والاهتمام بالزّراعة المنزليّة، وطرق إدارة النّفايات والتّعامل معها، من خلال إيمانهم أنّهم جزء من الحل للكثير من المشاكل البيئيّة الحاليّة، وأنّ الاهتمام بأحيائهم ومناطقهم كفيل بأن يعكس أثرًا إيجابيًا على المحيط الأكبر.
وأخيراً مما تقدم، فإنه لبناء وعي بيئي يشمل جميع أفراد المجتمع، يتطلب جهودًا علمية مؤسسية منظمة يتم التخطيط لها، والإعداد لمحتواها وفق منهاج متكامل، يتم تنفيذه من خلال التربية البيئية المباشرة بالتعليم البيئي المنتظم، والتربية البيئية غير مباشرة متمثلة بالإعلام البيئي، بحيث تسهم هاتان الوسيلتان في تعميق الإدراك المعرفي للبيئة وما يتعلق بها من معارف وتحديات، وبما يسهم في إكساب المهارات وتعزيز القدرات الملائمة لبناء القيم الأخلاقية والمواقف الإيجابية المتفاعلة مع البيئة وتحدياتها، ويسهم في استشعار المسؤولية الذاتية الفردية والجماعية نحو المحافظة على البيئة ومقدراتها، بترشيد الاستهلاك لمواردها من الاستنزاف والإسراف، وبما يحافظ على مكونات البيئة من كل مسببات اختلال التوازن الطبيعي، علاوة على ما يتصل بالبيئة من مجالات اجتماعية واقتصادية وتكنولوجية تعتبر جزءًا مهما من مكونات النظام البيئي تؤثر فيه وتتأثر بما ينتج عنه من مشكلات مستقبلية.
{ مختصة في فلسفة الدراسات البيئية وآليات التنمية المستدامة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك