نشر البنك الدولي تقريراً جديداً حول أحدث المستجدات الاقتصادية وبالخصوص حول «الآثار طويلة الأجل لارتفاع الأسعار وانعدام الأمن الغذائي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا» في شهر إبريل 2023، والتي ركز فيها على الجهود الرامية إلى مكافحة تضخم أسعار الأغذية وتداعياتها على الأسواق والاقتصادات الناشئة وخصوصاً للأسر التي تلاقي صعوبات في تلبية احتياجاتها الأساسية، حيث بلغ متوسط أسعار المواد الغذائية على أساس سنوي بين مارس وديسمبر 2022 حوالي 29 بالمائة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وهي نسبة أعلى من متوسط نسبة التضخم العالمية التي كانت 19.4 بالمائة. كما أظهرت الأدبيات والأبحاث أن سوء تغذية الأطفال يؤدي إلى العديد من المشاكل طويلة الأمد للأطفال منها: التقزم، ضعف الأداء التعليمي، انخفاض مدخولهم وسوء المردود على حالتهم الصحية عند بلوغهم، فضلاً عن أن هذه الآثار سوف تتناقل وراثياً عبر الأجيال، مما يوضح العلاقة بين تضخم أسعار المواد الغذائية وآثارها على المدى الطويل وأهمية الاهتمام بالسياسات العامة لتفادي المخاطر التي تسببها تهديدات الأمن الغذائي الحالية.
ومن بين السياسات العامة التي ركز عليها تقرير البنك الدولي، والتي يمكن تطبيقها على الفور كالتحويلات النقدية والعينية للطبقة الأشد تأثراً لارتفاع أسعار الأغذية، ورعاية الأطفال، والرعاية الطبية والوعي حول النظم الغذائية، وزيادة الإنتاج الداخلي للأغذية وغيرها من السياسات المهمة التي تساعد على الحد من التكاليف والآثار طويلة الأمد على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، خلص التقرير إلى حقيقة أن استخدام البيانات في المنطقة ضعيف وهي غير مهيأة للمتابعة وتتبع الأخطار المستمرة لانعدام الأمن الغذائي. ولكن كيف استفادت التكتلات الإقليمية، كرابطة جنوب شرق آسيا المعروفة بـ«آسيان»، بالمسألة المتعلقة باستخدام البيانات وأهميتها لمواجهة تحديات الأمن الغذائي؟
قامت دول رابطة آسيان بتبني مبادرة مع الصين واليابان وكوريا تسمى بنظام معلومات الأمن الغذائي التابع للمجموعة (AFSIS) وهي مبادرة تهدف إلى تحسين قدرة المنطقة على رصد حالات ومؤشرات الأمن الغذائي والتنبؤ بها وتحقيق عدة نواتج حاسمة:
أولاً، تمكن هذه المبادرة الدول الأعضاء من تقديم بيانات دقيقة حول أمنها الغذائي يمكن الاعتماد عليها، وبذلك يمكّن دول الرابطة من إنشاء قاعدة بيانات على المستوى الاقليمي وفقاً لمعايير موحدة.
ثانياً، توافر الوزارات المعنية ببيانات شاملة ضرورية لوضع الاستراتيجيات وتنفيذ سياسات الأمن الغذائي على المستوى الإقليمي.
ثالثاً، تسهم هذه المبادرة في إنشاء نظام موحد للإنذار المبكر وتوقعات لأسعار السلع الأساسية وتبسيط إدارة سياسات وبرامج الأمن الغذائي، مما يساعد على قياس حالة الأمن الغذائي على مستوى دول الرابطة بالإضافة إلى الصين واليابان وكوريا. ويساعد أيضاً على تحديد المناطق التي يحتمل أن تعاني من انعدام الأمن الغذائي، إلى جانب شدة الأوضاع التي تعاني منها لكي تتمكن من الحصول على المعونة والدعم الغذائي.
وأخيراً، يعزز النظام وعي الوكالات والجهات والمنظمات المهتمة بمسائل الأمن الغذائي، مما يضمن تحسين الاستجابات وتقديم الدعم بفعالية، وهو ما يخفف من العوائق التي يواجهها المتضررون، ويستفيد من هذه المنصة العديد من أصحاب المصلحة كصناع القرار والمصدرين والمستوردين والمزارعين في القطاع الخاص، بالإضافة إلى الأكاديميين ومراكز البحث لاستخدام المعلومات لأغراض أكاديمية.
ومن هنا، يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تبني مثل هذه المبادرة مع دول عربية أخرى لرصد حالات انعدام الأمن الغذائي ومواجهتها عن طريق التعاون الإقليمي لتسهيل صنع الاستراتيجيات والسياسات وإنشاء نظام موحد للإنذار المبكر وقياس حالات الأمن الغذائي في المنطقة.
والأهم، أن تكون هذه البيانات متاحة عبر موقع رسمي للجميع وغير محصورة على جهات معينة، بل يكون لجميع أصحاب المصلحة كرواد الأعمال، ومنظمات المجتمع المدني، والباحثين، وغيرهم القدرة على الوصول إلى هذه البيانات والاستفادة منها.
وفي الجزء القادم، سوف نسلط الضوء على أهم الفوائد التي يمكن لأصحاب المصلحة الاستفادة منها عند استخدامهم ووصولهم إلى هذه البيانات على المستويات الاجتماعية والاقتصادية، وغيرها من تسهيل اتخاذ القرارات القائمة على الأدلة والابتكار والتعاون والتدخلات المستهدفة لكل طرف من أطراف أصحاب المصلحة، والذي يمكن أن يساعد صناع القرار في معالجة مخاوف الأمن الغذائي.
{ مركز البحرين للدراسات
الاستراتيجية والدولية والطاقة
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك