في القمة الأخيرة التي عقدها الحلف الأطلنطي (الناتو) في شهر يوليو الماضي، أبدت الدول الأعضاء عزمها على مواصلة تزويد أوكرانيا بالدعم المادي والسياسي اللازمين لمواجهة روسيا، إلا أنها لم توافق بالمقابل على طلب الرئيس فولوديمير زيلينسكي بتسريع دخول أوكرانيا إلى هذا التحالف.
كانت أوكرانيا تضغط على دول حلف الناتو من أجل الحصول على موافقتها على الانضمام، لكن معظم الدول الأعضاء اعترضت على ذلك. كان أحد الأسباب الرئيسية الذي يفسر هذا الرفض هو أنه وفقًا لميثاق حلف الناتو، فإن العضوية الأوكرانية ستضع، في الواقع، الدول الأعضاء الآخرين في حرب مباشرة مع روسيا للدفاع عن سيادة أوكرانيا. كان ينظر إلى ذلك على أنه خطوة أبعد من اللازم.
كان القرار الذي توصل إليه أعضاء الناتو هو استمرار تدفق الأسلحة والمساعدات، فيما ستظل العقوبات المفروضة على روسيا سارية، لكن قبول أوكرانيا سيتأخر حتى نهاية الأعمال القتالية.
ما يقوله أعضاء الناتو للسيد زيلينسكي هو أن منحك كل ما تحتاجه لصد غزو أراضيك شيء واحد بالنسبة لنا وإعلان حرب قارية أوروبية شاملة مع روسيا شيء آخر مختلف تماما.
لا يخلو هذا التردد من ذكاء وحنكة وتقدير للأمور لأنه من المشكوك فيه أن يقبل الرأي العام في العديد من دول حلف الناتو مثل هذه الخطوة. والأكثر إثارة للتساؤل هو أنه حتى لو كان هناك دعم في بعض البلدان لمثل هذه الحرب مع روسيا، فإن الدعم لا بد أن يكون مستدامًا بمرور الوقت.
من المهم أن نتذكر المبادئ التوجيهية والعقيدة الفكرية لوزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن بأول التي يجب أن تتبعها أي دولة ديمقراطية قبل إعلان الحرب. من بين العناصر المدرجة في «مبدأ باول»، هناك عنصران لهما صلة خاصة بهذه الحالة.
أولاً، أصر باول على أنه يجب أن يكون هناك فهم واضح للتكاليف والعواقب وشروط المشاركة في الحرب. وثانيا، تؤكد العقيدة التي يستند إليها أنه يجب أن يكون هناك دعم عام كاف ومستدام لنجاح الجهود، خاصة إذا كان من المتوقع أن تكون الحرب طويلة.
وفقًا لهذه العقيدة التي لا تخلو من أبعاد سياسية وعسكرية واستراتيجية، إذا تعذر تلبية هذه الشروط، فسوف يتضاءل الدعم العام وسيؤدي تصاعد السخط الناتج إلى عدم تحقيق أي من الأهداف المرسومة.
بالمقابل، يجب ألا ننسى أن كولن باول القائل بهذه الشروط هو نفسه الذي تورط في الغزو العسكري والحرب في العراق، وقد انتهك باول هذين الشرطين وغيرها من المبادئ الواردة في «عقيدته» الخاصة، والكارثة التي أعقبت ذلك أثبتت فقط حكمة ملاحظاته السابقة.
بعد أن توقفنا عند هذه التفاصيل، من المهم التمعن في نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة زغبي في سبع دول أوروبية وهي المملكة المتحدة وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا وألمانيا وبولندا وتركيا، والذي اكتمل في مايو 2023.
كان هذا هو الاستطلاع الرابع من نوعه الذي تجريه مؤسسة زغبي لسبر المواقف الأوروبية تجاه الحرب. تم إجراء هذا الاستطلاع في خضم الدفعة المكثفة والقوية من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في حلف الناتو لتزويد أوكرانيا بأسلحة أكثر تطوراً تحسباً لـشن «هجوم الربيع» المنتظر في أوكرانيا، والقصف الروسي لأهداف مدنية أوكرانية، وتدمير سد كبير في أوكرانيا، ما هدد حياة العديد من التجمعات وأدى إلى فرار عشرات الآلاف من الأشخاص.
لقد أظهرت نتائج الاستطلاع المذكور أن هناك معارضة من حلف الناتو للغزو الروسي إلى جانب دعم الحلف لأوكرانيا، مع توخي الحذر بشأن التسرع في الموافقة على انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو، وهو موقف يتماهى أيضا وبوضوح مع مزاج الرأي العام الأوروبي الحالي.
كانت أهم النتائج التي توصلنا إليها من خلال هذا الاستطلاع كالآتي:
يواصل معظم الأوروبيين إلقاء اللوم على روسيا في الحرب ودعم قطع العلاقات مع روسيا واستمرار العقوبات المفروضة عليها.
في الوقت نفسه، أوضح أغلب الذين شملهم استطلاع الرأي أنهم «قلقون بشأن كلفة هذه الحرب ويعتقدون أنه ينبغي إيجاد حل وسط لإنقاذ الأرواح والموارد». يعتقد الثلث فقط أو أقل أن «الأمر يستحق عناء مواصلة القتال لوقف العدوان الروسي».
يقول حوالي الثلثين في معظم البلدان إن حكوماتهم يجب أن تكون أكثر استقلالية في الشؤون العالمية وأقل انسجامًا مع الولايات المتحدة الأمريكية. وبينما أحرقت روسيا جسورها مع معظم الأوروبيين الغربيين، ترى أغلبية كبيرة من المستجيبين أهمية قيام بلدانهم الآن بتطوير علاقات أوثق مع الصين.
أظهرت النتائج أيضا وجود دعم لقبول انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو في أربع دول فقط من الدول السبع التي شملها استطلاع الراي، ولم يقدم سوى المستجيبين في المملكة المتحدة وبولندا دعمًا فاترًا لإرسال قوات الناتو. لم يؤيد المستجيبون في أي بلد إرسال قواتهم إلى منطقة الحرب.
قد تتغير هذه المواقف في الأشهر المقبلة اعتمادًا على نجاح أو فشل الهجوم الأوكراني، وكيف يتكشف الوضع الداخلي في روسيا في أعقاب التمرد الفاشل من قبل مجموعة فاغنر.
لكن ما هو واضح في هذه المرحلة هو أن هناك قلقًا متزايدًا من حقيقة أن هذه الحرب التي أخبرنا معظم الذين شملهم استطلاع الرأي بأنهم يعتقدون أنها ستنتهي بسرعة، بل مستمرة بلا نهاية قريبة تلوح في الأفق.
أبدى المشاركون في استطلاع الرأي أيضا مخاوفهم الرئيسية خاصة من زيادة تكاليف المعيشة، وتدفق اللاجئين، وهو ما سيؤدي في نظرهم إلى تفاقم عقلية كراهية الأجانب للأحزاب السياسية على اليمين، واحتمال تحول الحرب إلى تهديدات أخرى مزعزعة للاستقرار من شأنها أن تؤثر على السلام في القارة الأوروبية بـأكملها وكما لوحظ، هناك قلق إضافي من أن حكوماتهم تبدو وكأنها تسمح للولايات المتحدة الأمريكية بتحديد اتجاه سياستها الخارجية.
{ رئيس المعهد العربي الأمريكي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك