في الثاني من أغسطس الأسبوع الماضي حلت الذكرى الثالثة والثلاثون للغزو العراقي لدولة الكويت عام 1990، ذلك الغزو الذي تطلب تكوين تحالف دولي يضم 34 دولة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير دولة الكويت من ذلك الغزو وفقاً لقرارات أممية التي بلغت اثني عشر قراراً أصدرها مجلس الأمن جميعها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يجيز استخدام القوة العسكرية لإنهاء العدوان وتحقيق السلم والأمن الدوليين، وهي القرارات التي صدرت خلال ستة أشهر في فترة انعقاد دائم لمجلس الأمن خلال تلك الأزمة، وربما تكون أحداث الغزو وما تلاها معروفة إلا أن ذلك التحالف الدولي الذي استطاع إنهاء الغزو والحفاظ على توازن القوى في منطقة الخليج العربي لم يكن سوى أحد ستة تحالفات شهدتها منطقة الخليج العربي على مدى تاريخها، وإن تباينت أهدافها وأطرافها والنتائج التي حققتها، ولكن يجمعها هدف واحد وهو الحفاظ على أمن منطقة الخليج العربي التي تقع ضمن محيط إقليمي مضطرب شهد العديد من الأزمات كان لها انعكاس مباشر على أمن دول الخليج العربي حتى وإن أرادت انتهاج سياسة الحياد.
ووفقاً لمفهوم التحالفات الذي يعني وجود التزام تعاقدي بين الدول بهدف اتخاذ سياسات وتدابير عسكرية جماعية تعكسها مؤسسات لهذا الغرض، فإن إقرار دول الخليج العربي تأسيس قوات درع الجزيرة عام 1982 في تقديري يعد أول تلك التحالفات في منطقة الخليج العربي كونها الآلية العسكرية الذاتية لحماية دول الخليج العربي وحرص دول الخليج على تطوير تلك الآلية في أعوام 1993 و2005 و2009 وصولاً إلى تغيير مسماها إلى القيادة العسكرية الموحدة لدول مجلس التعاون في يناير 2021، وكان لتلك القوات دور مهم خلال الحرب العراقية- الإيرانية وحرب تحرير دولة الكويت، فضلاً عن الحفاظ على أمن دول الخليج خلال الغزو الأمريكي للعراق عام 2003.
ويأتي التحالف الثاني وهو تحالف الإرادة الجادة الذي قادته إدارة الرئيس الأمريكي رونالد ريجان خلال الفترة من يوليو 1987 حتى سبتمبر 1988 من أجل حماية ناقلات النفط في الخليج العربي، والذي قام طرفا الحرب باستهدافها خلال الحرب العراقية- الإيرانية وهو التحالف الذي لم تكن مهمته أمراً سهلاً، وخاصة مع نقص كاسحات الألغام وعدم وجود اتفاق دولي على مسألة التدخل آنذاك، فضلاً عن ارتباط الأمر بالصراع خلال الحرب الباردة، ولم تكن منطقة الخليج العربي بمنأى عن ذلك الصراع، ولكن النتيجة النهائية كانت حماية ناقلات النفط من خلال تعاون كبير بين دول الخليج العربي وقوات ذلك التحالف.
ويتمثل التحالف الثالث في التحالف الدولي لتحرير دولة الكويت، الذي ارتبط أيضاً بظروف انتهاء الحرب الباردة وكان فرصة مواتية للولايات المتحدة والدول الغربية عموماً لتأكيد مفهوم القطبية الأحادية في النظام الدولي آنذاك، إلا أنه كان تطبيقاً مهماً لقرارات الأمم المتحدة وفقاً للفصل السابع، صحيح أنها ملزمة وتجيز استخدام القوة، ولكن بالنظر إلى عدم وجود جيش دولي تحت تصرف المنظمة الأممية فقد دأبت الدول الأعضاء على تأسيس تحالفات تؤسس على مضامين تلك القرارات ثم المادة 51 من ميثاق المنظمة التي تقر حق الدفاع الشرعي عن النفس للدول فرادي أو جماعات حال التعرض لاعتداء.
وفي مارس عام 2015 جاء التحالف الرابع الذي شهدته منطقة الخليج العربي، وهو التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية ويضم عشر دول تتباين مساهماتها، وكان ذلك بطلب من الرئيس اليمني، وهو التحالف الذي استهدف حماية الأمن الإقليمي لدول الخليج إلا أن الأمر المهم هنا هو أنه أيضاً جاء وفقاً لحق الدفاع الشرعي عن النفس وطلب الدولة المعنية الدعم من المنظمات الإقليمية وإشارة بعض القرارات الدولية لذلك الحق.
وإذا كان هدف التحالفات السابقة الحفاظ على توازن القوى الإقليمي فإن تغير طبيعة التهديدات قد تطلبت أيضاً تأسيس تحالفات لمواجهتها، وكان التحالف الخامس هو التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب عام 2015، وهو مبادرة سعودية كإطار يضم الدول الإسلامية لمحاربة الإرهاب، ولكن ليس من الناحية العسكرية فحسب بل على الصعد الأمنية والإعلامية والفكرية ويعمل وفقاً لمواثيق منظمة المؤتمر الإسلامي والأمم المتحدة ومقره الرياض.
وبالنظر إلى تجدد تهديدات الملاحة البحرية في الخليج العربي مجدداً في عام 2019 فقد جاء تأسيس التحالف السادس وهو التحالف العسكري البحري لأمن الملاحة في نوفمبر 2019 بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وعضوية 6 دول من بينها 3 من دول الخليج العربي وهي المهمة التي أطلق عليها «سانتينال» وتستهدف حماية الملاحة في المنطقة التي تمتد من الخليج العربي مروراً بخليج هرمز وبحر عمان حتى باب المندب.
ومع أهمية تلك التحالفات للحفاظ على أمن الخليج العربي وتوازن القوى الإقليمي، فإنها في الوقت ذاته تعكس خمس ملاحظات أولها: ارتباط تلك التحالفات على نحو وثيق بالصراعات وخاصة خروج الصراعات عن الحد المألوف نحو حافة الهاوية على نحو تطلب تأسيس تلك التحالفات، وثانيها: مع أهمية المنظمة الأممية وكذلك تنظيمات الأمن الإقليمي التي يفترض أن تضطلع بدور مكمل للمنظمة الأممية حال وقوع اعتداء، فإن عدم قدرة بعض من تلك التنظيمات على القيام بذلك الدور قد أتاح الفرصة لتأسيس بعض من تلك التحالفات للاضطلاع بتلك المهام، وخاصة أنها كانت تتطلب تدخلاً عاجلاً، وثالثها: على الرغم من أهمية التحالفات في الحفاظ على توازن القوى، فإن ذلك لم يتحقق في الأزمات كافة بل إن بعضاً منها قد رتب خللاً في توازن القوى الإقليمي، ورابعها: التحالفات تعكس التنافس والصراع بين مفهومي الأمن الإقليمي والأمن العالمي، صحيح أن الحدود تلاشت بين المفهومين ورغم أهمية التحالفات الدولية لحسم بعض الأزمات فإن التحالفات الإقليمية لاتزال ضرورة استراتيجية في ظل التحول الذي قد يشهده النظام العالمي، وخامسها: حظيت قضية أمن الملاحة البحرية بالنصيب الأكبر من تلك التحالفات، فقد كان هناك تحالفان لهذا الغرض بشكل محدد ويتوقع أن تكون هي القضية التي تكون مثار اهتمام الأطراف الإقليمية والدولية بتأسيس أطر أخرى لمواجهتها في المستقبل بالنظر إلى الأهمية الاستراتيجية للممرات البحرية في منطقة الخليج العربي.
ومع أهمية ما سبق يثار تساؤل مهم، هل لتلك التحالفات تأثير على منظومة الأمن الذاتي لدول الخليج العربي؟ وهو تساؤل له وجاهته ولكن ببساطة التحالفات هي أحد خيارات دول الخليج العربي للدفاع عن نفسها، ولكن لا يتعارض ذلك مع مسار الأمن الذاتي، بل إن النظام الأمني المتعدد الدوائر يعد ملائماً لمنظومة الأمن في الخليج العربي، ومع تعدد التحالفات، فإن الأمن الذاتي لايزال أساس أمن الخليج.
{ مدير برنامج الدراسات
الاستراتيجية والدولية بمركز «دراسات»
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك