هناك حقائق يجب إيضاحها بشأن المشروع الأمريكي لتوظيف البحث العلمي بهدف إنتاج القنبلة الذرية وهو ما أطلق عليه «مشروع مانهاتن»، وضم خيرة العلماء وألمعهم حيث بلغ عددهم حوالي 3000 عالم بميزانية تقارب 2 مليار دولار، أكثر من 90% منها كانت لبناء المنشآت وإنتاج معادن قابلة للانشطار. ولقد مر المشروع بتشكيل عدة وكالات أدت إلى مشروع مانهاتن لأول مرة في عام 1939م من قبل الرئيس فرانكلين دي روزفلت، بعد أن أفاد عملاء المخابرات الأمريكية أن العلماء العاملين لدى أدولف هتلر كانوا يعملون بالفعل على تطوير سلاح نووي. وانضم سلاح المهندسين بالجيش إلى مكتب البحث العلمي والتطوير في عام 1942 بموافقة الرئيس روزفلت، وتحول المشروع رسميًا إلى مبادرة عسكرية، بدعم من العلماء. وفي 28 ديسمبر 1942، أذن الرئيس روزفلت بتشكيل مشروع مانهاتن لدمج هذه الجهود البحثية المختلفة بهدف تحويل الطاقة النووية إلى سلاح عسكري. أنشِئت مرافق في مواقع نائية في نيو مكسيكو وتينيسي وواشنطن، وكذلك مواقع في كندا، لإجراء هذا البحث والاختبارات الذرية ذات الصلة.
وتقول المراجع إن مشروع مانهاتن هو الاسم الرمزي للجهود التي قادتها الولايات المتحدة لتطوير سلاح نووي فعّال خلال الحرب العالمية الثانية. في البداية، أنشأ روزفلت اللجنة الاستشارية لليورانيوم، وهي فريق من العلماء والمسؤولين العسكريين مكلفين بالبحث عن دور اليورانيوم المحتمل كسلاح، وبناءً على نتائج اللجنة بدأت الحكومة الأمريكية في تمويل البحث الذي أجراه إنريكو فيرمي العالم الإيطالي الأصل، وليو زيلارد العالم المجري الأصل الحاصل على الجنسية الألمانية في جامعة كولومبيا، والتي تركز عملهما على فصل النظائر المشعة (المعروف أيضًا باسم تخصيب اليورانيوم) والتفاعلات النووية المتسلسلة. والمقصود بتخصيب اليورانيوم هو عملية فصل اليورانيوم-235 (النقي) عن اليورانيوم-238 (استخدم في القنبلة الأولى – الرجل الصغير)، ويتم ذلك بواسطة الطرد المركزي لغاز اليورانيوم، حيث يتم تغذية الاسطوانة الدوارة (الطرد المركزي) - التي تدور بسرعة كبيرة على قاعدة يديرها محرك - بغاز سداسي فلوريد اليورانيوم. وفي غضون ذلك، كان علماء مثل غلين سيبورغ، وهو كيميائي أمريكي شارك في تركيب واكتشاف ودراسة عشرة من عناصر ما بعد اليورانيوم، ما أكسبه حصة من جائزة نوبل في الكيمياء لعام 1951، يُنتجون عينات مجهرية من البلوتونيوم النقي (استخدم في القنبلة الثانية – الرجل البدين)، وكانت الحكومة الكندية والمسؤولون العسكريون يعملون في أبحاث نووية في عدة مواقع في كندا.
تغيّر بعدها اسم اللجنة الاستشارية لليورانيوم، في عام 1940، إلى لجنة أبحاث الدفاع الوطني، قبل أن يتغير اسمها في النهاية إلى «مكتب البحث العلمي والتطوير» في عام 1941، وإضافة العالم إنريكو فيرمي إلى قائمة أعضائها. وقد نُفِّذ معظم العمل في لوس ألاموس، نيو مكسيكو، وليس في مدينة نيويورك التي سمّي المشروع باسم حي من أحيائها. وبدأ مشروع مانهاتن استجابةً للمخاوف من أن العلماء الألمان كانوا يعملون على سلاح باستخدام التكنولوجيا النووية منذ الثلاثينيات، وأن أدولف هتلر كان مستعدًا لاستخدامه.
وبعد الهجوم الياباني على بيرل هاربور، أعلن الرئيس روزفلت أن الولايات المتحدة ستدخل الحرب العالمية الثانية، وتتحالف مع بريطانيا العظمى، وفرنسا، والاتحاد السوفيتي لمحاربة الألمان في أوروبا واليابان في مسرح المحيط الهادئ.
كان عالم الفيزياء النظرية روبرت أوبنهايمر يعمل بالفعل على مفهوم الانشطار النووي (جنبًا إلى جنب مع إدوارد تيلر وآخرين) عندما عُيّن مديرًا لمختبر لوس ألاموس في شمال نيو مكسيكو عام 1943م حيث أنشِئ مختبر لوس ألاموس -الذي كان يُعرف باسم المشروع Y- رسميًا في 1 يناير 1943م. والمجمع هو المكان الذي تم فيه بناء واختبار قنابل مشروع مانهاتن الأولى، ومن العلماء البارزين الشباب آنذاك الذين اختارهم أوبنهايمر هو العالم ريتشارد فاينمان، الذي كان عمره حوالي 24 سنة (كان هو ذلك الشخص الذي كان يدق الطبول في الفيلم، وهو الذي رفض ارتداء نظارة ضد الأشعة فوق البنفسجية لكونه داخل السيارة، وهو الذي نال جائزة نوبل عام 1965، وعندما كان فاينمان في لوس ألاموس بقسم هانز بيث النظري، وانبهر به بيث، وجعله قائدا للفريق، وطور فاينمان وبيث معادلة «بيث-فاينمان» لحساب إنتاج القنبلة الانشطارية التي بنيت قبل ذلك بناء على أعمال روبرت سيربر.
وفي 16 يوليو 1945، في موقع صحراوي بعيد بالقرب من ألاموغوردو، نيومكسيكو، فُجِرت أول قنبلة ذرية بنجاح -اختبار ترينيتي- ما أدى إلى تكوين سحابة فطر هائلة يبلغ ارتفاعها حوالي 11 ألف متر (11 كم)، وبالتالي دخول العصر الذري.
قنبلة هيروشيما (الولد الصغير)
هذه القنبلة الهائلة، هي نتيجة الاستفادة من أقل من 1 جرام من مادة اليورانيوم، وسبب تفجيرا قدره حوالي 18 طنا منTNT المتفجرة. وبحسب موقع ويكيبديا ان طول قنبلة «الولد الصغير» هذه هو 3.0 أمتار، وقطرها 71 سم، ووزنها 4000 كجم (4 أطنان)، وتم استخدام تصميم المدفع لهذه القنبلة حيث تدفع المتفجرات كتلة جوفاء من اليورانيوم 235 أقل من الكتلة الحرجة لهدف من كتلة أخرى لتكون الكتلة الحرجة لبدء تفاعل نووي متسلسل .ورغم أنها تحتوي على 64 كجم من اليورانيوم، فإن الذي خضع للانشطار النووي هو 0.7 كجم، ومن هذه الكتلة لم يتحول سوى 0.6 جرام إلى الطاقة.
وتقول المراجع، إن سبب اختيار هيروشيما لتكون المنطقة المنكوبة هو فقط لمعرفة مقدار ما يمكن أن تحدثه هذه القنبلة على مدينة غير متضررة! أما القنبلة الاخرى (الرجل البدين) التي ألقيت بعد 4 أيام على ناجازاكي، وهي تستخدم البلوتونيوم (المتوافر في أمريكا ويحضر في مختبراتها) (المدينة الساحلية التي تصنع الأسلحة)، فكان لسبب أنها مكان تصنيع الأسلحة. وبعد القنبلتين، استسلمت اليابان لأمريكا، وانتهت الحرب، وبعدها بسنوات صارت اليابان أكثر قوة اقتصادية وتقنية. بعد أن مات حوالي 200 ألف ياباني، هذا عوضا عن المتضررين.
لم يقف الاتحاد السوفيتي، وبعض الدول متفرجين على الحدث، إنما استطاع الاتحاد السوفيتي تصميم وتجريب القنبلة النووية الهائلة، وتسمى قنبلة قيصر الروسية المسماة Tsar bomba ، وهي أقوى من قنبلة هيروشيما بحوالي 4000 مرة، أي قوة تفجيرها حوالي 100 ميجا طن ( مليون طن) من TNT.
الخلاصة والعبرة
إن إدارة البحث العلمي، باختيار أفضل الباحثين، والإنفاق السخي على البحث العلمي، وراحة الباحثين في المجالات العلمية والتكنولوجية، هو مكسب للدول التي تتبع هذا النهج، ولن نجد دولة راهنت على البحث العلمي فخسرت، وإنما حققت إنجازات تنموية واقتصادية هائلة.
إن الدول تعتمد على علمائها لحماية نفسها من أعدائها؛ فهي تقوم بتوظيف العلم والتكنولوجيا للحماية والردع، وهو مبدأ مهم لمنع الاعتداءات أو تهديد الأمن القومي للدول. وللأسف لم تعد المبارزة بالقوة الجسدية مهمة في وقتنا الحاضر، وإنما المهم القوة العقلية، ويجب الاهتمام بالعلوم والتكنولوجيا وتوطينها.
{ أستاذ الفيزياء التطبيقية
بجامعة الخليج العربي
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك