منذ إعادة انتخاب «بنيامين نتنياهو»، رئيسًا للوزراء وتحالفه مع القوميين والمتطرفين لتشكيل الحكومة الأكثر يمينية في البلاد بنهاية عام 2022، شرع في إقرار سلسلة من التعديلات الداخلية المُناهضة للديمقراطية، وعمل على إنكار وتجاهل وانتهاك حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.
وبالإضافة إلى تسريع حملة إسرائيل المستمرة منذ عقود من الضم للأراضي الفلسطينية المحتلة، عبر التوسعات الاستيطانية غير القانونية، والتهجير القسري للسكان، وحماية المستوطنين المتطرفين أثناء هجماتهم واعتداءاتهم على البلدات والقرى الفلسطينية؛ صعدت من عملياتها العسكرية العدوانية على قطاع غزة، وشنت عدوانًا واسعا على مدينة «جنين» في أوائل يوليو 2023 وقبلها على مدينة نابلس، وأدت هذه الانتهاكات مجتمعة إلى استشهاد أكثر من 213 فلسطينيا منذ بداية العام حتى اليوم.
ومع إجراء «نتنياهو»، وشركائه في الائتلاف الوطني المتطرف، مثل «إيتمار بن غفير»، و«بتسلئيل سموتريتش»، العديد من الإجراءات المناهضة للديمقراطية، بهدف تعزيز الأجندة المتطرفة لمثل هذه الشخصيات؛ فإن جهود نتنياهو كانت مستمرة لتجنب مساءلته عن تهم الفساد والاحتيال أيضا.
وبعد عرقلة خططهم بشأن التعديلات عبر مجموعة واسعة من الاحتجاجات الجماهيرية والإدانات الدولية؛ وصفت «ألكسندرا شارب»، في مجلة «فورين بوليسي»، تصويت الكنيست لسن «تغييرات قضائية شاملة»؛ بأنه «فوز تشريعي كبير» لنتنياهو، بعد تصويت 64 نائبا، ومقاطعة نواب المعارضة، ما يعني أن الائتلاف اليميني، قد كبح الآن سلطات «المحكمة العليا»، الإسرائيلية، مع تداعيات كبيرة على سكان الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ووفقا لـ«ديفيد كوهين»، في مجلة «بوليتيكو»، فإن التغييرات التشريعية ستجرد «بشكل أساسي» المحكمة العليا من استقلاليتها، وتشوه سمعة المحاكم من خلال تمكين الحكومة من تمرير تشريع لا يمكن للقضاة مراجعته». ومع توضيح «نادين إبراهيم»، من شبكة «سي إن إن»، أن افتقار إسرائيل إلى دستور مكتوب يعني أن المحكمة العليا كانت تاريخيًا «الضابط الوحيد على السلطتين التنفيذية والتشريعية»، و«الآلية»، التي تسمح للقضاة بعرقلة القرارات التنفيذية والتعيينات، وهو ما تم الالتفاف عليه بشكل «غير معقول». ولعرقلة سلطاتها قام الائتلاف بالاحتجاج في يناير 2023 لمنع المحكمة «نتنياهو»، من تعيين «أرييه درعي»، زعيم حزب شاس المتشدد في حكومته؛ على الرغم من إدانته في السابق بالتهرب الضريبي والاحتيال والفساد.
وبحسب «رافي بيرج»، من شبكة «بي بي سي»، فإن الجهود الإضافية التي تبذلها حكومة «نتنياهو»، لتمرير المزيد من التشريعات لتعزيز سلطتها التنفيذية ستكون «متنازعا عليها بشدة». وعلى الرغم من أن عودة هذه الإصلاحات السياسية أثارت المزيد من الاحتجاجات الجماهيرية، فإن إقرار هذا القانون يُعد بمثابة «دليل واضح» على أن الحكومة اليمينية المتطرفة الحالية أصبحت الآن أكثر جرأة لتعزيز مصالحها الخاصة قبل كل شيء.
ومع إشارة «شارب»، إلى كيف يمكن لنتنياهو وحلفائه الآن «تعيين أو فصل أي شخص يرغبون فيه من دون الاضطرار إلى الوقوف أمام أعلى محكمة في البلاد»؛ فإن احتمال اختيار شخصيات أكثر تطرفًا في مناصب عليا، استنادا فقط على المناورات السياسية للتحالف، باتت الآن «حقيقة مؤسفة». وعليه، أشارت إلى أن الأشهر المقبلة ستشهد «عددًا من قرارات السلطة التنفيذية المثيرة للجدل، وعمليات الفصل»، بما في ذلك المدعية العامة «غالي ميارا»، التي أوضحت علنا أن محاكمة «نتنياهو» بشأن قضايا الفساد مع وجوده في السلطة، تشير إلى انتهاك القوانين وتضارب المصالح.
ومع إزاحة المعارضين واستخدام نفوذ القوميين المتطرفين على رئيس الوزراء؛ لتأمين مناصب رئيسية لهم ورفع الرقابة عن سلوك الحكومة؛ فإن الفلسطينيين في الأراضي المحتلة سيعانون «أشد المعاناة». في حين لاحظ «بيرج» أن الإصلاحات القضائية التي قد «خلفت حالة استقطاب بإسرائيل»، وأطلقت «واحدة من أخطر الأزمات المحلية في تاريخ البلاد»، قد تهدد سلامة الفلسطينيين في المستقبل، خاصة مع غياب المساءلة لشخصيات، مثل «نتنياهو، وبن غفير، وسموتريتش».
وحتى قبل تقييد سلطاتها، أصدرت «المحكمة العليا» أحكامًا لصالح المستوطنين وضد حقوق الإنسان للفلسطينيين. وعلى سبيل المثال، صوتت في مايو 2022، على طرد 1000 فلسطيني من قرى منطقة «مسافر يطا» الريفية، وهي خطوة انتقدتها «جمعية الحقوق المدنية»، باعتبارها «تترك عائلات بأكملها مع أطفالهم وكبار السن في العراء». وقبلها في عام 2018، صوتت أيضًا بالإجماع لصالح استخدام القوة المفرطة ضد 223 متظاهرًا فلسطينيًا سلميًا في غزة.
وفي الوقت الحالي ومع التغييرات التي طرأت على القضاء وغل يد المحكمة العليا في الإشراف على الحكومة عن ذي قبل، يزداد الضرر الحقيقي الواقع على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة. وأشار المحللون إلى أن الإصلاحات القضائية ستساعد في «مصادرة الأراضي الفلسطينية بحكم الأمر الواقع»، وتتيح لهم «سبيلًا مُختصرًا لضم الضفة الغربية من دون إعلانها رسميًا». وفي هذا الصدد، أشار «ساروب إعجاز» من منظمة «هيومن رايتس ووتش» إلى كيف كان عدد الأشخاص المحتجزين «رهن الاعتقال الإداري من دون محاكمة أو تهمة بناء على أدلة سرية؛ هو الأعلى منذ سنوات» في عام 2022، وقد اشتد «القمع» بشكل أكبر خلال الأشهر الأخيرة، في ظل حكومة يمينية متطرفة أكثر انتهاكًا للحقوق، الأمر الذي يُبقي احتمال تحسن هذا الوضع «بعيد المنال».
ومما يزيد من فوضى تفاقم الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة هو استمرار إحجام الدول الغربية من دون محاسبة. وفي تناقض صارخ مع حرص «واشنطن» على انتقاد الدول التي لا تلتزم بالمعايير الدولية لسيادة القانون وحماية حقوق الإنسان؛ فشل الرئيس الأمريكي «بايدن» في تحميل نتنياهو وحكومته مسؤولية انتهاك القانون الدولي. وعلى الرغم من توضيح «كيفين ليبتاك»، و«جنيفر هانسلر»، من شبكة «سي إن إن»، أنه كان صريحًا في انتقاده لحملة الإصلاح القضائي؛ فإن خطابه كان «هادئا للغاية». وفي الأيام التي سبقت تصويت الكنيست، نصح «نتنياهو»، بعدم «التسرع» في الإصلاح السياسي المخطط له.
واستمرارا، وردا على تمرير التصويت، وصفت «كارين بيير» السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض هذه الخطوة المعادية للديمقراطية بأنها «مؤسفة». وعلى الرغم من أن «الولايات المتحدة»، هي الشريك الاستراتيجي الأساسي لإسرائيل، والجهة المانحة للدعم الاقتصادي والمساعدات العسكرية، فقد رأى «بانيكوف»، أن جهود «بايدن»، المحدودة لثني نتنياهو، كانت في النهاية «بلا جدوى».
وبدلاً من أن تعاقبها «واشنطن»، كما تفعل مع جميع الدول غير الغربية تقريبًا، بسبب الممارسات المناهضة للديمقراطية؛ فقد سعى «البيت الأبيض»، لمكافأة الحكومة الإسرائيلية. وفي الوقت الذي حذر فيه من الإصلاحات القضائية المقترحة، دعا «بايدن» «نتنياهو»، لزيارة الولايات المتحدة قبل نهاية العام. ومع استمرار الاحتفاء بالمسؤولين الإسرائيليين بهذه الطريقة على الرغم من انتهاكاتهم للقانون الدولي، فليس من المستغرب أن يستمروا في سياساتهم مع ضمان إفلاتهم من العقاب.
ومع ذلك، كانت هناك بعض الشخصيات الأمريكية التي تنادي بإعادة تقييم علاقة بلادها بإسرائيل، عقب الإجراءات الاستفزازية الأخيرة للحكومة. وتساءل «نيكولاس كريستوف»، في صحيفة «نيويورك تايمز»، عما إذا كان الوقت قد حان للتفكير في التخلص التدريجي من المساعدة الأمريكية لإسرائيل في المستقبل؟ كما دعا «دانيال كيرتزر»، السفير السابق في إسرائيل إلى هذه الخطوة، موضحا أن مبلغ 3.8 مليارات دولار الذي تقدمه بلاده سنويًا «لا يمنحها أي نفوذ أو تأثير على القرارات الإسرائيلية»؛ حيث تنتهج سياسات نعارضها»، معترفا بأن أمريكا بدورها يُنظر إليها دوليًا على أنها «داعم» للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
وعلى الرغم من أن هذا الموضوع يكتسب في مجال السياسة الداخلية الأمريكية أيضًا «زخمًا كبيرًا»، حيث أشار «كريستوف»، إلى كيفية انتهاج المنافسين لنيل ترشيح الحزب الديمقراطي للرئاسة لعام 2020، «بيرني ساندرز»، و«إليزابيث وارين»، و«بيت بوتيجيج»، جميعهم الاقتراح بوضع شروط لتقديم المساعدة لإسرائيل، ومع ذلك يظل هذا الأمر «غير محتمل». وأشار «جيريمي بن عامي»، من منظمة «جي ستريت»، إلى «مزيج من المشاحنات الحزبية والتدليس السياسي» من قبل المشرعين الأمريكيين، وهو ما انعكس في كيفية قيام 325 من أعضاء مجلس النواب من الجمهوريين والديمقراطيين بتوقيع خطاب لمعارضة أي شرط للمساعدة الأمريكية لإسرائيل في عام 2021.
ومع عدم استعداد «البيت الأبيض»، و«الكونجرس»، لاتخاذ المزيد من الإجراءات الملموسة لمحاسبة إسرائيل على أفعالها، أشار «إعجاز» إلى أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وخاصة الأعضاء في مجلس الأمن، «ملزمة باتخاذ إجراءات ضد الجرائم ضد الإنسانية والفصل العنصري، والاضطهاد في الأراضي المحتلة»، مؤكدا أن «الصمت والتقاعس والإنكار»، من قبل الحكومات الغربية على هذه الجرائم الموثقة «يشكل تحديًا خطيرًا للنظام الدولي».
إن «الأيام المقبلة سوف تختبر استعداد «نتنياهو» وحكومته لـ«تحدي الرأي العام» ودعم تعديلاتهم السياسية في مواجهة الاحتجاجات المتزايدة؛ فإن الحقيقة هي أن هذا التحالف كان منذ إنشائه «مستعدًا»، لفعل كل ما هو ضروري لتعزيز أهداف سياسته الخاصة والمصالح الذاتية لأعضائه وداعميه. وعلى الرغم من أن تمرير مشروع قانون الإصلاح القضائي من خلال الكنيست، قد أعقبه طعن قانوني من حركة «جودة الحكم» المؤيدة للديمقراطية في إسرائيل، فقد طرح «بانيكوف» فكرة ما إذا كانت هذه القضية ستتم متابعتها بالفعل، وما إذا كانت هناك أسباب لإلغاء القانون.
على العموم، مع قدرة الحكومة الإسرائيلية الآن على تعيين أعضاء، وسن السياسة من دون إشراف قضائي من المحكمة العليا في البلاد؛ فإن التداعيات على الفلسطينيين في الأراضي المحتلة ستكون خطيرة، حيث ستفتح الباب أمام تصعيد أكثر حدة لعمليات التدمير والتهجير، والتوسع الاستيطاني وتهويد الأراضي الفلسطينية. ومع عدم رغبة «واشنطن»، بشكل واضح في اتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة «نتنياهو»، وحكومته على أفعالهم يجب أن نستنتج أن مستقبل القضية الفلسطينية سيشهد تفاقم الوضع أكثر فأكثر.
هل ترغب بالتعليق على الموضوع؟
لا تتردد في إعطاء تعليقك ومشاركة رأيك